قاسم الساحلي/ قاص وكاتب لبناني
وأنت ترتّب تفاصيل الموعد القريب، تحضّر أوراقك، تستلّ من خزانة الثياب صايةً جديدة، تعيد لفّ العمامة بهدوء على ركبتك اليمين، تختار عطر المناسبة، وخاتم العقيق...
وأنت تزور المكان حين يهدأ الضجيج ويغادر العمّال، تتأكد من سعة الساحة، من المنصّة، من الشِّعار والخلفية والراية والنشيد، تقف خلف المنبر تتأكد من الإطلالة وسهولة الرؤية، تتلفّت يمينًا يسارًا، ثم تنزل إلى حيث سيسجّى البحر، تمسح على خشب الطاولة، تودّعها من سرّ صبرك لتكون في غد قوية متماسكة..
تعبر الطريق من مكان الحفل إلى حيث المقام، تدخل بخفّة وخجل، تخلع نعليك، تودّعهما جذع شجرة قريبة، ترسم للمحبين مسارًا، اتبعوا الأثر، وادخلوها بسلام آمنين، وتخطّ باصبعك اسم الأبواب ورسمها: هنا باب القِبلة، هنا باب القُبلة، هنا باب النصر، هنا باب الفجر..
وترسم خطًا في التراب، وتهمس في أذن الصحب: احفروا هنا..
ثم تخطو تقيس أرجاء المكان، تقول لمن اعتاد مرافقتك مثل ظلك: غدًا سيأتي الأحبة، أتركوهم يعبرون، اتركوهم يفتحون أذرعتهم على وسعها للعناق، افتحوا الأبواب، وارفعوا كل الحواجز، غدًا أرتدي رجفة أصواتهم عباءة، وأعتمر دمعهم عِمّة..وأداري ثيابهم من المطر، وأطرافهم من لسعة البرد، أحمل عن الأمهات أطفالهن، وأسنّد العجائز، أعين من خذلته الخطوات كي يقوم، أبلّل بندى الحب شفاه العطاشى، وأمسح على جرح القلوب باسم صبر الحسين...