الأخبار
توقّفت، جزئيًا، حملة التطهير التي تعرّضت لها مدن وقرى الساحل السوري، بعد ساعات قليلة من تغريدة نشرها وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو. وأتت هذه التغريدة عقب جدل أثاره الملياردير الأميركي، إيلون ماسك، إثر سؤاله عما يجري في سورية، لتبدأ نوبة تصريحات غربية متواصلة رافضة لما يجري، تُوّجت بجلسة لـ"مجلس الأمن" الذي خرج بتوافق نادر حول سورية، في سياق التقارب الروسي - الأميركي، والذي بدأ بعد وصول الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى السلطة.
وبدا أن التغريدة التي دان من خلالها الوزير الأميركي "ما يرتكبه الإرهابيون الإسلاميون المتطرّفون بمن معهم من جهاديين أجانب، من قتل للمواطنين في الساحل السوري"، داعيًا الإدارة السورية الجديدة إلى محاسبة مرتكبي المجازر ضدّ الأقليات، قرعت جرس الإنذار لدى تلك الإدارة، إذ سارع الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، إلى الخروج بكلمة مسجّلة اعترف خلالها بوجود انتهاكات، معلنًا تشكيل لجنة خاصة لتقصّي الحقائق، ولجنة أخرى للتواصل مع أهالي الساحل لتحقيق "السلم الأهلي"، في وقت أنهت فيه وزارة الدفاع، على عجالة، عمليتها العسكرية، بعد أن تم الدفع بالفصائل التي توافدت نحو الساحل إلى الخروج، وترْك ركام قرى تعرّض سكانها لأبشع أنواع المجازر.
وعلى الرغم من أنسحاب قسم كبير من الفصائل، لا تزال تتعرض بعض القرى لهجمات متفاوتة من فصائل يبدو أنها قررت استثمار كلّ دقيقة بهدف سرقة القرى، ومحاولة قتل كلّ من يمكن قتله فيها. وفي هذا الإطار، تشير مصادر ميدانية إلى أنه "تجري متابعة دقيقة لتلك الهجمات على أعلى المستويات من قبل الإدارة السورية الجديدة لوقفها"، عبر إرسال تشكيلات عسكرية جديدة تحت مسمى "الشرطة العسكرية"، التي أوكلت إليها مهمّة ملاحقة تلك الجماعات، والقبض على المسلحين الذين ظهروا في التسجيلات المصوّرة للجرائم. وفي أولى عملياتها، ألقت "الشرطة العسكرية" القبض على مسلحيْن ظهرا في تسجيل مصوّر وهما يقومان بقتل رجل مسنّ بدافع التسلية والانتقام الطائفي.
كذلك، تمّ توقيف مجموعة تطوعية تنشط في مدينة الباب، في ريف حلب الشمالي الشرقي، نشرت تسجيلًا مصوّرًا لعمليات توزيع مواد غذائية تحمل ملصقات تتغنّى بقتل العلويين، وسط مطالبات شعبية بتوسيع العملية والقبض على مرتكبي المجازر، بالإضافة إلى الإفصاح عن آلية محاكمتهم، وعدم الاكتفاء بنشر صور لهم وهم مقيّدون فقط.
وسمح توقف الهجمات العسكرية، للأهالي بدفن ضحاياهم، وسط تضارب كبير في المعلومات حول العدد الحقيقي للضحايا، إذ تقدّر بعض المصادر الأهلية عددهم بنحو 3 آلاف ضحية، بين نساء وأطفال، في حين تذهب تقديرات أخرى نحو أرقام أكبر بكثير، وهي نقطة لا يمكن التأكد منها في ظل حالة الفوضى الكبيرة التي يعيشها الساحل السوري عمومًا. وعلاوة على ذلك، ثمة مفقودون ذكرت مصادر أهلية أن الفصائل المسلحة قامت بجمع جثثهم ورميها في الوديان لإخفاء معالم الجريمة، التي من المفترض أن تضع اللجنة التي تم تشكيلها من قبل الشرع تصوّرًا كاملًا حولها، وحول مرتكبيها.
وفي ظل حالة عدم اليقين، واستمرار وجود بعض الفصائل، والخوف الشديد من قبل الأهالي، لا يزال قسم كبير منهم مختبئًا في المزارع والأحراج، إلى جانب وجود عدد كبير منهم داخل "قاعدة حميميم" الروسية، والتي رفضوا الخروج منها بعد وصول وفد من وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة والمنتهية ولايتها، إليها، بسبب عدم وجود أي ضمانات بحفظ أرواحهم.
وفي خضمّ الشائعات التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، انتشرت أنباء عن زيارة يجريها وفد تحقيق أممي إلى الساحل السوري، الأمر الذي نفته مصادر محلية تحدّثت إلى "الأخبار"، أكّدت أن الوفد الذي زار بعض المناطق لم يأتِ بهدف التحقيق وإنما للاطّلاع على بعض المواقع التابعة للمنظمة، إلى جانب بحث إجراءات أخرى متعلّقة بأنشطتها.
في غضون ذلك، عقد "مجلس الأمن" جلسة مغلقة بطلب روسي - أميركي مشترك، لمناقشة الأوضاع في سورية، كتمهيد لاجتماع علني آخر من المُنتظر عقده خلال اليومين المقبلين. وعقب الاجتماع، خرج مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، ليؤكد أن أعضاء المجلس كانوا متّحدين في موقفهم بشأن رفض استخدام العنف في سورية. وتابع: "كان المجلس متّحدًا في ما ناقشناه اليوم، وتحدّث الجميع، لا أقول بصوت واحد، لكنّ الجميع أكدوا على العناصر ذاتها: عدم جواز ما حدث: القتل الجماعي والعنف".
وفي السياق نفسه، نشر الصحافي السوري، وضاح عبد ربه، رئيس تحرير جريدة "الوطن" السابق، عبر حسابه الشخصي على موقع "فايسبوك"، تسريبات لبعض مجريات الاجتماع، قال إن مصدرًا غربيًا أبلغه بها. وبحسب الصحافي، فقد اعتبرت الصين أن ما جرى في الساحل السوري ليس صراعًا عسكريًا، وإنما انتهاك يجب على السلطات لجمه، كما جرى الحديث عن خطورة المقاتلين الأجانب على سورية وجوارها، وضرورة إخراجهم. وبينما عبّرت فرنسا عن قلقها، رأت اليونان أن ما جرى أنهى التفاؤل الذي كان سائدًا قبل أسبوع.
وفي ردود الفعل السياسية البارزة، دان وزير الخارجية الأيرلندي، سيمون هاريس، بشدة، الهجمات والعنف وقتل المدنيين في غرب سورية. وقال، في تصريحات صحافية، إنه على "السلطات المؤقتة في سورية ضمان حماية المدنيين بغضّ النظر عن معتقداتهم أو عرقهم". كما دانت الخارجية الأسترالية العنف في سورية، مضيفة: "نحث جميع الأطراف على حماية المدنيين وضبط النفس وتغليب الحوار". وأعلنت الخارجية الصينية، بدورها، أن الصين تتابع عن كثب الوضع في سورية، وعبّرت عن قلقها من الصراع المسلح الأخير، داعية إلى احترام العملية السياسية. كما استنكرت الخارجية الإيرانية الأحداث في الساحل السوري، مؤكدة أن الاتهامات الموجهة إلى إيران أو أصدقائها بشأن أحداث سورية "مضحكة وغير قبولة"، ومحاولة لتبسيط الوضع الراهن في البلاد.
كذلك، أعربت ألمانيا وهولندا عن قلقهما من الانتهاكات الجارية في الساحل، في وقت أعلن فيه وزير الخارجية الهولندي، كاسبر فيلدكامب، أن بلاده دعت إلى اجتماع على المستوى الوزاري في الاتحاد الأوروبي، يُعقد اليوم، لمناقشة التطورات والاستعداد لردّ مناسب. وفي تغريدة على موقع "أكس"، قال وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتايو، إنه "بعد المجازر التي ارتكبها متوحشون إسلاميون بحق الأقليات المسيحية والعلوية في سورية، تعوّل هذه المجتمعات على المجتمع الدولي، وخاصة على فرنسا، لوضع حد لهذه الفظائع"، متابعًا أنه "يجب على النظام الجديد أن يثبت صحة تصريحاته". ودعت "منظمة العفو الدولية"، من جهتها، إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة، وطلبت من السلطات السورية السماح للجنة بتقصّي الحقائق.
وفي محاولة لامتصاص ردود الفعل العالمية، أجرى الشرع لقاء مع وكالة "رويترز" قال فيه إن "سورية دولة قانون، والقانون سيأخذ مجراه على الجميع". وتابع أن "الاعتداء على حرمة الناس وعلى دمائهم أو أموالهم خط أحمر في سورية، ولا نقبل بأن تكون هناك قطرة دم تُسفك بغير وجه حق، أو أن يذهب هذا الدم سدى دون محاسبة أو عقاب"، وفق تعبيره. وبينما حمّل الشرع قوات من "الفرقة الرابعة وقوى أجنبية" مسؤولية اندلاع العنف في الأيام الماضية، قال إن "أطرافًا عديدة دخلت الساحل السوري وحدثت انتهاكات عديدة".