اوراق مختارة

ضغط عسكري لزوم التطبيع

post-img

علي حيدر (الأخبار) 

شنّت "إسرائيل" عدواناً جوياً واسعاً على الجنوب والبقاع بعد اعتراض صواريخ أُطلقت من منصات خشبية بدائية كان واضحاً أن لا علاقة لحزب الله بها، وهو ما أكّده الحزب في بيان لقطع الطريق على توظيف الأمر سياسياً كما وُظّف ميدانياً.

لكن الأهم أن العدوان أتى استكمالاً لسياق سياسي كان واضحاً أنه يتطلب رفع مستوى الضغوط العسكرية الإسرائيلية لأهداف سياسية وأمنية محددة.

فقد سبقه ارتفاع نبرة المواقف الأميركية التي تؤكد على خيار التطبيع بين لبنان والعدو الإسرائيلي، والطلب من الدولة اللبنانية المبادرة إلى خطوات محددة في هذا الاتجاه.

وفي هذا الإطار أشار المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إلى إمكانية فعلية لتطبيع علاقات لبنان مع إسرائيل عبر إبرام معاهدة سلام بين البلدين، لافتاً إلى أن العدو الإسرائيلي يملك سيطرة ميدانية في لبنان وسوريا «تفتح الباب أمام تطبيع شامل في حال تم القضاء على حزب الله وحماس».

كذلك، تنبغي الإشارة إلى أن هذا العدوان يشكل أيضاً ترجمة للتفاهم الأميركي - الإسرائيلي الذي تبلور بالتزامن مع اتفاق وقف النار في 27 تشرين الثاني الماضي، على مواصلة الحرب بوتيرة أخرى ووفقاً لقواعد مغايرة، بعد تعذّر تحقيق جيش العدو هدف القضاء على حزب الله وقدراته، وبعدما تعززت مؤشرات تعافي الحزب التي عكستها ردوده التصاعدية للعمق الإسرائيلي في الحرب.

بتعبير آخر، تتحرك الاعتداءات الإسرائيلية، سياقاً ووتيرة وتوقيتاً، وفقاً لمقتضيات المخطط الأميركي في لبنان. المطلب الأميركي من لبنان بالدفع نحو خطوات تطبيعية كان يتطلب رفع مستوى الضغوط العسكرية، وفقاً لما كانت تشير إليه الأجواء السياسية والإعلامية التي سبقت إطلاق الصواريخ. وتُرجم ذلك عملياً بتوظيف العدو هذه الصواريخ للذهاب إلى عدوان أبعد من أن يكون رداً على صواريخ تم اعتراضها أصلاً، فهاجم في الجنوب والبقاع، على شكل موجات، ووجه تهديدات في كل اتجاه. وبذلك يكون قد نفّذ المطلوب منه عسكرياً كي يلاقي الضغوط السياسية الأميركية تحت عنوان الرد.

ومما لا يقل أهمية أن جوقة داخلية لبنانية تكفّلت بتوفير تغطية للعدوان عبر تبرئة العدو وإلقاء المسؤولية على المقاومة. وهو خيار تنتهجه قوى وشخصيات سياسية وإعلامية وفقاً للدور الموكل إليها في المعركة الشاملة التي تُخاض ضد المقاومة وتراهن على القضاء عليها أو على الأقل إضعافها إلى مستوى يسمح بفرض تطبيع شامل مع العدو الإسرائيلي.

بالتساوق مع هذا الاتجاه، يهدف توسيع نطاق العدوان أيضاً إلى رفع مستوى الضغوط على جمهور المقاومة بشكل مدروس ومتدرج ومتصاعد. وبما يخدم توفير البيئة الملائمة لأي خيار تطبيعي عبر وضع هذا الجمهور بين خيارين: استمرار الاعتداءات وتصاعدها أو التسليم بالإملاءات الأميركية الإسرائيلية (مع تغييب لما سيترتب على هذا الخضوع من تداعيات أخطر بكثير).

يُضاف إلى ما تقدم أن العدو يواصل عبر هذا العدوان إستراتيجيته في لبنان في مرحلة ما بعد الحرب، وتحت شعارات تتصل بمنع حزب الله من التعافي عبر محاولة تدمير قدراته (رغم أن الاعتداءات شملت مناطق مدنية واسعة)، وبهدف تكريس الهيمنة الميدانية وإرساء سقف أعلى من التصعيد كجزء من معادلة العدوان وترقب ما سيترتب عليه من نتائج سياسية في الساحة اللبنانية. وفي هذا الإطار لا يخفى أن العدو يحاول دفع الدولة اللبنانية نحو خطوات أكثر دراماتيكية انطلاقاً من تقدير لدى تل أبيب وواشنطن بضرورة استثمار الأوضاع الحالية سريعاً، وأن أي تأخير قد يصب في مصلحة المقاومة. ولا يخفى أن هذا الدفع ينطوي على مخاطر كبرى قد تهدد استقرار لبنان أيضاً، إن تمت الاستجابة للمطالب الأميركية - الإسرائيلية.

لذلك، فإن الدولة اللبنانية مطالبة في هذه المرحلة من تصعيد العدوان أن تُترجم الشعار الذي يردّده مسؤولوها بأنها من يملك قرار الحرب والسلم، عبر تفعيله عملياً في أكثر من اتجاه، خصوصاً أن من مقتضيات هذا الشعار أيضاً أن تكون مسؤولة عن الدفاع عن الشعب والسيادة والأمن في مواجهة العدوان الخارجي. كما إن عليها التعامل مع هذه المحطة كفرصة كي تثبت جدارتها ومصداقيتها في الشعارات التي ترفعها، بعدما فشلت منذ ما بعد اتفاق وقف النار وحتى اليوم.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد