اوراق مختارة

العهد والحكومة: لا فترة سماح إضافية

post-img

إبراهيم الأمين (الأخبار)

نظرية الـ 100 يوم الأولى لا تنطبق على العهد الجديد، ولا على الحكومة الجديدة. الأمر ليس حساباً كيدياً، بل هو متصل أساساً في كون من أتى إلى السلطة بضغط أميركي - سعودي لم يكن يحتاج إلى فترة سماح فعلية، إذ إن المسار السياسي للبلاد لا يحتاج إلى كثير من التفسير ليكون العنوان واضحاً، والأفعال دالّة على مآلات الأمور.

لكن فكرة أن الناس في هذه البلاد مستعدون لتحمّل الكثير، وكونهم لا يملكون سوى الأمل بشيء جديد، أتاحت لفريق السلطة الجديدة، برأسيها جوزيف عون ونواف سلام، فرصة اختيار الفرق التي يُفترض بها أن تقدّم الوجه الجديد والمناقض لما كان موجوداً.

لكنّ الوصاية الأميركية - السعودية، غير معنية بما يريده اللبنانيون، بل ترى في المتغيّرات الجارية فرصة قد لا تتكرر لفرض وقائع سياسية وإدارية وأمنية ومالية واقتصادية، في خطوة باتجاه إخضاع لبنان كلياً للعصر الأميركي - السعودي، وهو العصر الذي له ترجمة وحيدة في بلادنا: التطبيع مع إسرائيل!


وإذا كان أهل السلطة الجديدة يواجهون صعوبات في التجاوب الكامل مع طلبات الخارج بشأن السلام مع إسرائيل، فهذا يعود أساساً إلى كون خطوة كهذه تحتاج إلى متغيّرات كبيرة، وكبيرة جداً، وهو ما لم يحصل. كما أن الحرب الإسرائيلية لم تقضِ على المقاومة كما افترض العدو نفسه، أو كما يرغب حلفاؤه من الأميركيين والسعوديين وفئة من اللبنانيين. وكل ذلك يجعل أمر التطبيع غير ممكن، أو مكلفاً جداً على أقل تقدير.

لكنّ التطبيع ليس خطوة سياسية معزولة عن وقائع أخرى تحكم البلاد، لأن الوصاية الأميركية - السعودية تريد، أولاً، الإمساك بمفاصل القرار، من المؤسسات العسكرية والأمنية إلى المؤسسات القضائية والإدارية والمالية، وصولاً إلى مفاتيح الإدارة العامة، وآلية انتقال لبنان إلى مرحلة تلبية شروط مؤسسات التمويل العالمية، خصوصاً أن أهل الوصاية باتوا يشترطون علناً التزام لبنان بشروط البنك الدولي وصندوق النقد وآراء جهات أخرى، قبل البحث في أي نوع من الدعم، علماً أن الجميع يتحدّث عن قروض وليس عن هبات أو مساعدات.

ولأنّ الأمر على هذا النحو، فإن الوصاية الخارجية قليلة الاهتمام بكل أنواع التوازنات الداخلية. وعندما أطيح بقوى سياسية كبيرة في عملية تشكيل الحكومة، جرى ذلك على خلفية استهداف القوى المسيحية الحليفة لحزب الله، كما جرى إقصاء آخرين، لم ينخرطوا تماماً في البرنامج الجديد، علماً أن السعودية تخوض معركة إعادة «ترتيب البيت السنّي»، لكن بشرط إقصاء كل ما له علاقة بآل الحريري. ويبدو أن محمد بن سلمان لا يحقد على الحريري الابن، بل لا يريد أثراً للحريري الأب أيضاً.

فيما يتم التعامل مع الأقطاب التقليديين، مثل نبيه بري ووليد جنبلاط، بطريقة لا تبعدهما عن جنة الحكم، لكن تقيّد حركتهما على أكثر من صعيد. أما حزب الله، فإن الظروف تفرض التعامل معه إلى حين. وهو الحين الذي يستعجله أقطاب الوصاية الخارجية، ويريدون الانتهاء منه في أسرع وقت.

وبناءً على هذه السياسة، رسم العهد الجديد والحكومة الجديدة مسارات يمكن اختصارها بعناوين أساسية، ما يجعل الحكم عليها سهلاً ويسيراً:
أولاً، التصرف على أن استمرار العدوان والاحتلال الإسرائيليين أمر لا يمكن مقاومته، وأن التخلص من عبئه يتطلب السير في برنامج لاتفاقية سلام، أو أقله اتفاقية أمنية يقبل لبنان بموجبها بإجراءات على طول الحدود، وفي منطقة بعمق عدة كيلومترات، لضمان أمن إسرائيل ودفعها إلى الانسحاب.

ثانياً، إن التزام هذا الخيار يعني أن الحكومة غير معنية جدياً بملف إعادة الإعمار في لبنان عموماً، وفي المنطقة الحدودية بشكل خاص.

وحتى إزالة ركام الحرب، لا تراه الحكومة أولوية الآن. وكل القروض الآتية من البنك الدولي أو من جهات أخرى، مشروطة بآليات تقول لأبناء هذه القرى إن عودتهم ممنوعة حتى توقيع اتفاق مع إسرائيل. فيما وافقت السلطة الجديدة على الوصفة الغربية، بأن يستمع اللبنانيون ثلاث مرات في النهار لمعزوفة: حصرية السلاح والتحرير بالدبلوماسية!

ثالثاً، لقد قبل نواف سلام بالمعادلة الجديدة لإدارة الحكم في لبنان، أي إنه قبل بالتفسير الجديد لاتفاق الطائف كما تعرضه الوصاية الأميركية - السعودية، والتي تعطي رئيس الجمهورية مكانة متقدّمة على رئيس الحكومة، ليس في الإشراف على ملفات الأمن والسياسة الخارجية فقط، بل على إدارة عمل مجلس الوزراء وبقية مؤسسات الدولية الأمنية والعسكرية والمالية والقضائية.

وقد جاءت التعيينات الأمنية والعسكرية في هذا السياق، كما يجري العمل على تمرير تعيينات في الإدارات المالية ومصرف لبنان. وهو ما كان يهدف إلى تثبيته أيضاً وزير الإعلام بول مرقص في مقترحه لتعيين مجلس إدارة جديد لتلفزيون لبنان، حيث بدا الرجل غريباً بصورة كلية عما كانت عليه صورته قبل تعيينه وزيراً.

رابعاً، الشروع في خطة اقتصادية - مالية كلّف وزير الاقتصاد عامر البساط بإعدادها، بالتعاون مع آخرين من داخل الدولة وخارجها. لكنها خطة تستند أولاً وأخيراً إلى أن القطاع الخاص هو الملاذ الآمن للناس، وأن الدولة يجب أن تعاد صياغتها بما يخدم استثمار القطاع الخاص، مع جرعة تخدم الجمهور بالحديث عن العدالة الاجتماعية.

وإذا كان حزب المصارف يخوض معركة ضد فريق رئيس الحكومة، كونه يخشى على ما تبقّى من رأسمال لديه، فإن هذا لا يمنح فريق الحكومة صك براءة، كون المشروع المُقترح يخدم النموذج الاقتصادي القائم، وكل ما يقترحه علينا هو إدارة بديلة غير تلك التي تولّته في العقود الثلاثة الماضية.

وتكفي مراقبة سلوك وزير الاتصالات شارل الحاج في طريقة إدارة مرافق الوزارة، وعلاقته بالشركات الخاصة المتوثّبة للاستيلاء على مقدّرات الدولة، حتى يدرك الناس، أن هذه الحكومة لا تجمعها أي استراتيجية، وهي تسير من دون أفق أو تفاهم قوي.

وبعيداً عن المناكفات، أو عن الاستعراض الذي يمكن أن يلجأ إليه أي قطب في هذه السلطة، فإن صورتها بعد أقل من ثلاثة أشهر على انتخاب عون، وأقل من شهرين على تشكيل الحكومة، ليست من النوع الذي يرغبه الناس.

وسيبدأ الصراخ بالارتفاع يوماً بعد يوم، علماً أن القضية المركزية التي يُفترض بأي حاكم عاقل أن يوليها أهمية واقعية، هي التي تتصل بالحرب الإسرائيلية المستمرة على لبنان، وانعكاس ما يجري في سوريا على لبنان أيضاً، إلا أنها لا تظهر قضايا جوهرية إلا من زاوية تلبية طلبات الوصاية الأميركية – السعودية، وهو ما ينذر بمشكلة كبيرة!

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد