إسراء إسماعيل/ جريدة الأخبار
من صندوق التهم الجاهزة الذي تستخدمه الإدارة السورية الجديدة إذا ما أرادت اعتقال أو تصفية من لا يروق لنهجها، خرجت تهمة «مفتي البراميل» لتلتصق بالمفتي السابق في نظام بشار الأسد، أحمد بدر الدين حسون، وتتم ملاحقته على أساسها، وصولًا إلى تكبيل يديه، وعصب عينيه، في مطار دمشق الدولي، قبل اقتياده إلى جهة مجهولة.
اعتُقل المفتي حسون (مواليد حلب 1949) يوم الأربعاء، في المطار بعد منحه الأمان وعائلته من السلطات الجديدة في سوريا للخروج نحو الأردن بقصد إجراء عملية جراحية. وسوّغت الإدارة الجديدة أنّ الاعتقال جاء بموجب مذكِّرة توقيف من النائب العامِّ في وِزارة العدل السورية. واللافت أنّ هذه المذكرة وفق الصور التي سربت عنها، لم تكن تلاحق المفتي حسون في وقت سابق، بل صدرت بالتحديد يوم 26 آذار (مارس)، أي يوم الاعتقال، للقول إنّ ما جرى قانوني وليس اعتقالًا عشوائيًا.
قبل الخوض في دوافع اعتقال حسون التي هي أبعد من كونه «مفتي البراميل» بحسب وصف النظام الجديد في سوريا، لا بد من الالتفات إلى أنّه عمل تحت مسمّى مفتي الجمهورية العربية السورية منذ العام 2005 إلى أن أُلغيَ المنصب بهيئته الحالية من الدولة في العام 2021، وتسلمت بعدها وزارة الأوقاف كل المهام التي كانت موكلة إليه.
عُرف عن حسون اعتداله الديني وانفتاحه على مختلف مكونات المجتمع السوري، وبعده عن التشدد والتعصب بكل أشكاله، وخطابه اللين في المجالس، وربما هنا تكمن مشكلة النظام الجديد في سوريا مع شخص المفتي حسون، والذي لطالما صرّح بأنّه يشغل منصبًا دينيًا لكنه علماني ومدافع عن العلمانية لأنها ضرورة في مجتمع مختلف الأطياف، مثل المجتمع السوري.
في تصريح عن لسان المفتي حسون نقله نبيل صالح العضو السابق في مجلس الشعب أيام نظام الأسد، قال إنّ «أخطر ما واجهه الناس خلال مئتي عام هو الدولة الدينية، وأنّ العلمانية يجب أن يكون لها دورها على أرض الواقع في سوريا». وبات جليًا للجميع أنّ مصطلحات مثل العلمانية، وحرية الأديان وممارساتها، تدق ناقوس الخطر عند الشرع وحكومته الذين يفتحون الباب أمام الدعاة إلى الإسلام في شوارع يسكنها مسيحيون في دمشق!
المشكلة مع حسون ليست سياسية بحتة، بل مشكلة في صلب الدين، على أساس أنّه يشوّه الإسلام الصحيح، و«يفرطه» باللين والانفتاح، ويملي أهمية كبرى للتعايش على حساب الدعوة إلى «الإسلام الصحيح» الذي ترغب «سوريا الجديدة» بفرضه ولو على حد السيف، ولو كانت تضر بذلك «بريستيجها» المعتدل الذي تصدّره للعالم بغية المكاسب.
الدليل على ذلك، تصفية رجال الدين السوريين، من أتباع المذاهب السنية الذين يعرف السوريون اعتدالهم واحترامهم للتنوع الديني، آخرهم الشيخ عبد الرحمن الضلع الذي اقتحمت قوات الأمن العام التابعة للحكومة السورية الجديدة منزله في دمشق بعد استنكاره لعمليات التطهير الطائفي ضد العلويين في الساحل السور.، ولم تكتف تلك القوات بقتله فقط، بل تعرّض للضرب المبرح والتعذيب الوحشي قبل قتله بدم بارد أمام أطفاله، بحسب «المركز السوري لتوثيق الانتهاكات».