أوراق إعلامية

مارك زوكربيرغ في القفص: هل تتفكّك «ميتا»؟

post-img

علي عواد/ جريدة الأخبار

مارك زوكربيرغ يواجه أخطر معركة قضائية في حياته: محاكمة تهدّد بتفكيك «ميتا»، وموظفة سابقة تفضح تعاونًا مع الصين، وكتاب تحاول الشركة منع نشره... هل بدأت نهاية «ميتا»؟

بعض الأمور من الممتع مشاهدتها، مثل أن تبدأ الرأسمالية بمحاكمة أقطابها بسبب أفعال رأسمالية بحتة. يوم الاثنين الماضي، وقف سيّد العالم الرقمي مارك زوكربيرغ أمام المحكمة الفيدرالية في واشنطن، ليدافع عن «ميتا»، إمبراطوريته الرقمية التي تبتلع يوميًا أعمارنا وبياناتنا وانتباهنا.

القضية التي تقودها «لجنة التجارة الفيدرالية» (FTC) لا تقل عن محاولة لتفكيك أحد أعمدة الإنترنت الحديثة، عبر المطالبة بفصل إنستغرام وواتساب عن فايسبوك بسبب الاحتكار.

الحجّة الرسمية بسيطة وخطيرة في آن: «ميتا» لم تتفوّق عبر الابتكار، إنما عبر شراء المنافسين قبل أن يتحولوا إلى تهديد. الأدلة التي قُدّمت في المحكمة ــــ منها بريد إلكتروني قال فيه زوكربيرغ إن «إنستغرام ينمو بسرعة» في العام 2011، ثم لاحقًا في العام 2012، كتب: «نحن متأخرون جدًا ولا ندرك مدى تأخرنا» ــــ تُستخدم لإثبات أنّ الاستحواذ كان خطوة دفاعية لإزالة تهديد محتمل. الأخطر كان في مذكرة داخلية تعود إلى العام 2018، قال فيها زوكربيرغ: «ربما سنُجبر على فصل إنستغرام وواتساب خلال خمس إلى عشر سنوات، خصوصًا إذا وصل رئيس ديموقراطي إلى السلطة». هذه العبارة وحدها كفيلة بإضفاء بُعد سياسي لا يقل أهمية عن البُعد القانوني في القضية.

سبب محاكمة مارك زوكربيرغ؟

في الظاهر، تبدو جزءًا من حملة ترامب الجديدة ضد كل ما هو «غير ترامبي». عمالقة التكنولوجيا- على الرغم من نفوذهم -ـ مطالبون الآن بتقبيل اليد نفسها التي سبق أن أسكتوها رقميًا بعد «غزوة» مبنى الكابيتول في السادس من كانون الثاني (يناير) في العام 2021. لكن تحت السطح، يبدو أن «ميتا» بدأت تخسر أوراق المناورة.

في بداية الشهر الجاري، فجّرت الموظفة السابقة في «ميتا»، سارة وين- ويليامز، قنبلةً سياسيةً وأمنية من العيار الثقيل، حين اتهمت الشركة بالتعاون مع الحزب الشيوعي الصيني على حساب الأمن القومي الأميركي.

وين ــ ويليامز، والتي كانت تشغل منصب مديرة السياسات العامة العالمية في فايسبوك، قالت إن الإدارة العليا في الشركة وافقت على إتاحة بيانات مستخدمين أميركيين إلى بكين، ضمن مساعي «ميتا» إلى بناء سوق إعلاني ضخم داخل الصين تجاوزت قيمته الـ 18 مليار دولار.

في شهادتها أمام مجلس الشيوخ؛ كشفت أن «ميتا» عملت «جنبًا إلى جنب» مع السلطات الصينية لتطوير أدوات رقابة رقمية تستهدف معارضي الحزب، مشيرة تحديدًا إلى حذف حساب معارض صيني مقيم في أميركا بطلب من بكين. سوّغت الشركة الحذف بخرق «معايير المجتمع»، لكن الشهادة قدّمت صورة أكثر قتامةً: علاقة مصالح متبادلة بين منصة تهيمن على السوشال ميديا ودولة لا تراها واشنطن خصمًا عاديًا.

تفكيك سيفتح الطريق أمام دعاوى ضد آبل وأمازون وغوغل

ردّ «ميتا» جاء سريعًا، واصفةً تصريحات وين ــ ويليامز بأنها «منفصلة عن الواقع»، وأكّدت أن خدماتها لا تعمل في الصين. ومع ذلك، تستمر الشركة في جني مليارات من إعلانات السوق الصيني، على الرغم من الحظر المفروض على فايسبوك وإنستغرام هناك.

لقد حصلت «ميتا» على قرار قضائي طارئ يمنعها موقتًا من الترويج للكتاب الذي يتضمن ادعاءات نقدية حادّة عن بيئة العمل في «ميتا». عمليًا، هذا هو الكتاب الذي لا يريد زوكربيرغ أن تقرؤوه. ووفقًا للسيناتور الجمهوري جوش هاولي، هددت الشركة الموظفة السابقة بغرامات تصل إلى 50 ألف دولار عن كل مرة تذكر فيها اسم «فايسبوك» علنًا، حتى لو كانت أقوالها صحيحة.

ماذا حدث في شركة ميتا؟

في الداخل الأميركي، أصبحت «ميتا» هدفًا مشتركًا للجمهوريين والديموقراطيين، وسط اتهامات بالرقابة، والتأثير في الصحة النفسية للمراهقين، وتدخلات سياسية عالمية.

ملامح أزمة كبيرة تتشكل: شركة بحجم إمبراطورية، تتمتع بنفوذ غير خاضع للمساءلة، تواجه الآن موجة من التسريبات والشهادات التي تكشف ما يُدار خلف الستار.

قدّم آل زوكربيرغ خدمات عدّة لترامب: من التبرّع لاحتفال تنصيبه، إلى إضافة حلفائه في مجلس الإدارة (مثل دانا وايت)، وصولًا إلى التراجع عن سياسات كانت تُعدّ «قمعًا للجمهوريين».

كما دفع 25 مليون دولار لتسوية قضية تعليق حسابات ترامب بعد أحداث الكونغرس. كل ذلك جزء من محاولات كسب ود الإدارة الجديدة، في وقت تواجه فيه «ميتا» دعوى قضائية قد تؤدي إلى تفكيكها. علمًا أن إدارة ترامب كانت قد أطلقت هذه الدعوى في العام 2020، واستمرت لاحقًا في عهد الرئيس السابق جو بايدن، قبل أن تعود إلى الواجهة مجددًا مع ولاية ترامب الثانية.

ماذا لو تفككت «ميتا»؟

إذا نجحت الدعوى وأُجبرت الشركة على فصل إنستغرام وواتساب، فسيكون ذلك أكبر تفكيك لشركة تكنولوجية منذ تفكيك AT&T في الثمانينيات. والتأثير قد يكون هائلًا: من تعزيز المنافسة الرقمية، إلى فتح الطريق أمام قضايا ضد «آبل» و«أمازون» و«غوغل».

داخليًا، سيكون على «ميتا» إعادة هيكلة بنيتها التقنية والإدارية بالكامل، بعدما دمجت منصّاتها تقنيًا في السنوات الماضية. المستخدمون قد لا يشعرون بتغييرات كبيرة فورًا، لكن على المدى الطويل، قد تصبح التطبيقات أقل تزامنًا واستقلالًا، وأقل قدرة على تتبّع المستخدمين عبر المنصات.

واتساب وانستغرام

الجواب معقّد. صحيح أنّ «ميتا» تحت الضغط، لكن النظام الأميركي لا يزال مترددًا في كسر الشركات الكبرى.

التجربة مع غوغل تُظهر أنّ إثبات الاحتكار ليس سهلًا، خصوصًا في وجود منافسين مثل تيك توك ويوتيوب وسناب تشات. ومع ذلك، تبقى هذه المحاكمة التي ستستمر لمدة شهرين نقطة تحوّل: إن قررت المحكمة أنّ «شراء إنستغرام بدلًا من منافسته» يُعد سلوكًا احتكاريًا، فسنكون أمام إعادة صياغة لقواعد اللعبة في وادي السيليكون لعقود مقبلة.

بين مَن يرى أن واشنطن لن تُقدم على تفكيك شركة تؤوي ثلاثة مليارات مستخدم، وبين مَن يطالب بفرض حدود على نفوذ الشركات، يبقى سؤال المرحلة: هل بدأ عصر ما بعد «ميتا»؟

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد