اوراق مختارة

لا برامج تأهيل ولا فرص عمل: السجناء يقضون أوقاتهم في... التعاطي!

post-img

زينب حمود (جريدة الأخبار) 

كم مرّة يسأل السجين نفسه في اليوم: «وبعدين»؟ ويعبّر عن تململه ويأسه من الفراغ وعدم الجدوى من القيام بأي شيء؟ إذ لا تكفي شاشات التلفزيون في الغرف والهواتف الذكية «المسرّبة» لتفريغ الطاقات المكبوتة والتوتر الذي تؤجّجه الأحداث في الخارج والاكتظاظ داخل غرف أشبه بعلب السردين، ولا «البرندة» التي يخرج إليها السجناء يومياً صالحة فعلاً «لشمّ الهواء»، ولا المكتبة التي لا تُحدّث كتبها، إلا في المبنى «ب» المخصص للسجناء الإسلاميين، تنجح في تسلية السجناء الذين لا تجيد غالبيتهم القراءة ولا تستهويهم أصلاً.

كيف يقضي السجين المؤبد أو 20 سنة محكومية خلف القضبان؟ الإجابة قد تكون ببساطة: «في تعاطي المخدرات»، كـ «وسيلة وحيدة للنسيان وتمضية الوقت بسرعة»، على حدّ قول أحدّ السجناء.

ليس خافياً انتشار المخدرات داخل السجون، فـ «مهما حاولت القوى الأمنية ضبط هذه الآفة وقطع مزاريب التهريب، يبتكر السجناء والعصابات دائماً طرقاً جديدة لإيصال المخدرات إلى الداخل، ويتحايلون على ما هو مسموح لتمرير الممنوع، فمثلاً بعدما منعت القوى الأمنية توصيل الطعام عبر الأهل، قد يفكر السجناء في استغلال نقل الملابس إلى السجن»، بحسب رئيس جمعية «نسروتو» الأب مروان غانم، ناهيك بـ «الاستعانة» بأدوية «الريفوتريل» و«الترامادول» وغيرهما من المواد المخدّرة التي تصل إلى السجن كوصفات طبية ومسكّنات لمرضى الزهايمر والصرع.

هكذا، بدل أن تكون السجون مكاناً لإصلاح السجناء وإعادة تأهيلهم، تخرّج مدمنين على المخدرات، إذ توفّر لهم دوافع التعاطي، وأهمها الفراغ الذي يعيشه السجين وطول الوقت، ما يطرح ضرورة إعطاء أهمية للنشاطات والبرامج على اختلاف أنواعها، تربوية وتثقيفية وفنية ودعم نفسي، تراعي الميول والرغبات المختلفة للسجناء بين الرياضة والفن والموسيقى والأشغال اليدوية وغيرها، إضافة إلى ضرورة خلق فرص عمل في الداخل لدواعي التسلية والحصول على بدل مادي يُشعر السجين بأنه منتج ولا يشكّل عبئاً على أهله.

والهدف من كلّ ذلك تنظيم أنشطة السجناء اليومية بعد الفوضى التي جاؤوا منها، وإشغالهم حتى لا يخططوا لافتعال جرائم أخرى، وليشعروا بالقدرة على الإنتاج خارج إطار الجريمة، كما يفيدهم بعد إطلاق سراحهم، إذ يسمح لهم باكتساب مهارات جديدة تمهيداً لإيجاد فرص عمل نظامية.

لكن، تكاد تغيب البرامج والنشاطات نهائياً عن السجون بسبب شحّ التمويل والموت البطيء للجمعيات العاملة في مجال السجون، خصوصاً بعد القرار الأميركي بوقف المساعدات التي كانت تقدمها الوكالة الأميركية للتنمية USAID. أما الاتحاد الأوروبي، «فلا يساعد إلا نادراً، ويدعم برامج مؤقتة لا تضمن الاستمرارية للجمعيات»، بحسب غانم الذي يعيد استمرار نشاط جمعية «نسروتو» في إطار ضيق مثل دعم إخلاءات السبيل وتنظيم دورات تعليم اللغات والتدريب على الأعمال الحرفية وغيرها، إلى «العمل التطوعي والتبرعات، والدعم المباشر من منظمة أخوية السجون العالمية التي ننتمي إليها».

كذلك، يتحدّث رئيس جمعية «عدل ورحمة» الأب نجيب بعقليني عن دور المركز الذي تديره الجمعية داخل سجن رومية لإعادة تأهيل السجناء من «تخصيص مرشد اجتماعي لحلّ مشكلاتهم في الداخل أو مع عائلاتهم، ومعالج نفسي لا سيما خلال الحرب عندما ازدادت الحاجة إلى تفريغ مشاعر الخوف على الأهل المعرضين للخطر في الخارج، وتنظيم الدورات التدريبية عن مهارات الحاسوب واللغات وتعليم المهن والحرف كالخياطة وتصليح الكهرباء»، لافتاً إلى أن الأزمة المالية «تعيق الوصول إلى السجن نظراً إلى تكاليف النقل المرتفعة، وصعوبة تسديد نفقات الدورات والحصص التدريبية حتى صرنا ننظمها بين المدة وأخرى».

غياب التمويل أثر أيضاً في معمل الخياطة والنجارة والحدادة والسكافة في مبنى المحكومين الذي تديره الدولة ويدعمه مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجرائم UNODC، والذي «نجح خلال جائحة كورونا في تصنيع كمية كبيرة من الكمامات وُزّعت على القوى الأمنية، لكنه غير مفعّل اليوم بسبب ارتفاع كلفة تشغيله وعدم القدرة مادياً على تأمين المواد الأولية اللازمة»، بحسب غانم.

ومثل الجمعيات، تعاني الجهات الرسمية من أزمات مالية تعطّل قدرتها على الإنفاق على هذه البرامج، علماً أن إهمال البرامج والنشاطات من قبل السلطة هي سياسة سبقت الأزمة، وترتبط بمقاربة سلبية للسجن كوسيلة للعقاب و«تربية» البقية على احترام القوانين، بدلاً من إصلاح السجين تمهيداً لخروجه إلى المجتمع.

ولا يمكن بالطبع إنكار مسؤولية السجين نفسه في الاستعداد للتغيير وإعادة التأهيل. هذه العوامل المشجّعة، بطريقة أو بأخرى، على الإدمان على المخدرات، تبقى على صعوبتها أهون من أن يكون تغاضي مسؤولي إدارة السجون عن التعاطي، «طريقة» لضبط السجون نفسها ومنع انفجارها.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد