عمر نشابة/ جريدة الأخبار
على عكس ما يشاع ويُنشَر، في بعض الصحف والمواقع الإلكترونية، يبدو أن الهدوء والثبات واليقين تشكّل أساس مقاربة القيادات المتجدّدة في الحلقة الضيّقة لحزب الله في لبنان. «الحمد لله»، يقول الحاج، وترتسم على وجهه ابتسامة حزينة ثم ينتقل بسرعة إلى الحديث عن إعادة البناء وسبل التطوير والتحديث والابتكار. إذ على الرغم من الحزن الذي يتعمّق يومًا بعد يوم، والشوق إلى القائد الطيّب الحكيم الذي يتعاظم في كل لحظة، يتفوّق العقل على كل شيء ويتقدّم التصميم واليقين بصوابية خطّ المقاومة الجهادي على كل العقبات والصعوبات والاغتيالات والتضحيات.
قياديّو الحزب لم يموتوا في فراشهم بوعكة صحية، ولم يُقتلوا في اشتباك محلي مسلّح أو في حادث سير، بل استهدفهم أقوى تحالف عسكري استخباري تكنولوجي في العالم وتمكّن منهم في أثناء قيامهم بواجبهم الجهادي. استشهدوا في قواعدهم ولم يهربوا أو يتركوا ساحة المعركة حتى بعد علمهم بتفوّق وسائل العدو استخباريًا وتكنولوجيًا في الرصد والتعقّب والتصفية.
صحيحٌ أنّ العدوّ تمكّن من تعطيل الخطط التي كان قد وضعها الحزب للتعامل مع حالات مماثلة، لكنه لم ولن ينال من النهج الذي يشكّل أساس تكوين الحزب وركيزة عمله. الأمانة العامّة التي أسّسها الشهيد السيّد عبّاس الموسوي لا تتألّف من أشخاص محدّدين؛ بل يحكمها نهجٌ ثابت مبنيّ على قيَم إسلامية راسخة في إرث حيدري حسيني كربلائي لا يَفنى. ينطلق هذا الإرث من إيمان راسخ وعقيدة مواجهة الظلم والاضطهاد اللذيْن تعرّض لهما أهل البيت منذ مئات السنين. إرث لا يَفنى بل يتجدّد اليوم في المواجهة المستمرة مع قوى الظلم والاستكبار والتخاذل.
أمام حزب الله اليوم خيارات متعدّدة وطرق كثيرة، ويعمل المجلس الجهادي على رسم المسارات، لكنّ ذلك قد يستغرق بعض الوقت، ويستدعي استعلامًا غير مسبوق ودراسات معمّقة وإحصاء دقيقًا لكل الاحتمالات، خصوصًا بعد انكشاف حجم الاختراق الإسرائيلي الأميركي الذي مكّنه من إصابة قيادات الحزب. وقد يغيّر الحزب طرق عمله ويعدّل هيكليته ويبدّل الأسماء والأشخاص والأسلحة والمواقع والأنفاق والأدوات، لكنّ الخط الجهادي والنهج الحسيني المقاوم لا ولم ولن يتغيّرا. هذه مدرسة وصل طلابها اليوم إلى مرحلة امتحان التخرّج، وقد يرسب البعض وينكفئ أو يتراجع أو يتخاذل، لكنّ الطلاب الذين انتقلوا من صفّ السيد عباس الموسوي إلى صف السيد حسن نصرالله لن يرسبوا؛ لأن الشهيد يتبع الشهيد ومنهم من ينتظر.
كل من يلتقي بقياديّي الحزب يلاحظ ذلك الهدوء الذي يميّز مقارباتهم والابتسامة اللطيفة المتسامحة التي ترتسم على وجه بعضهم وراحة بالهم، بسبب تجاوزهم للامتحان وانتقالهم إلى الامتحان التالي بجدارة تشهد لها آلامهم. ومثلما كان السيد القائد الموسوي على يقين من أنه سيستشهد فترك خلفه مساحة واسعة ليشغلها خلفُه، كذلك السيد القائد نصرالله ترك لخَلَفه مساحة أوسع ولكل منا مساحة ليشغلها انطلاقًا من قيمه ومن قدرته على التحمّل. «معليش»، يقول الحاج بهدوء تعليقًا على مَن يبدو أنه عجز أو تراجع أو انكفأ وتلكّأ: «لم يعطهم الله القدرة على التحمّل». ويتابع: «لا تخوّنوهم ولا تهاجموهم لأنهم ليسوا أحرارًا في خياراتهم ومواقفهم؛ بل هم مجرّد ضحايا الجهل وعبيد الدنيا».
كل من يلتقي بقياديّي الحزب يلاحظ ذلك الهدوء الذي يميّز مقارباتهم والابتسامة اللطيفة المتسامحة التي ترتسم على وجه بعضهم وراحة بالهم، بسبب تجاوزهم للامتحان وانتقالهم إلى الامتحان التالي بجدارة تشهد لها آلامهم وجراحهم وتضحياتهم.
روضة الشهيدين ملأت الأرض حبًّا وتمسّكًا بالمقاومة وإخلاصًا لِمَن يُقتلون ظلمًا في خان يونس والخيام وطولكرم والنبطية وجنين والضاحية والنبي شيت وبعلبك وغيرها. وقد مرّت قوافل المجاهدين الشهداء على طريق القدس لتلتحق بأحمد قصير وتجسّد نهج المقاومة الإسلامية منذ انطلاقها.
حزب الله حزب المؤسسات التربوية والثقافية والصحيّة والاجتماعية والإعلامية التي قد تنهار مثل غيرها من المؤسّسات في القطاع الخاص أو حتى في القطاع العام إذا تراجع القيّمون عليها في أدائهم وإخلاصهم وتصميمهم. لكنّ مؤسسات حزب الله لا يمكن أن تنهار بسبب الاعتداءات الإسرائيلية التي تقتل العاملين فيها والمستفيدين منها وأهلهم وتدمّر المقرّات والمباني والمكاتب والبيوت.
أمّا المقاومون المجاهدون في حزب الله، فلا يمكن أن يُقتلعوا من أرضهم وقراهم ومدنهم، لا شمال نهر الليطاني ولا جنوبه. ولن يسمح لهم أهل الجنوب بتسليم سلاحهم طالما «أصدقاء» لبنان (أميركا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا) يرفضون تجهيز الجيش اللبناني بالأسلحة المتطوّرة التي تمكّنه من القيام بواجباته في وجه العدو الإسرائيلي.