أوراق ثقافية

تحذير "إسرائيلي" من نشوء تيار عالمي يساوي الإبادة في غزة بــــ"المحرقة النازية"

post-img

تتابع الأوساط السياسية والثقافية والإعلامية في الكيان الصهيوني معظم ما ينشر، في دور النشر العالمية، من كتب ودراسات عن العدوان الجاري على غزة منذ عام ونصف، ليس بدافع الثقافة والاطلاع، ولكن رغبة برصد تيار سياسي ثقافي فكري يسعى رويدا رويدا إلى حرمان دولة الاحتلال من احتكار "المحرقة النازية".

"إيتاي مالاخ"، وهو الباحث في المشروع المشترك بين معهد "فان- لير" ومنتدى التفكير الإقليمي، وضع يده على عدد من المؤلفات الصادرة أخيرًا عن هذا الموضوع، وآخرها كتاب جديد للمؤلف الهندي بانكاج ميشرا بعنوان "العالم بعد غزة: بين لامبالاة الغرب في 1945 تجاه اليهود، ولامبالاته تجاه الفلسطينيين في غزة 2025". كما نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية المرموقة مقتطفًا من كتاب "كيف حطّمت غزة أسطورة الغرب"، وكأننا في هذا الربط أمام أيديولوجية منهجية تأخذ في التصاعد بصورة لافتة".

العجز الدولي في مواجهة رعب الإبادة

أضاف "مالاخ"، في مقال نشره موقع "الموقع الأكثر سخونة في العالم"، أن: "هناك تيارًا عالميًا يسعى للربط بين المحرقة النازية ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية، وجريمة الإبادة الإسرائيلية ضد غزة بين 2023-2025، فيما يتكرر الشعور الدولي ذاته بالعجز في مواجهة الرعب الذي يحدث على مسافة غير بعيدة عنه، مع أنه يُبقي الكثيرين في الغرب مستيقظين طوال الليل، وهم يشاهدون ويسمعون صراخ أم فلسطينية على ابنتها المحترقة حتى الموت بالقصف الإسرائيلي لمدرسة نازحين، وصورة مفجعة لأب يحمل جسد طفله مقطوع الرأس بقذيفة إسرائيلية".

كما ذكر أن: "ردود الفعل العالمية الباهتة إزاء ما تشهده غزة لا تقل إثارة عن الصدمة والسخط، وتفسح المجال لطرح السؤال: كيف يمكن لعالم ما بعد الهولوكوست أن يسمح بحدوث مثل هذه القسوة ضد الفلسطينيين، بل إن الغربيين لا ينفكّون عن الزعم بأن الهولوكوست لا ينبغي مقارنته بأي حدث تاريخي آخر، أي إن من يسمحون بوقوع جرائم خطيرة في غزة على غرار الهولوكست لا يستوفون المعايير الأخلاقية للالتزام بمنع وقوع محرقة أخرى، إلا إذا كان المقصود هو نزع الصفة الإنسانية عن ضحايا غزة، والطريقة التي يقدمهم بها الإسرائيليون بأنهم يُجسّدون الشر المطلق".

يتباع مالاخ موضحًا أن: "هذا التوجه الإسرائيلي، منذ بداية الحرب تجاه الضحايا الفلسطينيين، كشف نوايا مبيّتة لتدمير كل شيء في غزة، خاصة إيذاء الأبرياء الذين يشكلون الغالبية العظمى من الضحايا؛ وتصاعد مُعدّل القتل ونطاقه، والأساليب المتطرفة المستخدمة؛ وحجب الأدوية والأغذية؛ وحجم الدمار الأكبر نسبيا من الدمار الذي أحدثه الحلفاء في قصفهم لألمانيا في الحرب العالمية الثانية". وأشار إلى أن: "القيادة الإسرائيلية الحالية الأكثر تعصبًا في التاريخ سعت لاستغلال هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، لتعزيز مخاوف اليهود من وقوع محرقة أخرى. وسارعت إلى استغلال هذه المشاعر بإطلاق تهديدات تتجاوز الدفاع عن النفس، وصولاً إلى جعل قطاع غزة بأكمله غير صالح للسكن، وإضعاف سكانه حتى يموتوا، أو يفعلوا كل شيء للهروب".

ترديد الأكاذيب الإسرائيلية

هذا؛ ونقل مالاخ عن مؤرخين عالميين أنه: "لا توجد كارثة تقارن بما تشهده غزة، وهنا باتت العلاقة بين الهولوكوست والحرب على غزة أكثر وضوحا، في ضوء سلبية الغرب في كلتيهما، فالغرب هذه المرة اعتمد نهجًا بتوجيه أصابع الاتهام إلى الفلسطينيين وتطبيع الجرائم الإسرائيلية. ولذلك؛ لم يتورّع الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن عن ذكر مقاطع فيديو رعب حصلت، في مستوطنات غلاف غزة، قام بها المسلحون الفلسطينون، وثبت لاحقا أنها غير موجودة، لكنه ردد أكاذيب إسرائيلية حول ما زعمه الاحتلال بالفظائع".

في الوقت نفسه؛ لفت مالاخ إلى أنّ: "رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر لم يتردد في "منح الاحتلال الحق بحجب الكهرباء والمياه عن الفلسطينيين لحماية نفسه من حماس، بل انضم إلى هؤلاء الزعماء سلسلة طويلة من الصحفيين والمنظمات ووسائل الإعلام الغربية والمثقفين والرأسماليين والمؤسسات التعليمية، وكلهم متواطئون، بالفعل أو بالتقصير، في تطبيع العنف الإسرائيلي في غزة، وإخفاء ذنب الاحتلال، وإسكات منتقديه، وكل ذلك يعني تواطؤا غربيًا تجاه جريمة الإبادة في غزة، بالوقوف مكتوفي الأيدي، تماما كما فعل في أثناء الهولوكوست".

في هذا السياق، تساءل مالاخ: "لماذا يستبعد الغرب الفلسطينيين، بشكل صارخ، من بين من لديه واجب ومسؤولية إنسانية تجاههم، بينما يحمي الأوكرانيين، ويوفر لهم المأوى من الهجوم الروسي؟ مع أنه كان بإمكان الزعماء الغربيين بسهولة وقف الدعم غير المشروط للحكومة الإسرائيلية المتطرفة، ما يؤكد أن النظام العالمي الليبرالي المبني على حقوق الإنسان ليس سوى وهم، بدليل عدم التأثر من المشاهد الملحمية للبؤس والقلق والرعب والإرهاق الذي يعيشه أهل غزة، وبذلك فهي لا تختلف عن المحرقة التي سبقتها، وعن المآسي الأخرى التي سمح الغرب بوقوعها في القرن الماضي، واليوم يقف حكام الغرب بجانب الاحتلال بسبب سطحيّتهم الأخلاقية".

ينهي الكاتب مقاله بالقول إنه: "على الرغم من ذلك كله، سيبقى للحرب على غزة، مثل الهولوكوست، تأثير تاريخي على الضمير الجماعي للبشرية، وربما تكون المسمار الأخير في نعش أسطورة الأخلاق التي زرعها الغرب منذ عصر التنوير في القرن الثامن عشر، حتى إنّ بعض وسائله الإعلامية لم تستخدم مصطلحات "التطهير العرقي" أو "مخيمات اللاجئين" في تغطيتها للحرب، انصياعًا للإملاءات الإسرائيلية الساعية لإخفاء الجريمة الاستعمارية التي لا يمكن إصلاحها، والمسماة "إسرائيل"، حيث ترتكب جرائم الإبادة الجماعية والاستعمار الاستيطاني".

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد