اوراق مختارة

سبسطية الفلسطينية: مشروع تهويدي للمنطقة الأثرية

post-img

تالا حلاوة/ القدس العربي

بدأ الاحتلال الإسرائيلي، يوم الاثنين 12 مايو/ أيار الحالي، تنفيذ مراحل جديدة من مشاريعه التهويدية في المنطقة الأثرية من بلدة سبسطية، شمال غربي مدينة نابلس، في الضفة الغربية المحتلة، في إطار مخطط يهدف إلى تحويل المنطقة إلى ما يسمى "حديقة السامرة الوطنية". ويستند الاحتلال في روايته إلى أن المنطقة "عاصمة مملكة الشمال" التوراتية، ويطلق عليها اسم "السامرة"، وهو اسم ذو أصول كنعانية.

اقتحمت الإدارة المدنية الإسرائيلية وسلطة الحدائق، برفقة عشرات العمال، الموقع الأثري، وشرعت بأعمال حفر وتنقيب تحت حماية جيش الاحتلال وشركة أمن خاصة. ووثّق السكان المحليون عمليات التنقيب التي بدأت من شارع الأعمدة الشهير، في منطقة غنية بالآثار التي تعود إلى العصر الحديدي والروماني، ويُقدّر عمر بعضها بنحو 3500 إلى 4000 عام.

تعود أولى عمليات التوثيق للموقع إلى العام 1908، حين عمل عليه علماء آثار من جامعة هارفارد الأميركية. وتضم سبسطية معالم بارزة، مثل: المقبرة الرومانية، وضريح النبي يحيى، ومسجد وكنيسة يوحنا المعمدان، وقصر الكايد، وساحة البازيليكا، والقصر الملكي، وبرج هيلانة، ومعبد أغسطس الروماني، والمسرح، وشارع الأعمدة، إلى جانب العديد من الآثار التي لم تُكتشف بعد.

مخطط قديم يعود إلى ما بعد النكسة

على الرغم من عودة سبسطية إلى واجهة الأحداث أخيرًا، فإنّ محاولات الاحتلال للسيطرة على الموقع تعود إلى ما بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967، حين رحّل الاحتلال علماء آثار فلسطينيين وأردنيين من المنطقة، وفرض عليها سيطرة كاملة.

يقول زيد أزهري، وهو من أبناء البلدة ومطوّر في القطاع السياحي، لـ"العربي الجديد"، إن مخطط تحويل سبسطية إلى حديقة وطنية إسرائيلية تبلور بعد العام 1978، وظلت المنطقة تحت السيطرة الإسرائيلية حتى العام 2001، حين توقفت السياحة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى.

يشير أزهري إلى أن محاولات الاحتلال عزل المنطقة استمرت حتى خلال اتفاقيات أوسلو (1993–1995)، لافتًا إلى محاولة نقل مقبرة القبّة من وسط البلدة إلى الموقع الأثري، لكنها باءت بالفشل لأسباب تقنية، تاركة وراءها آثارًا من حجارة مكسّرة لا تزال قائمة حتى اليوم.

يتابع أنّ الحركة السياحية نشطت في سبسطية العام 2012، وفي العام ذاته تقدّمت البلدية بطلب إخلاء مكتب الإدارة المدنية الإسرائيلية بعد اكتشافه مقامًا على أرض مصنفة "ب" وفقًا لاتفاقية أوسلو، وهو ما أدى بالفعل إلى إخلائه وبناء مقر جديد تابع لوزارة السياحة والآثار الفلسطينية. ويرى أزهري أن نجاح الفلسطينيين في إبعاد الاحتلال عن الموقع حينها أثار "هوسًا" إسرائيليًا بالعودة إليه، لكنه اصطدم بالمقاومة الشعبية. ففي العام 2016، حين أعلنت جامعة آرئيل نيتها تنفيذ حفريات في الموقع، تم إحباط المشروع بجهود الحراك الشعبي المحلي.

تهويد سبسطية تحت ستار "الحديقة الوطنية"

تواصلت اقتحامات المستوطنين وقوات الاحتلال للموقع الأثري في السنوات التالية، وازدادت وتيرتها خلال جائحة كورونا، مع تنظيم المستوطنين زيارات أسبوعية. وبحسب أزهري، شكّلت هذه الاقتحامات المتكررة، ومنع الفلسطينيين من الوصول إلى المكان، مؤشرات واضحة إلى استمرار الأطماع الإسرائيلية، إلى أن أعلنت حكومة الاحتلال في أيار/ مايو 2023 عن مشروع تهويدي بقيمة 32 مليون شيكل (نحو تسعة ملايين دولار)، لتحويل الموقع إلى حديقة وطنية وفتحه أمام الزوار الإسرائيليين.

على الرغم من جهود مؤسسات حقوقية فلسطينية لتقديم ملفات قانونية تطالب بوقف الحفريات، استنادًا إلى القوانين الدولية التي تمنع تغيير معالم المواقع الواقعة تحت الاحتلال، فإن المشروع تعطّل لبضعة أشهر فقط. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2023، استغل الاحتلال عملية السابع من أكتوبر ليُصدر قرارًا بمصادرة 1300 متر مربع في قلب الموقع الأثري، عند أعلى نقطة جغرافية في البلدة.

العدوان يتجاوز حدود الآثار

لا تقتصر معاناة سبسطية على الموقع الأثري، إذ يمتد عدوان الاحتلال إلى الأراضي الزراعية التي تشكل مصدر دخل أساسيًا لسكان البلدة. فسبسطية تمتد على مساحة 5000 دونم، نصفها مصنّف مناطق "ج"، ما يعني خضوعها الكامل للسيطرة الإسرائيلية. وتزايدت المخاوف من مصادرة الأراضي المحيطة بالموقع الأثري، خصوصًا مع تحول الوصول إليها إلى مخاطرة يومية، ما جعل كثيرين من المزارعين يعجزون عن حصاد أراضيهم.

انتهاك صارخ للقانون الدولي

يؤكد مدير عام السياحة والآثار في محافظة نابلس ضرغام فارس أن ما يحدث في سبسطية هو "انتهاك خطير للتراث الفلسطيني"، ويخالف مواثيق دولية، أبرزها: اتفاقية لاهاي لعام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح، وبروتوكولاها (1954 و1999)، واتفاقية 1970 الخاصة بمنع الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية. ويضيف فارس أن وزارة السياحة، ومن منطلق مسؤولياتها، توثّق الانتهاكات الإسرائيلية باستمرار، وتخاطب الجهات الدولية وعلى رأسها منظمة اليونسكو مطالبةً بتدخل عاجل لوقف الاعتداءات.

تجدر الإشارة إلى أن موقع سبسطية أُدرج في العام 2024 على قائمة التراث العالمي الإسلامي في منظمة "الإيسيسكو"، كما طُرح منذ العام 2012 لإدراجه ضمن قائمة يونسكو للتراث العالمي.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد