زينب الموسوي/ جريدة الأخبار
«سمّيتك فلسطين» عمل جديد يجمع الشاعر عبد المجيد قدورة والرابر جعفر الطفار بدعم من «النادي الثقافي الفلسطيني». الأغنية تحيّي رمزًا من رموز المقاومة ضد الاستعمار، كرّس حياته من أجلها، واستشهد دفاعًا عن مظلوميتها، وهو الذي تجسّد في وعي كلّ فلسطينيّ «وطنًا»!
بعد حوالي ثمانية أشهر على استشهاده، وثلاثة أشهر على مواراته الثرى، عاد الشهيد السيد حسن نصرالله ليحجز لنفسه مساحة ألم في قلوب أجيال عاشت عصره، وأجيال لم تولد بعد، ولكن هذه المرة عاد باسم «فلسطين»، مشعلًا جمرة الشوق في قلوب من ودّعهم ولم يودّعوه على امتداد عالم المناضلين.
«فلسطين»، هذا الاسم الذي ارتآه الفلسطيني لشهيد الأمة، متجاوزًا جغرافيتها ودلالتها المكانية إلى أبعاد عاطفية ثورية، تمزج بين الهوية الوطنية من جهة، والشوق إلى وطنٍ مسلوب، يُناضَل وتُدفَع الدماء في سبيل العودة للاستراحة في أحضانه من جهة أخرى. وقد حملت عملية إسناد الهوية دلالة رمزية قوية أضفت على عنوان الأغنية طابعًا عاطفيًا وثوريًا، ودفعت باتجاه مسؤولية نضالية.
«سمّيتك فلسطين»، هو العمل الجديد للشاعر الفلسطيني عبد المجيد قدورة والرابر اللبناني جعفر الطفار (بعد أغنية «روح الروح» التي أُطلقت في تشييع السيد نصرالله) بدعم من «النادي الثقافي الفلسطيني». كما رسم شارة الأغنية الفنان ورسام الكاريكاتور الزميل نهاد علم الدين.
الأغنية التي تبدأ بـ «يا طالع بكلّ فجر، ما طاب بعدك عيش»، اعتمدت على خطاب وجداني يشكّلُ الشوقُ محرّكًا أساسيًا لتتالي الشطور فيه.
هي لحظات الاعتراف بأنّ الزمان لا يُخمد الشوقَ إلى أحد أهم حائكي مجد الأمة على امتداد عقود النضال، بل سيظلّ يطلّ مع كل فجر يومٍ جديد، مذكّرًا أنّ نيران الحروب لم تخمد بعد، وسوح الوغى تشتاق أبطالها.
كُتبت الأغنية بأسلوب شعري حرّ أتاح مساحةً للتعبير العاطفي وتثبيت صدق المشاعر المنقولة. كما كثّف قدورة الرموز والدلالات، وخاطب بها رمزًا من رموز المقاومة ضد الاستعمار بضمير جمعيّ، محاكيًا مشاعر الفقد والحنين في ذات كلّ امرئ من هذه البيئة. كما حمل اللحن طابعًا شرقيًا، وأضفى مع أداء جعفر المُحكم طابعًا دراميًا يثير الشجن، ما عزّز تأثيرها العاطفي عند المستمعين.
«نحن ندور في دوّامة، مهما كتبنا، نجد أنفسنا نعود إلى السيد كما يعود الطفل إلى أمه»، هكذا لخّص قدورة، لنا دوافع كتابة الأغنية، مضيفًا أنّ ما كُتب لا يزال في إطار «محاولة التعبير للعالم عن عشقنا وشوقنا وألمنا على عظيم فقدنا». وفي هذا السياق، يؤكد الطفار لنا أنّ «لا كلام يعبّر عن خسارة السيد وكل الأبطال الذين استشهدوا معه في هذه المعركة الصعبة»، مضيفًا أنه كان رجلًا صادقًا مواجهًا، لا يخاف قول كلمة الحق، فرحل وأكّد للجميع أنه «كان أصدقنا، وبيطلعلنا نتشرّف بذكره».
أمّا لماذا سمّاه قدورة «فلسطين»؟ فيجيب «لأنه أكثرنا شبهًا بها، فهو الذي كرّس حياته منذ توليه الأمانة العامة لـ «حزب الله» من أجلها، واستشهد دفاعًا عن مظلوميتها. هو الذي تجسّد في وعي كلّ فلسطينيّ «وطنًا»».
حملت الأغنية في آخرها سؤالًا لا يقلّ تأثيرًا عن مطلعها، توجّه به عبد المجيد إلى المرافق الشخصي للشهيد نصرالله، المعروف بـ«أبو علي»، الذي تسلّل إلى العاطفة الجماعية بوصفه «درع الأمين»، سائلًا: «يا بو علي اسأله، راضي علينا كان؟». إنّه السؤال نفسه الذي راود محبي الشهيد جميعهم، الذين كانوا يتبارون في نيل رضاه، وهو السؤال نفسه الذي وضعهم اليوم أمام مسؤولية إكمال النضال وحفظ رسالة الدم.
هكذا، وجد الثنائي طفّار وقدورة نفسيهما أمام أيقونة مقاوِمة عاشت حياتها نضالًا مستمرًا من أجل رفع الظلم عن المُستضعفين، ولتحرير كل شبر من أرضنا المحتلة، واستشهدت في سبيل ما آمنت به. دفعهما ذلك إلى الوقوف عند أعتابها مرة بعد مرة، لينهلا من فيض فكرها حينًا، وليبثا إليها شكاوى الفاقدين حينًا آخر.