اوراق مختارة

انتخابات رابطة «الأساسي»: ترهيب وترغيب لفرض التزكية

post-img

فاتن الحاج (جريدة الأخبار) 

نجحت القوى السياسية والطائفية في فرض تزكية اللّائحة الائتلافية في انتخابات رابطة معلمي التعليم الأساسي الرسمي، بعد ضغوط مارسها نقابيوها على المرشحين المستقلّين، في استحقاق يُفترض أن يكون ديمقراطياً ونقابياً بامتياز.

وتنوّعت أساليب الضغط بين التهديد المباشر أو «التخجيل»، كأن يُقال لأحد المرشحين: «أنت الوحيد المتبقّي في محافظتك»، أو عبر إقناعهم بأنّ انسحابهم سيخفّف الكلفة المالية للاستحقاق، أو حتى عبر التهويل بالأوضاع الأمنيّة.

ووصل بالأمر بعضو الرابطة منال حديفة للقول في تسجيل صوتي إنّنا «عملنا للتزكية بإيدينا وإجرينا وللأسف بقي أحد المرشحين من الشمال مصرّاً على الترشيح لأسباب خاصة»، في اعتراف صريح بمحاولة قَطع الطريق على أي منافسة حقيقية، وتقويض العمل النقابي المستقل، وتحويل الانتخابات إلى مشهد شكلي محسوم النتائج سلفاً، يحرم المعلمين من أبسط حقوقهم في الاختيار والمشاركة.

وبدأت مساعي التزكية منذ اللحظات الأولى لتشكيل اللّائحة الائتلافية، التي جاءت نتيجة مفاوضات بين الأحزاب الثمانية المكوّنة لها، وفق منطق التحاصص وتقاسم النفوذ.

وتؤكّد مصادر نقابية مستقلّة أنّ الهدف الحقيقي من هذا المسار هو «تسخيف» العمل النقابي وتفريغه من مضمونه، عبر الالتفاف على النظام الداخلي للرابطة، وتجاهل تطبيق بنوده، لا سيّما ما يتعلّق بالأصول الديمقراطية في عقد الجمعيات العمومية ومجالس المندوبين.

وتضيف المصادر أنّ الضغوط تبدأ من المراحل الأولى للعملية الانتخابية، وتحديداً في انتخابات المندوبين، إذ يؤدّي المديرون، مستفيدين من سلطتهم المعنوية وغطائهم السياسي، دوراً حاسماً في فرض أسماء المندوبين داخل المدارس. ولا يتردّد بعضهم في ترشيح أنفسهم للمواقع النقابية، من دون حتى أن يتخلّوا عن مناصبهم الإدارية، في خرق فاضح لمبدأ فصل السلطات وتعارض المصالح. أمّا في المرحلة الثانية، أي انتخابات الهيئة الإدارية للرابطة، فتُستكمل عملية التحكم بالأسماء والنتائج عبر أساليب تفاوضية مموّهة. إذ تعمد الأحزاب إلى «رمي» عدد كبير من المرشحين المحسوبين عليها، لاستخدامهم كورقة تفاوض تُسحب في اللحظات الأخيرة. وبعد أن تُحسم التفاهمات داخل اللّائحة الائتلافية، تبدأ الضغوط على المرشحين المستقلّين الذين يُخيّرون بوضوح بين أمرين: إمّا الانضمام إلى اللّائحة «المعلّبة» وفق شروط القوى الحزبية، وإمّا الانسحاب التام من السباق الانتخابي.

وكان آخر المنسحبين المرشح في محافظة الشمال، خالد الشيخ، الذي أعلن في بيان انسحابه عشية الانتخابات بـ«الظروف الأمنيّة الاستثنائية التي تمرّ بها المنطقة والتي قد تهدّد سلامة المعلمين».

الشيخ، الذي أمضى السنوات الماضية في ما أسماه «معركة التغيير الديمقراطي وتمثيل المعلمين والدفاع عن حقوقهم وتطلّعاتهم»، اختار في اللحظة الحاسمة التخلّي عن هذا المسار، مفضّلاً ـ كما قال ـ «تقديم سلامة المعلمين على أي مكسب أو تسجيل موقف»، وكأنّ الصواريخ كانت على وشك أن تنهال على صناديق الاقتراع في مدرسة ابتهاج قدورة حيث كانت ستجرى الانتخابات.

واختار مرشحون آخرون تبريرات أكثر ليونة، كإعلان أحدهم انسحابه «من باب الصداقة والزمالة القائمة على المحبة»، مضيفاً إنّ «هناك من بيننا مَن يقوم بالواجب المطلوب لنجاح المدرسة الرسمية ومتابعة قضايا المعلمين»، وكأنّ العمل النقابي صار مجرد نوايا حسنة وتوزيع أدوار بين الأصدقاء، لا ساحة نضال وتمثيل حقيقي.

في المقابل، تتّجه مجموعات من المعلمين المستقلين اليوم إلى قلب المعادلة، عبر العمل على تأسيس لجان نقابية داخل المدارس، تنطلق من القواعد الفعلية للمعلمين، وتسعى إلى استعادة شرعية التمثيل النقابي، على قاعدة الدفاع عن الحقوق، والنهوض بالتعليم، وتوحيد صفوف المعلمين، سواء أكانوا في الملاك أم من المتعاقدين.

وتشير مصادر هذه المجموعات إلى المفارقة الواضحة بين الحضور الحاشد لاعتصامات الرابطة في السنوات السابقة، والتي كانت تجمع آلاف المعلمين، وبين الاعتصام الأخير الهزيل الذي لم يضمّ سوى العشرات، متسائلة ما إذا «كان هذا الواقع الباهت يستحقّ تزكية باسم المعلمين؟».

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد