سعيد محمد/ جريدة الأخبار
مع استمرار التقارير المروعة عن الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون في قطاع غزّة على يد القوات الإسرائيلية، تشهد المملكة المتحدة تصعيدًا يمينيًا غير مسبوق في الخطاب المناهض لكل أشكال التعاطف مع فلسطين، ما دفع الروائية الأيرلندية البارزة، سالي روني، في رسالة مفتوحة نشرتها يومية «ذي غارديان»، إلى التحذير من تداعيات قرار الحكومة البريطانية بحظر حركة «باليستاين أكشن» أو «العمل من أجل فلسطين» في البلاد.
تقييد حرية التعبير
رأت روني، وهي المعروفة بمواقفها الجريئة والداعمة للقضايا الإنسانية، في هذا التحرك خطوة خطيرة أخرى نحو تقييد حرية التعبير وتجريم التضامن مع الشعب الفلسطيني، في سياق يبدو بشكل متزايد كأنه حملة يمينية منسقة تتقاطع عليها الحكومة والمعارضة لاستهداف كل صوت منتقد لإسرائيل.
ازدواجية المعايير
افتتحت روني مقالها بتسليط الضوء على مفارقة صادمة تكشف ازدواجية المعايير التي تتبناها الحكومة البريطانية. في يوم الجمعة الماضي، أطلقت القوات الإسرائيلية النار على فلسطينيين كانوا ينتظرون الحصول على المساعدات، ما أسفر عن استشهاد 23 شخصًا وجرح العشرات. وفي الوقت نفسه، تسللت مجموعة من نشطاء «بالستاين أكشن» إلى قاعدة لسلاح الجو الملكي البريطاني وشوهوا طائرتين عسكريتين بطلاء أحمر كشكل من أشكال الاحتجاج على تواطؤ الحكومة البريطانية مع إسرائيل.
أشارت روني إلى أنّ أحد هذين العملين تضمن استخدامًا متعمدًا للعنف المميت ضد المدنيين، بينما لم يتسبب الآخر في أي عنف ضد أحياء، لكن الحكومة البريطانية تغاضت عن القتل المتعمد في غزة، وأعلنت عن الشروع في إجراءات لحظر حركة «بالستاين أكشن» بوصفها تمارس «الإرهاب».
هذه الازدواجية التي أضاءت عليها الكاتبة الإيرلندية ليست جديدة، بل هي جزء من نمط أوسع في السياسات الغربية لا سيما في بريطانيا تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
على الرغم من أن منظمات دولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية قد خلصت إلى أن إسرائيل ترتكب «جرائم حرب خطيرة» في غزة، بل وحتى «إبادة جماعية»، إلا أن حكومة لندن تواصل تقديم الدعم العسكري والاستخباراتي لإسرائيل في تجاهل تام للاحتجاجات الشعبية المستمرة ضد الإبادة، ولاستطلاعات الرأي التي تُظهر أنّ 56 في المئة من الناخبين البريطانيين يؤيدون حظرًا شاملًا على مبيعات الأسلحة للدولة العبرية.
تداعيات حظر «العمل من أجل فلسطين»
يخشى الناشطون المتعاطفون مع فلسطين في المملكة أن الخطوة التي تنوي الحكومة اتخاذها بتصنيف «بالستاين أكشن» كمنظمة إرهابية، هي أمر مختلف تمامًا عن محاكمة أفراد محددين منها على تجاوزات معينة وفق ما كان معتمدًا إلى الآن ضد أنشطة المجموعة التي تستهدف المصالح العسكرية الإسرائيلية في المملكة وداعميها.
فإذا تم تنفيذ هذا القرار بالفعل، فإن مجرد عضوية المجموعة سيشكل جريمة. بل إن مجرد التعبير عن تأييد الحركة بالكلمات، كما فعلت روني في مقالها، يمكن أن يشكل «جريمة خطيرة» يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى 14 عامًا. هذا التوسع في تعريف الإرهاب ليشمل الدعم اللفظي يمثل تغولًا فاشيستيًا مرعبًا على حريّة التعبير، ويفتح الباب أمام ملاحقة أي شخص يعبر عن رأي مخالف للسياسات الحكومية، حتى لو كان ذلك الرأي يتعلق بنشاط سلمي محض.
أتى قرار الحكومة في الوقت الذي تبدأ فيه مراجعة أمنية في قواعد عسكرية في جميع أنحاء المملكة المتحدة، بعدما اقتحم نشطاء «بالستاين أكشن» قاعدة سلاح الجو الملكي البريطاني في بريز نورتون (أوكسفوردشاير) ورشوا طائرتين عسكريتين من طراز إيرباص فوياجر - الذي يستخدم دوريًا في الشرق الأوسط لتزويد الطائرات المقاتلة الأميركية والإسرائيلية بالوقود - بالطلاء الأحمر كرمز للدم الفلسطيني المسفوك.
قال متحدث باسم «بالستاين أكشن»: «عندما تفشل حكومتنا في الوفاء بالتزاماتها الأخلاقية والقانونية، تقع على عاتق المواطنين العاديين مسؤولية اتخاذ إجراءات مباشرة». لقد أدان رئيس الوزراء السير كير ستارمر في وقت سابق اقتحام القاعدة ووصفه بأنه «مشين»، فيما حثّ زعيم الإصلاح (أقصى اليمين) في المملكة المتحدة نايجل فاراج على حظر الحركة.
ودعا متضامنون مع «بالستاين أكشن» إلى تظاهرة شعبيّة في قلب لندن (أمس الاثنين) احتجاجًا على توجه إيفيت كوبر وزيرة الداخلية إلى البرلمان للإعلان عن خطتها بحظر الحركة. وقد منعت شرطة لندن تنظيم الاحتجاج بالقرب من البرلمان في ويستمينستر ما استدعى نقله إلى ميدان الطرف الأغر.
حظر فرقة «مي كاب»
بشكل مواز، يبدو أن الحكومة تتجه أيضًا إلى منع مشاركة فرقة الراب «ني كاب» الإيرلندية الشماليّة والمؤيدة للفلسطينيين من المشاركة في مهرجان غلاستونبوري الثقافي المرموق السبت المقبل. ونقلت صحيفة «الصن» اليمينية البريطانية عن كير ستارمر قوله إن «مشاركة الفرقة بعد توجيه الاتهام لأحد أعضائها بدعم الإرهاب أمر غير لائق».
أيدت زعيمة حزب المحافظين المحافظ، كيمي بادنوش، موقف رئيس الوزراء وقالت إنها تعتقد إنّ «ني كاب» يجب أن تمنع من المشاركة في غلاستنبوري وأن «بي. بي. سي» ألا تعرض حفلة الفرقة إن لم يتسن منعها.
وكان مغني الراب عضو الفرقة الشهير بموتشارا قد مثل أمام محكمة ابتدائيّة في لندن بعدما شكى مناصرون لإسرائيل بأنه رفع علم «حزب الله» اللبناني خلال حفلة سابقة للفرقة. والحزب محظور في بريطانيا ويصنف منظمة إرهابية. وأطلق سراح مو تشارا بدون كفالة لحين موعد الجلسة التالية في 20 آب (أغسطس) المقبل.