أعرب رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو عن استيائه من استمرار سجن الكاتب الجزائري، والي يحمل الجنسية الفرنسية، بوعلام صنصال، في بلده الجزائر، فيما لا تزال المناشدات مستمرة في الأوساط الفرنسية للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون من أجل إصدار عفو رئاسي عنه.
قال بايرو، في تصريح أدلى به أمام أعضاء حزبه "الحركة الديمقراطية"، إن إدانة صنصال واستثناءه من العفو الرئاسي يمثلان، ليس فقط للحكومة، بل لكل الفرنسيين، مساسًا بمبادئ التضامن والحرية الأساسية"، مضيفا أن سجن صنصال بسبب آرائه المعلنة أمر "لا يُحتمل".
لماذا هو أمر لا يحتمل بالنسبة إلى الفرنسي صاحب التاريخ الاستعماري العريق؟ لقد عودّتنا الدول الغربية حين تدافع عن شخصية، مهما كانت صفتها أو مهنتها، في بلد عربي أو إسلامي، تفعل ذلك حماية منها لاستمرار ثقافة المستعمر الغربي في هذه البلدان، والتي تمثلها تلك الشخصية المنبطحة أمام الغربي، والخائنة لتاريخ بلدها وتضحيات شعبها لنيل الاستقلال من هذا الغربي المتوحش.
لذلك؛ لا تستغرب الدفاع الفرنسي المستميت عن بوعلام صنصال، والذي عُرف حين شغل منصب مدير عام وزارة الصناعة، مع بداية سنوات الألفين، بمواقفه الصادمة والتي صنفها البعض ضمن دائرة الخيانة، إذ لم يتورع عن وصف الثوار الجزائريين الرموز بالإرهاب، فضلًا عن تبنيه أكثر الأطروحات تطرفا عن الإسلام تحت غطاء محاربة الإسلاموية. واشتهر هذا الكاتب بدفاعه الشرس عن "إسرائيل" التي يزورها باستمرارها، وهو ما برز بشكل أوضح بعد عملية "طوفان الأقصى"، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، في كتاباته وتصريحاته المتكررة.
وفقًا للإعلام الفرنسي، ينتظر صدور تعليق رسمي من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قضية صنصال قريبا. وذكرت مصادر دبلوماسية أن خيار العفو الفردي لأسباب إنسانية لا يزال ممكنًا، نظرًا إلى الصلاحيات التقديرية التي يتمتع بها الرئيس الجزائري خارج المناسبات الرسمية.
تبدو استراتيجية السلطات الفرنسية سائرة في اتجاه الدفع من أجل إصدار عفو رئاسي عن صنصال، بعد الاقتناع بأن القضاء سيحتفظ بالموقف نفسه من الكاتب، وهو ما يؤكده امتناع صنصال عن الطعن في الحكم الأخير الصادر ضده أمام المحكمة العليا، من أجل أن يصبح الحكم نهائيا، وهذا ما يخول الرئيس الجزائري استخدام صلاحياته في العفو الرئاسي إن أراد ذلك.
هذا؛ وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد أصدر عفوا لمناسبة عيد الاستقلال، شمل نحو 7 آلاف سجين، مع استثناءات شملت قضايا المؤامرة ضد الدولة والخيانة والتجسس، وهذا ما بدا أنه ينطبق على شخصيات معروفة بينها الكاتب الفرنسي الجزائري.
بدا أن خيبة الأمل الفرنسية كانت واسعة عقب الحكم الأخير على صنصال الذي أصدره مجلس قضاء الجزائر بـ5 سنوات سجنا نافذا. وفي سبيل التهدئة مع الجزائر، اتسمت المواقف الفرنسية، خلال الأيام الأخيرة قبل النطق بالحكم، بحذر لافت، إذ حرصت شخصيات سياسية فرنسية بارزة، من مختلف التوجهات، على ضبط تصريحاتها وتفادي التصعيد.
من مظاهر هذا الحذر تصريحات وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، والمعروف بتشدده في قضايا الهجرة والعلاقات مع الجزائر، والذي اكتفى بوصف العلاقة بين الجزائر وفرنسا بأنها "قطبية"، متجنبًا الخوض في التفاصيل المعتادة التي درج على استخدامها. على الرغم من تطرقه إلى الخلافات العالقة، على غرار قضية ترحيل الجزائريين غير النظاميين، والاعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، إلا أن الوزير على قناة “بي أف تي في” الفرنسية، امتنع عن توجيه اتهامات مباشرة للجزائر أو تبني لهجة عدائية، واكتفى بالإشارة إلى "توترات قائمة" من دون توسيع نطاق الجدل، في موقف قرأه مراقبون أنه محاولة لتجنب التأثير في مسار القضية الحساسة التي يتابعها الرأي العام في فرنسا.
يوجد صنصال في السجن بعد إدانته بوقائع تتعلق بالمساس بوحدة الوطن وعدة تهم أخرى، عقب تصريحاته التي نسب فيها جزءا من التراب الجزائري إلى المغرب. وكان الكاتب قد اعتقل في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، لحظة وصوله إلى مطار الجزائر، بعد تصريحاته لقناة يمينية متطرفة شكك فيها في أحقية الجزائر لحدودها الحالية. ووضع رهن الحبس الاحتياطي، بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، والتي تعاقب على "الأفعال التي تهدد أمن الدولة" وتعدها أعمالا إرهابية.
تسببت هذه القضية في تفاقم الأزمة بين الجزائر وفرنسا، ووصولها إلى أعلى مستوى بعد تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون أن: الجزائر لا يشرفها أن تسجن كاتبا؛ ما أثار ردود فعل قوية في الجزائر، وحديث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في المقابل ووصفه للكاتب بمجهول الهوية واللص الذي يدعي أن نصف الجزائر مملوك لدولة أخرى.