أوراق ثقافية

حزب ماسك الجديد: مجد أميركا أُعطي للخوارزميات

post-img

علي عواد/ جريدة الأخبار

أعلن الملياردير الأميركي إيلون ماسك عن تأسيس حزب سياسي جديد في الولايات المتحدة الأميركية، أطلق عليه اسم «حزب أميركا». جاء هذا الإعلان كرد فعل مباشر على القانون الجديد الذي قدمه الرئيس دونالد ترامب، المعروف باسم «مشروع القانون الواحد الكبير والجميل» Big Beautiful Bill، الذي يعتقد ماسك أنه سيتسبّب في أضرار إستراتيجية واقتصادية كبيرة للولايات المتحدة عبر إضافة تريليونات الدولارات إلى الديون الوطنية.

دوافع تأسيس الحزب الجديد

يرى ماسك، الذي يُعد أحد كبار المانحين للحزب الجمهوري وخصوصًا في انتخابات عام 2024، أن الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة (الجمهوري والديموقراطي) لم يعودا قادرين على تمثيل مصالح الغالبية العظمى من الأميركيين، الذين يُشار إليهم عادةً بـ «الغالبية الصامتة» أو «الوسط المعتدل». ويطمح ماسك عبر حزبه الجديد إلى تمثيل هذه الفئة الواسعة، التي يرى أنها تُشكل نحو 80 في المئة من الناخبين الأميركيين.

يسعى ماسك إلى مواجهة الإنفاق الحكومي غير المنضبط، والسيطرة على مستويات الديون الوطنية المتزايدة، إضافة إلى تحديث الجيش الأميركي بتقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات. كما يدعو إلى تقليص القيود التنظيمية المفروضة على قطاع التكنولوجيا والطاقة، وتشجيع «حرية التعبير» (ما عدا التكلم عن إسرائيل طبعًا)، وتبنّي سياسات مركزية تُرضي شريحة واسعة من الأميركيين الذين يشعرون بأن السياسة الحالية قد أهملت مصالحهم.

المصاعب والتحديات التي تواجهه

رغم الطموحات الكبيرة لإيلون ماسك، إلا أنّ التاريخ السياسي الأميركي يُظهر أن تأسيس حزب ثالث قوي ومستدام أمر شديد الصعوبة. يعود ذلك إلى النظام الانتخابي الأميركي المعروف بمبدأ «الفائز يأخذ كل شيء»، خصوصًا في الانتخابات الرئاسية التي تعتمد على نظام المجمع الانتخابي. كما إن القوانين الانتخابية المعقدة والمختلفة بين الولايات الأميركية تشكل تحديًا إضافيًا لأي حزب جديد.

كذلك سيحتاج ماسك إلى بناء مؤسسات تنظيمية قوية في مختلف الولايات، وإلى توفير شبكة دعم ميدانية ومالية واسعة، وهذا يتطلب سنوات من العمل الدؤوب والصبور، في حين يُعرف ماسك بطبيعته المتقلبة وعدم صبره على المسارات الطويلة الأمد، وهو ما قد يشكل عائقًا أمام نجاح مشروعه السياسي الجديد.

نسبة غير المنتمين إلى الأحزاب وفرصة ماسك

تتجه نسبة كبيرة من الأميركيين في السنوات الأخيرة إلى تسجيل أنفسهم تحت خانة «ناخبين مستقلين»، أو «غير منتمين» لأي من الحزبين الرئيسيين. وتشير إحصائيات حديثة إلى أن هؤلاء الناخبين أصبحوا يشكلون نحو 35 في المئة من الناخبين المسجلين، ما يجعل منهم كتلة انتخابية وازنة جدًا. قد يوفر ذلك لماسك وحزبه فرصة حقيقية لاستقطاب هؤلاء الناخبين الذين يشعرون بالإحباط من حالة الاستقطاب الحالية بين الديموقراطيين والجمهوريين.

تحذير ترامب

رد الرئيس ترامب على إعلان تأسيس «حزب أميركا» بسخرية وتحذير، معتبرًا أنّ ماسك «خرج عن السيطرة تمامًا». وأضاف: «هو حتى يريد تأسيس حزب ثالث، رغم أن هذه الأحزاب لم تنجح يومًا في الولايات المتحدة. النظام ببساطة غير مصمّم لها». ورأى أن الطرف الوحيد الذي يستفيد من وجود حزب ثالث هو الفوضى، قائلًا: «الأحزاب الثالثة جيدة فقط في خلق الاضطراب الشامل والكامل». كما لمّح إلى احتمال سحب العقود الفيدرالية التي تستفيد منها شركات ماسك، ملمحًا إلى أن الدولة قد تضطر إلى «التهام إيلون» (بمعنى الاستحواذ على شركاته)، في إشارة إلى الانتقام السياسي.

تحالف ترامب وانقساماته الداخلية

في المقابل، يستمر دونالد ترامب بقيادة تحالفه المعروف بشعار «اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى» MAGA، وهو تحالف واسع القاعدة لكنه شديد التناقض داخليًا. هذا التحالف الذي نشأ كحركة شعبوية متمردة على النخبة السياسية التقليدية، تحوّل مع الوقت إلى ساحة صراع بين فصائل متنافرة توحدها الكاريزما الترامبية (نعم لديه كاريزما ولو أنها غريبة)، لكن تفرقها الرؤى والأولويات السياسية.

يضم التحالف تيارات رئيسية عدة، لكل منها أجندته الخاصة:

المحافظون القوميون (NatCons): هؤلاء يرفعون راية القومية الأميركية، ويدعون إلى إغلاق الحدود، حماية الهوية الثقافية، ورفض التعددية الثقافية. يركزون على فكرة أن الدولة يجب أن تخدم «الأميركي الحقيقي» (يأتي باللون الأبيض عادة)، ويروجون لسرديات الخطر القادم من الهجرة، ويدعمون السياسات الحمائية في الاقتصاد.

المحافظون الجدد (NeoCons): رغم تراجع نفوذهم بعد فشل سياساتهم في العراق وأفغانستان، لا يزال هذا التيار حاضرًا داخل حركة «ماغا». يتمسكون بفكرة التدخل الأميركي في العالم لتعزيز ما يسمونه «قيم الحرية»، ويعتبرون أن الانعزالية خطر على الأمن القومي. يتصادمون مع القوميين الذين يفضلون الانسحاب من الساحة العالمية.

المحافظون الأحرار (FreeCons): يدافعون عن السوق الحرة، ويعارضون بشدة تدخل الدولة في الاقتصاد. يعتبرون أن السياسة الاقتصادية في عهد ترامب انحرفت عن مبادئهم، خاصة مع ازدياد النزعة الحمائية وفرض الرسوم الجمركية. يتخوفون من تحوّل الحركة نحو نزعة شعبوية تتعارض مع الرأسمالية التقليدية.

الجمهوريون الجدد (New Republicans): يسعون إلى تجديد الخطاب الجمهوري ليكون أكثر مواكبة لعصر ما بعد ترامب. يركزون على قضايا التكنولوجيا، والجيل الجديد من الناخبين، ويحاولون التوفيق بين التقاليد الجمهورية الكلاسيكية والتغيرات الاجتماعية والثقافية السريعة. يبدون مرونة تجاه قضايا مثل البيئة وحقوق الأقليات، ما يثير حفيظة الفصائل المحافظة الأخرى.

التكنو-فاشيون (Techno-Fascists): يشكلون الفصيل الأكثر تطرفًا فكريًا داخل التحالف. يروجون لحكم تكنوقراطي يقوده أثرياء التكنولوجيا والمبتكرون، مستوحى من أفكار «الاستعلاء التكنولوجي»، ويرون أن الديموقراطية صارت عبئًا يعيق التقدم. يؤمنون بأن إدارة المجتمع يجب أن تُسند إلى من يمتلك القدرة التقنية لا إلى من يحصل على الأصوات. يعتبرون الشخصيات مثل إيلون ماسك وبيتر ثيل نماذج للزعامة المستقبلية.

هذه الفصائل لا تكتفي بالاختلاف، هي تخوض صراعات داخلية حادة، تتجلى في الحملات الإعلامية، والصراعات داخل الكونغرس، والولاءات المتغيرة للممولين. في بعض الأحيان، يبدو أن ترامب نفسه غير قادر على ضبط التناقضات، فيوظفها بمنزلة أداة مناورة وتوازن قوى. إلا أن هذه الانقسامات تضعف من تماسك التحالف، وتفتح الباب أمام تيارات بديلة قد تستقطب الشرائح الساخطة، مثل حزب ماسك الناشئ.

النخبة التكنولوجية

تنامى تأثير النخبة التكنولوجية داخل التيار المحافظ، وهو ما أسهم في صعود جاي دي فانس إلى منصب نائب الرئيس الأميركي الحالي. فانس مدعوم من شخصيات بارزة في وادي السيليكون، أبرزهم المستثمر بيتر ثيل، المعروف بتبنيه لأفكار النخبة التكنو ــ فاشية التي ترى في الديموقراطية التقليدية عائقًا أمام التطور التكنولوجي، وتؤمن بضرورة حكم النخب التكنولوجية. يعتقد ماسك أنه قادر على قيادة هذا التحول نحو نموذج حكم يعتمد على التقنية والذكاء الاصطناعي، مستغلًا قوته المالية والإعلامية التي يوفرها عبر شركاته الكبرى، مثل «تسلا» و«سبايس إكس» ومنصة «إكس».

صعود النظام الرقمي

يرى الباحث الأميركي إيان بريمر أن العالم يشهد حاليًا ولادة ما يُطلق عليه «النظام الرقمي». وفقًا لهذه النظرية، أصبحت الشركات التكنولوجية الكبرى تتمتع بقوة سياسية واقتصادية هائلة، تمكنها من إعادة تشكيل السياسة العالمية والتأثير في الحكومات والشعوب. هذا النظام الرقمي الجديد، الذي تقوده شخصيات مثل ماسك، يوسع نفوذه باستمرار، وبدأ بالفعل في فرض أجندته الخاصة على المؤسسات الحكومية والعالمية. هذه الفكرة تتقاطع تمامًا مع توجه ماسك السياسي الجديد، الذي يهدف إلى تحويل هذه القوة الرقمية إلى واقع سياسي مؤثر داخل الولايات المتحدة، يتمظهر الآن على هيئة حزب.

مستقبل «حزب أميركا» وفرص النجاح

رغم كل هذه الرؤية الطموحة والموارد الكبيرة التي يمتلكها ماسك، يبقى مستقبل حزبه السياسي غير واضح تمامًا. التاريخ الأميركي غني بأمثلة لأحزاب ثالثة ظهرت واختفت سريعًا، مثل «حزب الإصلاح» في التسعينيات، و«حزب الخضر» و«الليبرتاريين» في العقدين الماضيين، اللذين لم يتمكّنا من كسر هيمنة الحزبين الكبيرين. يعتمد نجاح ماسك على مدى قدرته على اجتياز العقبات المؤسساتية، وعلى قدرته على إقناع الناخبين بأنه قادر على تمثيلهم بالفعل. واللافت أن من يدير ما يُسمّى بـ«حزب إيلون ماسك» أو «حزب أميركا» هو مواطن هندي أجنبي، وُلد ونشأ وتعلّم وعمل في الهند، واسمه فايبهاف تانيجا. ويبدو أن هناك ما يدعونا إلى مقال آخر في هذا الشأن لاحقًا.

يمتلك ماسك كل الإمكانات التي قد تسهم في خلق تيار سياسي جديد، إلا أن الطريق أمامه يبقى محفوفًا بالكثير من الصعوبات، والنجاح سيحتاج إلى أكثر من الموارد المالية وحدها. سيكون عليه خلق حركة اجتماعية وسياسية حقيقية قادرة على إحداث تغيير جوهري في المشهد السياسي الأميركي.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد