اوراق خاصة

أطماع "إسرائيل" في سوريا.. انه حُلم الصهيونية تاريخيا

post-img

حسين كوراني/ خاص موقع أوراق

لم تكن سوريا يومًا خارج أطماع حركة "الصهيونية العالمية"، فسوريا الطبيعية احتلت قمة الأجندة السياسية الصهيونية مبكرًا ، حيث كانت محط اهتمام وأطماع  قادتها قبل مجيء اليهود الى فلسطين، وضمن مخطط ما يسمى بـ"إسرائيل الكبرى" الموعودة من النيل الى الفرات.  

منذ القرن التاسع عشر راح الصهاينة الإنكليز غير اليهود ينتقدون بشدة سياسة رئيس وزراء بلادهم اللورد بالمرستون (1784 -1865) بسبب التلكؤ في دق الإسفين اليهودي داخل الدولة العثمانية، غير انهم لم يتحدثوا عن فلسطين تحديدًا فقط، بل تحدثوا أيضًا عن سوريا الطبيعية كلها. فقد دعا الكولونيل جورج جولر ، الأبادي ؟ الاستيطاني، بريطانيا الى العمل على تجديد سوريا بوساطة  الشعب الوحيد، "أبناء الأرض الحقيقيين .. أبناء إسرائيل"، الذي يمكن توظيف طاقاتهم بصورة دائمة وعلى نطاق واسع.

وكان تشارلز تشرشل، القنصل البريطاني في سوريا العثمانية، من أوائل من وضعوا الخطط السياسية لإنشاء دولة صهيونية في فلسطين، حيث انتقد الأخير سياسة بالمرستون ومحاولاته إبقاء الدولة العثمانية على قيد الحياة، داعيًا الى "التحرير المبكر" لسوريا وفلسطين، ووضعهما تحت الحماية البريطانية على أن يقوم اليهود بدور المستوطنين الحماة للمصالح البريطانية في الشرق الأدنى.

ولم تتوقف الاطماع والتطلعات الصهيونية نحو سوريا الطبيعية على مدى تاريخ الحركة الصهيونية، وإن كان مشروع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني قد اقتصر جغرافيًا على مساحة فلسطين، الا أن الحلم الصهيوني باجتياح سوريا كلها بقي حياً وقائماً، فالزعيم الروحي لليمين الصهيوني المتشدد زئيف جابوتنسكي قال عام 1915: "إن المشهد الوحيد الذي يحمل أملاً لنا هو تفتيت سوريا…إن واجبنا التحضير لهذا المشهد، وكل ما عدا ذلك هو تضييع عبثي للوقت"، وكذلك مؤسس الكيان الصهيوني بن غوريون الذي عززه قائلاً: "علينا تجهيز انفسنا للهجوم، إن هدفنا هو تحطيم لبنان وشرق الأردن وسوريا".

حُلم "إسرائيل"

طورت "إسرائيل" خطة تسمى "ممر داود" لإعادة تشكيل شرق البحر الأبيض المتوسط، وإذا تم تفعيل هذا الممر، فستصل "إسرائيل" إلى جنوب سوريا عبر مرتفعات الجولان، وإلى شرق الفرات عبر دير الزور، وبالتالي إلى الحدود التركية، ولم يكن الممر خطة ظهرت بعد سقوط نظام البعث، إذ لطالما طورت "إسرائيل" علاقات مع الجماعات الانفصالية في المنطقة من اجل تفعيله. لكن تركيا لن تقبل بخطة "ممر داود"، كون "إسرائيل" ستصبح على حدودها.

ومن أجل تفعيل هذا الممر، تعِد "إسرائيل" بحماية الطائفة الدرزية في جنوب سوريا، وتقيم اتصالات مع كبار الشخصيات الدرزية الذين يرحبون بالحماية الإسرائيلية، بل وتستضيفهم في "تل أبيب"، ونظمّت رحلات لهم لزيارة مقام النبي شعيب (ع).

أطماع اقتصادية

تطمح "إسرائيل" في نقل غازها إلى سوريا عبر خط أنابيب الغاز العربي الذي يمر عبر الأردن، وهذه الخطة طرحها سابقًا المبعوث الأميركي الى المنطقة عاموس هوكستين، وهذا الطرح هو جزء من حرب ممرات الطاقة والممرات التجارية.

ومن المعروف أن خط أنابيب الغاز الطبيعي التركي كان من المقرر أن يمر عبر الأراضي السورية. كما أن نقل الغاز الطبيعي الآذربيجاني عبر تركيا إلى سوريا هو أيضًا أحد الموضوعات المطروحة على جدول أعمال الأتراك.

الأطماع التوسعية لم تنته

غداة سقوط نظام الأسد، سارعت "إسرائيل" إلى احتلال قمم إضافية في جبل الشيخ السوري، وللسيطرة على "مناطق الحزام"  الحدودية من مجدل شمس إلى الحمة، أمرت سكان بعض القرى السورية بالبقاء داخل البيوت. وبالتزامن، واصلت قصفها الواسع في طول وعرض البلاد من أجل تدمير الجيش السوري ومنع تسرب سلاح إستراتيجي له.

كما تحاول "إسرائيل" تبرير احتلالاتها وانتهاكاتها الجديدة، وسط صمت إقليمي ودولي شبه كامل، بالزعم أنها لم تعد ملزمة باتفاق "فضّ الاشتباك ووقف النار" (1974)، بعدما سقط نظام الأسد الذي وقّعت معه الاتفاق.

وهذا ما يكشف أن الأمن هو مجرد يافطة دعائية، إذ يبدو أن هناك مآرب وأطماع إسرائيلية غير معلنة، بعضها مفضوح، وهي اقتطاع المزيد من الجغرافيا والضم، استمرارًا للسياسات الإسرائيلية حيال أراضٍ عربية.

يضاف لذلك مأرب إسرائيلي خبيث تطمع فيه "إسرائيل" بمساومة وابتزاز أي نظام جديد بالانسحاب من هذه المناطق السورية الجديدة المحتلة، مقابل نوع من التطبيع السياسي، أو الاتفاق على أشياء عينية.

وقد تزامنت هذه التصرفات مع خططها لإقامة منطقة منزوعة السلاح داخل الأراضي السورية بعمق 65 كيلومترًا في الجنوب. ورغم أن فكرة المنطقة منزوعة السلاح ليست جديدة، فإن التحركات الإسرائيلية تتعارض مع مزاعمها بحماية الأمن والتصدي للتهديدات المحتملة، إذ يبدو أنها تستغل الفراغ الأمني في سوريا لتحقيق مكاسب إستراتيجية.

وعلى الرغم من تصريحات رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، التي أكد فيها أنه لا يسعى إلى أي مواجهة مع "إسرائيل" بل يعمل لتحقيق السلام، فلا تزال "تل أبيب" تدّعي أن تحركاتها العسكرية تأتي لدواعٍ أمنية.

وأما تصريحات وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، التي تحدث فيها عن "مراقبة" الرئيس السوري من قمة جبل الشيخ، تؤكد أن "إسرائيل" تسعى إلى ترسيخ وجود عسكري دائم في المنطقة، وليس مجرد إجراءات أمنية مؤقتة.

ولم تقتصر السياسة الإسرائيلية على تعزيز مواقعها العسكرية، بل امتدت إلى محاولات التدخل في الشؤون الداخلية السورية، خاصة من خلال التغلغل في صفوف الطائفة الدرزية، لا سيما في السويداء. فقد أشارت تقارير صحفية إلى أن "إسرائيل" تحاول استمالة الزعيم الروحي للطائفة الدرزية، الشيخ حكمت الهجري.

ولذلك عملت على نشر الفتنة الطائفية من خلال حملات تضليل إعلامي على منصات التواصل الاجتماعي. كما سعت إلى دعم قوات سوريا الديمقراطية في الشمال، من خلال الضغط لبقاء القواعد الأميركية في سوريا.

كما حاولت كسب دعم الدروز، مستغلةً الزعيم الروحي للدروز في الجولان المحتل، الشيخ موفق طريف. وقد فتحت الحدود أمام الدروز الراغبين في زيارة الأراضي المحتلة، وحرصت على تنظيم رحلات عبر حافلات إسرائيلية لنقلهم لزيارة مقام النبي شعيب. قبل ذلك، هددت "إسرائيل" بالتدخل لصالح الدروز في جرمانا.

وأخيرًا، لا يمكننا أن نستبعد أن ما يحصل في ريف السويداء من اقتتال بين الدروز والعشائر العربية أن يكون من صنع "إسرائيل"، والغاية منه ضم هذه المنطقة الى الكيان الصهيوني.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد