الأخبار
انطلق، أمس، مؤتمر الأمم المتحدة حول "التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتطبيق حلّ الدولتين"، الذي كان مقرّرًا عقده الشهر الماضي، برعاية فرنسية – سعودية، قبل أن يتمّ تأجيله لـ"أسباب لوجيستية وأمنية" على خلفية المواجهة التي اندلعت بين الكيان "الإسرائيلي" وإيران.
وقبيل المؤتمر الذي من المتوقّع أن يمتد على يومين، كان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أعلن، الخميس الماضي، نية باريس الاعتراف بدولة فلسطينية في أيلول. وتزامن تصريح ماكرون مع إدانة رئيس الوزراء الكندي، مارك كارني، "فشل الحكومة "الإسرائيلية" في منع الكارثة الإنسانية المتفاقمة بسرعة في غزّة"، وتأكيده دعم بلاده "حل الدولتين الذي يضمن السلام والأمن للإسرائيليين والفلسطينيين"، وأنها ستعمل "بشكل مكثّف في جميع المحافل لتحقيق هذه الغاية، بما في ذلك من خلال مشاركة وزير الخارجية في مؤتمر الأمم المتحدة الرفيع المستوى حول حل الدولتين في نيويورك". ومن جهتهم، دعا أكثر من 220 عضوًا في البرلمان، رئيس الوزراء ووزير الخارجية البريطانيَّيْن، إلى "تسجيل اعتراف المملكة المتحدة بالدولة الفلسطينية" قبل الحدث.
وفي خضمّ مشاركة دولية واسعة، وتوقّعات بأن يتحدّث ممثلون عن أكثر من 100 دولة خلال الحدث، بالإضافة إلى اعتراف عشر دول إضافية بالدولة الفلسطينية، يتضح، أكثر فأكثر، مدى عزلة "إسرائيل" والولايات المتّحدة على الساحة العالمية. ووفقًا لقاعدة بيانات وكالة "فرانس برس"، فإن ما لا يقل عن 142 دولة من أصل 193 دولة عضوًا في الأمم المتحدة، بما في ذلك فرنسا، تعترف حاليًّا بالدولة الفلسطينية التي أعلنتها القيادة الفلسطينية في المنفى عام 1988.
وبطبيعة الحال، تعرّض المؤتمر المشار إليه لهجمات شرسة من واشنطن و"تل أبيب"، اللتين تعهّدتا بـ"مقاطعته". وفي هذا السياق، ذكرت وكالة "رويترز"، الشهر الماضي، أنّ الولايات المتحدة بعثت بـ"برقية دبلوماسية"، تحثّ فيها الحكومات على عدم حضور الاجتماع، الذي يؤدي، على حدّ تعبيرها "إلى نتائج عكسية"، ويطرح "عقبات أمام الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب في غزّة". وأضاف المسؤولون الأميركيون في البرقية أن "الولايات المتحدة تعارض أي خطوات من شأنها الاعتراف من جانب واحد بدولة فلسطينية افتراضية، وهو ما يضيف عقبات قانونية وسياسية كبيرة أمام الحل النهائي للصراع وقد يُخضِع "إسرائيل" أثناء الحرب، وبالتالي يدعم أعداءها". ومن جهته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، تومي بيغوت، في مؤتمر صحافي الخميس، إنه "ليس لديه ما يقوله عن المؤتمر سوى أننا لن نحضره".
ولا يبدو الموقف الأميركي مستغربًا إلى حدّ كبير، ولا سيما أنّ مايك هاكابي، سفير الولايات المتحدة لدى "إسرائيل"، كان قد لفت في تصريحات إلى وكالة "بلومبرغ"، الشهر الماضي، إلى أنه لا يعتقد أن إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة "لا تزال من بين أهداف السياسة الخارجية الأميركية".
وآنذاك، اعتبر هاكابي أنّه في حال كان لا بد من إقامة دولة فلسطينية، فمن "المرجّح أن تكون في مكان آخر في المنطقة بدلًا من الضفّة الغربية"، مشيرًا إلى أنّه في حال لم يحدث أي "تغيير كبير في الثقافة" لدى الشعب الفلسطيني، "فلا مجال لذلك"، و"لن يحصل هذا التغيير على أيامنا"، على حدّ تعبيره. وفي استكمال للطروحات المتطرّفة والمنفصلة عن الواقع لإنهاء الحرب، نقلت الوكالة نفسها عن هاكابي اقتراحه بأن يتم "اقتطاع قطعة أرض من دولة إسلامية بدلًا من مطالبة "إسرائيل" بإفساح المجال" للفلسطينيين.
الافتتاح
وافتتح وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، المؤتمر بـ"تثمين إعلان الرئيس الفرنسي عزم بلاده الاعتراف بدولة فلسطين"، مشيرًا إلى أنّ "تحقيق الاستقرار في المنطقة يبدأ بمنح الشعب الفلسطيني حقوقه"، ومشدّدًا على ضرورة توقف "الكارثة الإنسانية التي تسبّبت بها الانتهاكات "الإسرائيلية" فورًا". وأكّد وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، من جهته، أنّ المؤتمر يجب أن "يشكّل نقطة تحوّل لتنفيذ حل الدولتين"، مضيفًا أنّه "لا يمكن القبول باستهداف الأطفال والنساء بينما يسعون للحصول على المساعدات".
كما كانت للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرتش، كلمة افتتاحية أيضًا، أكّد فيها أنّ "النزاع الحالي يزعزع الاستقرار في المنطقة والعالم بأسره وإنهاءَه يتطلب إرادة سياسية"، محذّرًا من أنّ العالم "على حافة الانهيار، وأنّ حل الدولتين أبعد من أي وقت مضى". ونبّه المسؤول الأممي إلى أن "الضم التدريجي للضفة الغربية المحتلة غير قانوني ويجب أن يتوقف"، معتبرًا أنّ "التدمير الشامل لغزّة أمر لا يمكن احتماله".
وفي وقت لاحق، أكد وزير الخارجية الفرنسي أنّ المؤتمر تمكّن من جمع 125 دولة، 50 منها ممثلة على مستوى وزاري، مضيفًا أنه عقب اختتامه، "ستكون هناك رؤية مشتركة في شأن مستقبل غزّة". وحدد المسؤؤل الفرنسي أحد أهداف المؤتمر بأنه الحصول على "تعهدات من دول أوروبية أعلنت عزمها الاعتراف بدولة فلسطين"، مبررًا إعلان ماكرون نيته الاعتراف بالدولة الفلسطينية بأنه "لم يعد هناك مجال للانتظار".
أمّا بن فرحان، فعاد وأكد أن السعودية وفرنسا عازمتان على تحويل التوافق الدولي في شأن حل الدولتين إلى "واقع ملموس". كما جدّد المسؤول السعودي دعم الرياض "الكامل للجهود المصرية والقطرية والأميركية لإعادة تفعيل وقف إطلاق النار في غزّة"، ورفضها أي محاولات لفصل القطاع عن الأراضي الفلسطينية أو تهجير سكانه، معتبرًا أنه يجب أن يكون هناك ممثل واحد للشعب الفلسطيني "وهو السلطة الفلسطينية".
وطبقًا لجدول أعمال المؤتمر الذي تداولته وسائل الإعلام، من المقرّر أن تنقسم الدول المشاركة، عقب الكلمات الافتتاحية، إلى "مجموعات عمل" لعقد سلسلة من مناقشات المائدة المستديرة، قبل أن تُختتم الفعاليات بتقديم وكالات الأمم المتحدة - والعديد منها في حالة صدام مع واشنطن و"تل أبيب" -، تقريرًا بوجهات النظر التي طُرحت. وستضمّ مجموعات العمل البرازيل وكندا ومصر واندونيسيا وأيرلندا وإيطاليا واليابان والأردن والمكسيك والنرويج وقطر والسنغال وإسبانيا وتركيا والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية.
إلى ذلك، ستلقي كلّ من ماري روبنسون، رئيسة أيرلندا السابقة ومفوّضة الأمم المتحدة السابقة لحقوق الإنسان والتي لها تاريخ طويل من التصريحات المناهضة ل"إسرائيل"، والرئيس الكولومبي السابق خوان ميغيل سانتوس، الذي اعترف بدولة فلسطينية في الأيام الأخيرة من منصبه، بعد سنوات من "تعزيز العلاقات مع إسرائيل"، كلمة أمام مائدة مستديرة.