اوراق مختارة

إيران تحدّد شروطها للتفاوض: لا لتكرار الخدع الدبلوماسية

post-img

محمد خواجوئي (الأخبار)

بينما حافظت المحادثات بين إيران والترويكا الأوروبية، الأسبوع الماضي، وكذلك الإعلان عن نبأ الزيارة المرتقبة لوفد فنّي من «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» إلى طهران، على الآمال في الإبقاء على نافذة الدبلوماسية مفتوحةً لتسوية الملف النووي الإيراني، لا يبدو أنّ ثمة مؤشرات إلى إحياء المفاوضات الإيرانية - الأميركية.

وكان الممثّل الخاص للرئيس الأميركي، ستيف ويتكوف، قال، في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز»، أخيراً، إن «المحادثات مع إيران، ستعود إلى مسارها الاعتيادي»، وذلك على الرغم من ارتفاع مستوى انعدام ثقة الإيرانيين بالأميركيين، بعد العدوان الإسرائيلي الذي استهدف الجمهورية الإسلامية في خضمّ عملية التفاوض، والهجمات التي تكفّلت بها واشنطن على المواقع النووية الإيرانية. وفي موازاة حالة اللاثقة المتفاقمة، تضاءلت جدّية أميركا بخصوص مسألة التوصّل إلى اتفاق، وهو ما وضع أمام إحياء المحادثات صعوبات بالغة.

وتشير القرائن المتواترة عقب الهجوم الأميركي على المنشآت النووية الإيرانية الثلاث (نطنز، أصفهان وفوردو)، إلى أن الأخير تسبّب بتعليق برنامج تخصيب اليورانيوم في إيران - بمعزل عن إمكانية إحيائه من عدمها -، في حين يبقى مصير أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم العالي التخصيب (60%) مجهولاً، في ظلّ ما يُحكى عن نقله إلى مكان أو أماكن أخرى؛ علماً أن المستوى المطلوب لتصنيع القنبلة يبلغ 90%. وعليه، لا يزال الغموض حول اليورانيوم المخصّب يشكّل مصدر قلق للغرب، وإنْ كانت الهجمات الأخيرة أبطأت، على أقلّ تقدير، سرعة البرنامج النووي، وأزالت تالياً الصفة العاجلة لخطر هذا البرنامج بالنسبة إلى أميركا.

ويفسّر ما تقدّم عدم إبداء مسؤولي الإدارة الأميركية، أقلّه في العلن، حرصاً يُذكر على الدخول في مفاوضات مع إيران لتقييد برنامجها النووي، وهو الأمر الذي تطرّق إليه ترامب نفسه قبل أقل من أسبوعين، حين قال: «لست في عجلة من أمري لإجراء محادثات مع إيران، لأننا دمّرنا مواقعهم (النووية)».

وعلى الرغم من أنه زعم أن الإيرانيين يحبّذون الدخول في حوار مع واشنطن، فإن السلطات الإيرانية وضعت، في الأيام القليلة الماضية، شروطاً للعودة إلى الحوار مع الأميركيين، وذلك لضمان «محادثات حقيقية ومؤثّرة». وفي هذا السیاق، قال الناطق باسم وزارة الخارجية، إسماعيل بقائي، أمس، إن بلاده «لا تمتلك حالياً خطّة للتفاوض مع الولايات المتحدة»، مبيّناً أن القرار في هذا الشأن «سيُتّخذ عندما تقتضي المصلحة الوطنية».

على خط مواز، يبدو أن أحد محاور المحادثات الإيرانية - الأوروبية، يتمثّل بالتعليق المحتمل لقرار البلدان الأوروبية الثلاثة الأطراف في «خطّة العمل الشاملة المشتركة» (الاتفاق النووي) تفعيل آلية العودة التلقائية للعقوبات الأممية على إيران، في مقابل عودة الأخيرة إلى طاولة المفاوضات مع أميركا، وهو الموضوع الذي وإنْ لم يُعلن رسميّاً من جانب أوروبا، لكنه يحظى بموقع بارز في تقييم المراقبين للمسار المحتمل للتطورات الدبلوماسية.

وسُجّلت، في الأيام الأخيرة، مجموعة من المواقف الرسمية التي أُطلقت على لسان كبار مسؤولي الجمهورية الإسلامية بخصوص العودة إلى المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة، وشدّدت كلّها على ضرورة بناء «الأرضيات الحقيقة لمحادثات ذات وقع». وتنطوي هذه المواقف، التي كرّرها مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية والدولية، كاظم غريب أبادي، خلال حواره، الأسبوع الماضي، مع إعلاميين من أكثر من 20 وسيلة إعلامية في نيويورك، على ثلاثة محاور رئيسية: 1- التأكيد أن إيران لا تثق بأميركا البتة؛ 2- عدم استخدام المحادثات كمنصّة لأجندة خفيّة من مثل العمل العسكري؛ 3- احترام حقوق إيران والاعتراف بها ضمن «معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية»، أي الحقوق التي تشتمل على التخصيب بما يلبّي الاحتياجات الإيرانية.

أما مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية، مجيد تخت روانجي، الذي كان كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين إبّان المحادثات التي أفضت إلى الاتفاق النووي لعام 2015، فقد قال لوسيلة إعلامية تركية، في ختام محادثات الجمعة مع الترويكا الأوروبية، حول شروط إيران لاستئناف المباحثات مع أميركا: «قبل بدء الجولة الجديدة من المفاوضات مع الولايات المتحدة، لا بدّ من أن نحصل على ضمانات بأنّنا لن نشهد هجمات مماثلة.

من الضروري بالنسبة إلينا ألّا يخونوا الدبلوماسية مجدّداً... وفضلاً عن ذلك، فإن نتيجة المحادثات يجب أن تقوم على مبدأ الرابح - رابح. ويتعيّن أن يشعر الطرفان بأنهما كسبا شيئاً ما. لا يمكن لنا القبول بأيّ إملاءات من جانب الولايات المتحدة». وأشار، في الوقت ذاته، إلى أنه يتم تبادل الرسائل بين إيران والولايات المتحدة عن طريق بعض الدول الوسيطة.

من وجهة نظر طهران، فإن الشرط الرئيسي لأيّ تقدّم في المسار الدبلوماسي، يتمثّل بإنهاء ازدواجية المعايير من جانب الولايات المتحدة؛ لأن إيران ترى أن المحادثات في ظلّ التهديد بالقصف والعقوبات، ليست غير منطقية فحسب، بل تفتقد للشرعية السياسية والقانونية. وتحوّل هذا التوجّه، في الأشهر الأخيرة، ولا سيما بعد الحرب، إلى الخطاب السائد في الجسم الدبلوماسي الإيراني. ويبدو أن السلطات الإيرانية تريد، من خلال إظهار عدم رغبتها في خوض محادثات مع أميركا والتركيز على موضوعات بما فيها حقّ التخصيب، إيصال رسالة مفادها أن العدوان لم ينجح في ثنيها عن مطالبها.

ومع ذلك، ونظراً إلى حساسية الزمان، واحتمال تفعيل أوروبا «آلية الزناد»، فإن الأسابيع المقبلة يمكن أن تكون مصيرية، فيما ليس واضحاً إلى أيّ مدى سيكون ممكناً إحياء المفاوضات بين طهران وواشنطن، في ظلّ الظروف التي لا تبدي فيها أميركا استعجالاً للتوصّل إلى اتفاق مع إيران، وفي الوقت نفسه يتزايد انعدام ثقة الأخيرة بالأولى.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد