حسين كوراني / خاص موقع أوراق
وضع البطريرك الماروني بشارة الراعي نفسه في موقف محرج للغاية، أمام غالبية اللبنانيين الذين ينظرون إليه بوصفه هامةً وطنية دينية، بسبب مواقفه الجديدة التي أطلقها في لقاء تلفزيوني أجرته معه "قناة العربية"، وكذلك لكونه في موقع وطني من المفترض به أن يعمل على تقريب وجهات النظر بين جميع الطوائف، لا على تأجيج نعرات طائفية سياسية، وذلك بعد أن طرح موضوعات حساسة تراها بعض المكونات الأساسية في البلد من جوهر معتقداتها، وأساسًا لاستمراريتها.
ما كان مفاجئًا للبنانيين أنه لم يمض عشرة أيّام على جولة البطريرك الراعي على خمس قرى مارونية جنوبية، تقع على تخوم فلسطين المحتلة، في 9 آب الجاري، ما أثار كثيرًا من التساؤلات والردود على المواقف التي أطلقها، حينها، حيال المقاومة والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على لبنان، قبل أن يعود أمس لإطلاق مواقف جديدة متناقضة خلال لقائه التلفزيوني الأخير.
مواقفه هذه ينتظر أن تستدعي ردودًا كثيرة، منتقدة ورافضة، وهو كان في غنى عنها انطلاقًا من موقعه الديني. وستتسبب بانقسام إضافي في السّاحة اللبنانية التي تعاني أصلًا انقسامات لا تُعدّ ولا تحصى، وخاصة في هذه المرحلة بالتحديد التي تتطلب وعيًا من أهل الدراية والحُكم، لأن ما يُحاك للبنان من فتنة داخلية يجب تلمسها ووأدها في أرضها.
خلال جولته الجنوبية؛ توقّف مراقبون عند أمرّين:
الأوّل؛ أنّ البطريرك الماروني تجاهل كليًّا الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، في تصريحاته التي أطلقها في محطاته في القرى الجنوبية الخمس، ما أثار تساؤلات عن هذا التجاهل لمن أُعطي "مجد لبنان"؟ وللذي يجلس على كرسي إنطاكيا وسائر المشرق لطائفته؟
الثاني؛ ما قاله، في يوم أمس، في مقابلته التلفزيونية حين صوّب اتهاماته باتجاه حزب الله والمقاومة واضعًا نفسه في محور سياسي على خصومة مع بيئة سياسية وشعبية واسعة تناصر الحزب وحلفاءه.
هذا موقع ما كان يُفترض أن يضع نفسه فيه، لا هو ولا أيّ مرجعية طائفية ودينية كبرى في البلد، خصوصًا أنّ كثيرًا من اللبنانيين ينظرون إلى أصحاب هذه المواقع على أنّها وطنية وليست طائفية أو مذهبية وحسب. وتاليًا؛ ليس هناك أيّ مصلحة للبطريركية المارونية أن تتحوّل من "مرجعية" وطنية جامعة إلى طرف في الصراعات الداخلية والخارجية.
إذ إن تأكيد الراعي أنّ: "هناك إجماعًا لبنانيًا حاسمًا على تنفيذ قرار نزع سلاح حزب الله"، فيه لغط كبير؛ فهو يعرف قبل غيره أنّ هذا الإجماع غير موجود في بلد لم يحصل فيه، تاريخيًا ومنذ نشأته، إجماع على أيّ أمر أو قضية مصيرية. والموقف الآخر الذي يُنتظر أن يلقى الراعي ردودًا واسعة عليه هو رأيه في أنّ: "تدخّل إيران في الشّأن اللبناني سافر"، من غير أن يأتي، لا من قريب أو بعيد، على ذكر تدخّل دول أخرى؛ مثل الولايات المتحدة والسعودية اللتان باتتا تتدخلان في الشّأن الداخلي اللبناني بكلّ تفاصيله وخصوصياته وزواريبه الضيّقة.
أما قوله بأنّ "حزب الله جرّد المقاومة من مفهومها الحقيقي"، متجاهلًا دور الحزب وتضحياته في مشاركته بدحر "إسرائيل" عن بيروت في العام 1982، وتحرير الجنوب في العام 2000، وانتصاره في عدوان تموز في العام 2006، وتحطيم أسطورة الجيش الإسرائيلي عند الحدود في أيلول العام 2024، وفي الدّفاع عن لبنان في وجه كيان غاصب لم يخفِ يومًا أطماعه بالسّيطرة على لبنان وسواه، ويرتكب المجازر والتهجير والدّمار بلا وازع أو رادع أينما حلّ.
إذ ذلك كله ما هو إلا نكران لحقيقة تعمّد الراعي إخفاءها، ليس لمسيرة حزب معين قدم أعظم التضحيات، من أجل أن يبقى وطنه سيدًا حرًا مستقلًا وحسب، أيضًا لطائفة بأكملها، قدّمت أغلى ما تملك من رجال ومال وممتلكات كي يحيا وطنها عزيزًا بأهله.