اوراق مختارة

«الكولوكيوم» بلا لغة عربية: قرار سيادي أم إداري؟

post-img

فاتن الحاج (جريدة الأخبار)

هي المرة الأولى التي تقرر فيها مديرية التعليم العالي في وزارة التربية حذف العربية من الخيارات اللغوية لامتحانات الدورة الأولى في الكولوكيوم التي جرت في تموز الماضي، وحصرها باللغتين الإنكليزية والفرنسية.

وقد أثار هذا القرار استياء عارماً في صفوف أطباء لبنانيين درسوا بلغات أخرى وعملوا لسنوات طويلة خارج لبنان، وصدموا بتنفيذ القرار يوم الامتحان، خصوصاً أن كل نماذج الأسئلة المتوافرة لديهم من الدورات السابقة، ومنذ زمن بعيد، هي بالعربية والفرنسية والإنكليزية. بالنسبة إلى هؤلاء، فإن «العربية ليست خياراً ثانوياً إنما حق أصيل لكل مرشح للامتحانات، وركن أساسي من أركان السيادة الوطنية».

لذلك، طالبوا بإعادة النظر في الصيغة اللغوية المعتمدة، وضمان حق كل طالب في الدورة الثانية في تشرين الأول بتقديم امتحانه بلغته الأم، إذ كيف لطالب لم يتلقَّ تدريبه بالإنكليزية والفرنسية ولم يُختبر سابقاً بهما أن يتمكن من فهم مضمون السؤال كي يتمكن من الإجابة عنه؟

وماذا عن الطلاب الذين درسوا في الدول المستقلة عن الاتحاد السوفياتي السابق أو دول شرق أوروبا أو حتى الدول العربية التي تدرس الاختصاصات الطبية بالعربية مثل سوريا والعراق وغيرهما؟.

يُذكر أنّ بين الممتحنين أطباء لبنانيين درسوا في بلدان أوروبية لا تعتمد اللغتين الفرنسية والإنكليزية وعملوا فيها لسنوات واحتلوا مراكز مهمة في مستشفياتها. ولكونهم يرغبون في العودة إلى العمل في وطنهم، قرروا هذا العام الخضوع لامتحان الكولوكيوم، وأجروا كل ما يلزم في هذا الإطار من تأمين الأوراق المطلوبة، وصولاً إلى الاستعداد لإجراء الامتحان، بالاعتماد على ترجمة الأسئلة المطروحة سابقاً باللغة العربية. وأشاروا إلى أنهم صدموا من النتيجة في ضوء الخبرات التي يمتلكونها، علماً أن العربية كانت ضمانتهم الوحيدة لفهم السؤال والإجابة عنه.

مصادر مديرية التعليم العالي أوضحت لـ«الأخبار» أن لغة امتحانات الكولوكيوم غير محددة بمرسوم، إنما هو قرار تتظيمي تتخذه الإدارة المعنية في وزارة التربية.

وعزت استبعاد العربية إلى لغات التعليم المعتمدة في لبنان، فعلم النفس مثلاً يُدرس بثلاث لغات هي العربية الفرنسية والإنكليزية، أما الطب والصيدلة وطب الأسنان فهي مرخصة بلغتين فقط، الفرنسية والإنكليزية، حتى داخل الجامعة اللبنانية. ورأت المصادر أنه لا يمكن الاعتراض على أساس أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية المعتمدة في لبنان.

يذكر أن نسبة الرسوب في صفوف الطلاب المتخرجين من الخارج كانت الأعلى هذه المرة، إذ لامست 40 في المئة في الدورة الأولى. لذلك يبدو مستغرباً التبرير الذي أعطته وزارة التربية لتخالف عرفاً سائداً منذ زمن، من دون إعلام الطلاب بقرارها مسبقاً.

ووصف قانونيون القرار بأنه «انحراف ثقافي لتضييع الهوية، فقرار وزارة التربية يحمل خللاً جوهرياً؛ وهو أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية في لبنان بحسب أحكام الدستور، وهذا القرار يضرب مبدأ المساواة بين الممتحنين، فضلاً عن أن علاقة الطبيب ستكون بمرضاه اللبنانيين الذين يتحدثون العربية، وعلى الطبيب واجب شرح تشخيصه للحالات باللغة العربية».

في المقابل، أشار آخرون إلى أن «شهادة الطب هي شهادة عالمية وليست شهادة سيادية كالحقوق مثلاً، إذ يفرض على الطبيب أن يدرس القوانين اللبنانية والمقررات بالعربية كي يحق له الانتساب إلى النقابة ومزاولة المهنة». ووفقاً لهؤلاء، إذا لم يكن الطبيب يملك إحدى اللغتين، فهو لن يستطيع قراءة أي تحاليل أو تقارير طبية في لبنان. وبالمنطق القانوني، تقول هذه المصادر إن «تنظيم الامتحانات يعود إلى وزارة التربية، أي إنه قرار تنظيمي إداري.

وبإمكان الممتحن أن يقدم مراجعة أمام مجلس شورى الدولة، مع مراعاة المهل المرتبطة بتاريخ صدور القرار، فإن انقضت هذه المهل فلا بد من مراجعة استرحامية للّجان الفاحصة، أو تسلسلية لوزيرة التربية، كما إنه يمكن عرض الأمر على طاولة مجلس الوزراء».

بدوره، رفض نقيب الأطباء، إلياس شلالا، التعليق على القرار، لـ«كون تنظيم الامتحانات ووضع الأسئلة هما من صلاحيات وزارة التربية، ولا علاقة للنقابة بها لا من قريب ولا من بعيد». إلا أن «الأخبار» علمت أن الملف طُرح على طاولة مجلس النقابة، وتقرر إرسال رسالة إلى وزارة التربية في هذا الخصوص.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد