الأخبار
بدأت المهلة الفاصلة عن يوم الجمعة تَنفد وسط "سباق مع الوقت" لإخراج الحكومة من النّفق الذي دخلته بقرارها نزع سلاح المقاومة. ومع مرور الساعات، تضيق الخيارات حول المخرج المفترض أن يجده الرئيسان جوزاف عون ونواف سلام.
والجديد هو أنّ حركة أمل وحزب الله يتصرّفان بحذر شديد مع كلّ المقترحات الوسطية، وقالت مصادرهما إنهما "لن يقعا في الفخّ من جديد، وإنّ قرارهما هو رفض مناقشة خطط تنفيذية لقرارات غير ميثاقية".
وعلمت "الأخبار" أنّ الرئيس نبيه برّي قال صراحة أمام وسطاء إنّ مقاطعة الحكومة أمر وارد بقوة، مشيرًا إلى أنه أبلغ عون بأنه مسؤول عن حماية الدستور وعدم السماح بجلسات أو قرارات حكومية تمسّ الميثاقية وتهدّد السلم الأهلي.
واللّافت أنّ جميع المعنيين بالملف يشيرون إلى "نزق" لافت عند رئيس الحكومة، الذي يتصرّف على أساس وجود حاضنة دُولية وعربية له، وأنّ القيادات السّنّية في لبنان باتت تقف إلى جانبه في هذا الملف، مع العلم أنّ الرياض طلبت من القيادات السّنّية النافذة إطلاق حملة دعم ليس لشخص سلام فقط، بل لخطّته نزع سلاح المقاومة.
وكان لافتًا الاستجابة السريعة من قبل دار الفتوى، في حديث مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان أمس، لمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، في قوله إنه "ما عادَ ممكنًا أن يسيطر تحالف السلاح والفساد على الدولة اللبنانية"، علمًا أنّ هذا الشعار ابتدعه خصوم الرئيس سعد الحريري، في عهد الرئيس ميشال عون، للتصويب على الحريري نفسه، الذي كان دريان يغطّيه قبل أن ينتقل الدلال السعودي إلى سلام.
ولم يعُد سرًّا أنّ الاتّصالات الحثيثة التي أجراها رئيس الجمهورية في اليومين الماضيين، والوساطة التي قادها نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب، في محاولة لإيجاد مخرج ملائم، اصطدمت بـ"تعنّت" سلام الذي تتقاطع المعلومات حول "استسلامه الكامل إلى درجة رفضه حتّى النقاش خارج دفتر الشروط السعودي".
وقال مطّلعون على خطّ التهدئة إنّ سلام حين حاول عون وبو صعب الوصول معه إلى حلّ، قال بصراحة إنه "يريد للجلسة أن تكون إستراتيجية ولها طابع محدّد يتوافق مع ما يريده السعوديون والأميركيون". وكان جواب الثنائي على عناد سلام بأنّ الوزراء الشيعة لن يحضروا الجلسة، ما دفع عون إلى التواصل مع سلام والتشديد على ضرورة التوصّل إلى "تسوية اضطرارية لأنّ الحكومة يمكن أن تطير ويطير معها العهد الذي سيدخل في أزمة مفتوحة".
وأبلغه أنه "لن يشارك في جلسة يقاطعها الشيعة". فوافق سلام على إضافة بندين بصفة "الإلحاح" واقترح على رئيس الجمهورية طرح بنود من خارج جدول الأعمال، فرفض ذلك، مشيرًا إلى أنّ الموضوع "مش لعبة"، لتتوالى الاتّصالات إلى أن أضيفت البنود الأربعة الأخرى، لأنّ دعوة سلام إلى جلسة لا يشارك فيها رئيس الجمهورية، ستأخذ البلد إلى مشكل من نوع آخر.
لكنّ إضافة البنود لا تعنى أبدًا تجاوز البلاد للحظة هي الأكثر خطورة منذ اتفاق وقف إطلاق النار، مع توقّعات بأن تشهد جلسة الجمعة سجالًا حادًّا بين الوزراء. الثنائي، حتّى الأمس كان واضحًا في موقفه بأنّ "وزراءه سيحضرون الجلسة لمناقشة البنود الأخرى، لكنّهم لن يقبلوا بالمشاركة في بند الخطّة التي سيعرضها الجيش، لأنها أصلًا عبارة عن المسار التنفيذي لقرار سياسي اتّخذته الحكومة، وأكّد الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، أنّ المقاومة ستتعامل معه وكأنه غير موجود، فكيف يمكن مناقشة ملحقات لقرار لا نعترف به!".
ونقل الوسطاء عن مرجعيات شيعية تأكيدها "ضرورة أن تتراجع الحكومة عن هذا القرار، خصوصًا بعد انكشاف الدور الأميركي والعنجهية التي تصرّف بها العدوّ "الإسرائيلي" ردًّا على الخطوة التي قامت بها الحكومة". وفي هذا السياق، جاء بيان كتلة "الوفاء للمقاومة" التي دعت فيه الحكومة إلى "مغادرة مساحة الإرباك والعجز التي تراوح فيها"، مشيرة إلى "أنها أمام سلسلة طويلة من الاستحقاقات الهامّة، وفي طليعتها المبادرة إلى ترميم ما صدّعته من وحدة وطنيّة نتيجة تورّطها في قرار سحب السلاح الذي يهدّد الاستقرار".
وقالت مصادر مطّلعة إنّ "البيان هو نتيجة للمخرج الشّكلي الذي رُسم لضمان حضور الوزراء الشيعة، لكنّه لا يعالج جوهر المشكلة. فمَن الذي سيضمن عدم التصويت على خطّة الجيش وبجدول زمني، بعد انسحاب الوزراء الشيعة على غرار ما حصل في جلستَي 5 و7 آب، فهل نكون أمام فخّ جديد؟
وما هي الحجّة التي ستقال إلى جمهور المقاومة عندئذ؟". الثابت في كلّ ذلك هو "وحدة الموقف بين الثنائي حول أي خطوة ربطًا بالنتائج". ومن هنا يطرح السؤال، هل سيتحمّل عون مسؤوليّته في تفكيك اللّغم، أم يبقى يناور بحجّة أنّ رئيس الحكومة لا يريد تغيير جدول الأعمال، لا سيّما أنّ الثنائي، ورغم نيّته عدم الاشتباك مع رئيس الجمهورية، إلا أنه لا يعفيه من المسؤولية المباشرة عمّا حصل، لأنه خالف تعهّداته السابقة بعدم السير في خطوات لم يحصل اتّفاق حولها مع الحركة وحزب الله.
أمّا موقف الجيش اللبناني، فليس بعيدًا عن جوّ التهدئة، نتيجة إدراك قائد الجيش رودولف هيكل، لخطورة "المقامرة" بمصير المؤسسة العسكرية، وهو ناقش عون وسلام أخيرًا سيناريو اعتراض النساء والأطفال للجيش، في حال قرّر حزب الله عدم التصادم معه، سائلًا إن كان لديهما أي تصوّر لما يجب يفعله حينها. كما أكّد لهما ضرور عدم نسيان المحطات السابقة التي أدّت إلى تفكيك المؤسسة العسكرية. ولفتت أوساط سياسية بارزة إلى أنّ "الجيش سيؤكّد أيضًا في خطّته على مبدأ الخطوة مقابل خطوة، لأنّ أحدًا غير قادر على السير بغير هذا الطرح وإلا نكون قد دخلنا نفقًا مظلمًا للجميع".