علي سرور/جريدة الأخبار
لم تعد التحركات الرافضة لجرائم الاحتلال في فلسطين حكرًا على المسيرات الشعبية أو مواقف من بعض الفنانين والكتّاب، بل امتدت أخيرًا إلى قلب المجتمع الكنسي عبر تشكّل حركة دينية مسيحية واسعة في إيطاليا، تحت اسم «كهنة ضد الإبادة» تضمّ أكثر من مئتي كاهن وأساقفة من إيطاليا ودول أخرى تحت شعار «المسيح مات في غزة».
كان قد سبق لمنظّمي الحملة أن أعلنوا عن تشكيل الرابطة في الرابع من أيلول (سبتمبر) الجاري، معلّلين بأنّهم «لا يستطيعون ككهنة ورعاة أن يبقوا صامتين أمام هول الإبادة الجماعية التي تطال غزة والشعب الفلسطيني».
كما حدّد الإعلان الصحافي للكهنة أهداف الرابطة التي تشمل إحلال السلام والمصالحة، بالإضافة إلى حماية الضحايا والشرعية الدولية عبر «إعطاء صوت لمن لا صوت لهم»، والتنديد «بجرائم الحرب والتطهير العرقي وكل أشكال الإبادة في فلسطين». إلى جانب ذلك، تهدف الرابطة إلى تعزيز الحضور المسيحي في الأراضي المقدّسة.
أخيرًا، طالب الكهنة بالحقيقة والمساءلة عبر دعم تحقيقات مستقلّة في أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، و«جميع الجرائم المرتكبة في ظلّ الاحتلال الإسرائيلي قبل ذلك التاريخ وبعده».وفي مسعاها للضغط من أجل تحقيق هذه الأهداف، تتطلّع الرابطة إلى إعلان عام موقّع من كهنة وأساقفة من إيطاليا ودول أخرى، وإجراء لقاء وطني في روما للصلاة والشهادة العلنية.
إلى جانب ذلك، يخطّط المنظمون للقيام بمبادرات محلية تشمل وقفات صلاة وأنشطة توعوية في الرّعايا، بالإضافة إلى التعاون بين الأديان مع «منظّمات ملتزمة بالسلام والعدالة».
في تطبيق عملي لمخططاتها، أعلنت الرابطة عن صلاة يقظة ومسيرة صامتة سيُقامان في العاصمة روما يوم 22 أيلول (سبتمبر) الجاري، عشية اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
الضمير العالمي ينتفض
في موازاة التحرّك الكنسي الواسع، شهدت قرية مورتورا الواقعة في القرب من مدينة نابولي الإيطالية، لفتة رمزية غير مألوفة من قبل القس دون ريتو ماريسكا خلال القدّاس، إذ ارتدى ثوبًا يحمل ألوان العلم الفلسطيني. وصُرِح بأنّ الغاية كانت إيقاظ الرحمة، والتأكيد على نصرة الضعفاء، وإظهار التزامٍ اجتماعي للدفاع عنهم.
بين الثناء الواسع على شجاعة القسّ ماريسكا، وبعض الانتقادات التي وُجهت إليه باعتبار ما حدث ربطًا «غير مناسب» بين الدين والسياسة، ردّ القسّ بأنه كان على علمٍ بالعواقب المحتملة قبل القيام بخطوته، وأنّ الاختيار لم يكن بحثًا عن الشهرة، بل عن حرية التعبير عن الضمير، وعن الوقوف إلى جانب من يعاني.
يترافق التحرك الديني الإيطالي مع تصاعدٍ ملحوظ في وتيرة القتل والتجويع والحصار التي يعانيها سكان غزة. فقد زُجّ الأطفال والنساء والعائلات في أزمات إنسانية حادة، حيث نقص الغذاء والرعاية الصحية والماء بشكلٍ متزايد. وأمام هول المشاهد الموثّقة واليومية، بدأت الاحتجاجات تكتسب زخمًا أكبر في شتّى الميادين الأوروبية والأميركية، وسط تزايد مستمرّ لحركات المقاطعة، خصوصًا في الأوساط الفنية بين ممثلين وكتّاب وفنّانين، وآخرها إعلان عدّة ممثلين في حفل جوائز «إيمي» الأحد المنصرم، عن مقاطعة الاحتلال بشكل كامل.
ماذا عن الآخرين؟
تعدّ حركة «كهنة ضد الإبادة» جزءًا من تيّار عالمي متنامٍ يُطالب بإنهاء المعاناة، دفاعًا عن حقوق الإنسان، وضد أي مسوغات للعنف أو التجويع أو الحصار.
يبدأ هذا التيار في أوروبا ولا ينتهي في أميركا، ويشمل فنانين وكتابًا وممثلين، وأخيرًا بشكل واسع رجال دين مسيحيين. لكنّ رسالة الجماهير الغربية تحمل وجهتين: الأولى لزيادة الضغط على إسرائيل من داخل المجتمعات الأوروبية التي كانت تُعدّ «صديقة» لها، والوجهة الثانية هي تذكير الذين يتناسون ما يحدث في فلسطين: من لا يرفع صوته اليوم أمام المجازر، سيُسأل غدًا عن صمته.