حمزة الخنسا (الأخبار)
بين الغارات وعمليات الاغتيال الدقيقة التي ينفّذها جيش العدوّ "الإسرائيلي" ضدّ أهداف في الجنوب والبقاع وبيروت، تظهر مؤشرات تعاون استخباراتي عميق ومنهجي بين فرنسا والعدو "الإسرائيلي" على الأراضي اللبنانية. يحصل ذلك كله تحت غطاء تفويض الأمم المتحدة (القرار 1701) واتفاق وقف إطلاق النار لعام 2024، إذ تقوم طائرات الاستطلاع المتقدّمة (MQ - 9 Reaper) التابعة للقوات الفرنسية العاملة في إطار "اليونيفيل"، بعمليات جمع معلومات استخباراتية إستراتيجية تتجاوز بكثير الدور التقليدي لقوات حفظ السلام. وتوفّر "كنزًا استخباراتيًا" للعدو، ممّا يسهم في بناء بنك أهدافه وتأكيد المعلومات قبل تنفيذ ضرباته.
المشاركة الفرنسية الفاعلة في عمليات القتل والاغتيال، لم تأتِ من فراغ، بل تتزامن مع الكثير من المؤشرات السياسية والإعلامية على تحوّل الدور الفرنسي في لبنان من "حفظ السلام" السلبي إلى دور استخباراتي هجومي نشط، فقد أصبحت طائرات باريس المسيّرة جزءًا لا يتجزّأ من "سلسلة القتل الإسرائيلي"، تحت غطاء شكلي لمفاهيم مثل السيادة اللبنانية والتفويض الأممي، ما يمثّل تحوّلًا خطيرًا في طبيعة التدخّل الدولي في لبنان.
وتُظهر البيانات المستقاة من رصد الحركة الجوّية في أثناء عام 2025، نشاطًا مكثّفًا ومنتظمًا لطائرات مُسيّرة فرنسية من طراز (MQ - 9 Reaper)، تحمل رموز نداء مثل (DOWN33 وDOWN34)، في الأجواء اللبنانية. وقد بدأ هذا النشاط يتصاعد بشكل جلي بعد وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024، ليمثّل تحوّلًا نوعيًا في طبيعة المراقبة الدولية في لبنان، بما يحمله من أبعاد فنية وعسكرية وسياسية معقّدة.
هذه البيانات المستخلصة من ثلاثة مواقع مراقبة جوّية عسكرية، والتي نشرها "مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير"، تشير إلى نشاط شبه يومي ومنتظم للطائرات الفرنسية.
وبحسب المركز، فإنّ مسارات الطيران لا تقتصر على جنوب لبنان فحسب، بل تمتدّ لتشمل مناطق إستراتيجية وحيوية مثل سهل البقاع (شمالًا ووسطًا) والعاصمة بيروت.
هذا النمط يوضح أنّ المهمّة لا تقتصر على مراقبة تكتيكية للخط الأزرق، بل تمثّل عملية استخباراتية إستراتيجية شاملة (ISR) تغطّي مختلف الجغرافيا اللبنانية بهدف بناء صورة استخباراتية متكاملة ومحدّثة باستمرار عن الأنشطة العسكرية والبنى التحتية للمقاومة بما يشمل تحركات القوات والمعدّات، ومواقع تخزين الأسلحة ومنصات الإطلاق، وشبكات الاتّصالات والقيادة والسيطرة، وطرق الإمداد اللوجستي.
صحيح أنّ المسيّرات الفرنسية (الأميركية الصُنع) لا تعمل في الأجواء اللبنانية تحت قيادة "إسرائيلية" مباشرة، إلا أنّ نتائج عملياتها تصبّ بشكل مباشر في صالح الأمن القومي للعدو، إذ توفّر له صورة عملياتية أكثر دقّة ووضوحًا، وتقلّل من احتمالات المفاجآت التكتيكية، وتزيد من فاعلية أي عمليات عسكرية مستقبلية.
وقد ظهر أثر "الاستطلاع الفرنسي" الذي يسبق الاعتداءات "الإسرائيلي" في مناسبات عدّة تزامن فيها تحليق طائرات (MQ - 9 Reaper) الفرنسية مع الغارات الجوّية وعمليات الاغتيال التي ينفّذها سلاح جوّ العدوّ في المناطق ذاتها أو ضمن أطر زمنية متقاربة، وعكَسَ مستوى عاليًا من التنسيق الاستخباراتي والعملياتي بين الطرفين، حتّى وإن لم يُعلن عنه رسميًا.
التزامن بين تحرّكات المسيّرات الفرنسية والاعتداءات "الإسرائيلية" حدث في مناسبات عديدة، منها في البقاع الأوسط والجنوب، إذ سُجّل تحليق استطلاعي فرنسي فوق القطاع الشرقي للجنوب والبقاع يوم 29 تموز الماضي، تلاه تكثيف للطيران الاستطلاعي للعدو يومَي 30 و31 تموز، قبل أن يغير الطيران المعادي على أهداف شرق البقاع والقطاع الشرقي لجنوب لبنان في وقت لاحق من يوم 31 تموز.
وتكرّر التزامن على النسق نفسه في 7 آب 2025، إذ سُجّل تحليق استطلاعي فرنسي مكثّف في البقاع الأوسط وعند نقطة المصنع الحدودية، تلته عمليّتا اغتيال في بلدة كفردان البقاعية وعند نقطة المصنع الحدودية ذهب ضحيّتهما 9 شهداء.
النمط المتكرّر للتزامن بين التحليقات الاستطلاعية الفرنسية والغارات الصهيونية لا يمكن تفسيره على أنه مجرّد صدفة. بل يشير إلى تعاون استخباري عميق ومنهجي، قد يصل إلى إنشاء غرفة عمليات مشتركة بين الطرفين.
وباستخدام منصات استخباراتية - هجومية متطوّرة (MQ - 9 Reaper)، تنتقل القوّة الفرنسية العاملة في إطار "اليونيفيل" في جنوب لبنان من قوّة "حفظ سلام" تقليدية إلى مراقِبة إستراتيجية ذات طابع عسكري استباقي، في ظلّ الحديث عن رغبة أميركية - "إسرائيلية" في عدم التجديد لـ"اليونيفيل" في حال لم تنجح مساعيهما في تحويل القوّة الدولية إلى أداة باطشة في مواجهة المقاومة وبيئتها.
في السياق، فان فرنسا تقدّم عبر نشاط مسيّرات (MQ - 9 Reaper) خدمات مهمّة للعدو "الإسرائيلية" عبر سعيها إلى إفقاد المقاومة ميزة التخفّي والسرّية بفعل المراقبة الجوّية المستمرّة. وتقييد حركتها العملياتية وبالتالي إفقادها عنصر المفاجأة الحاسم. بالإضافة إلى التهديد المباشر والقدرة على القتل، وبناء بنك أهداف جديد للعدو.