دموع الأسمر (جريدة الديار)
برزت في الايام القليلة الماضية، حركة اعتصامات امام بعض المدارس الخاصة في مدينة طرابلس احتجاجا على ارتفاع الاقساط المدرسية التي تراوحت بين اربعة آلاف وخمسة آلاف دولار ، مع ارتفاع مبالغ فيه لاسعار الكتب والقرطاسية.
ارتفاع الاقساط المدرسية في المدارس الخاصة شكلت ازمة لدى مجمل الاهالي في طرابلس والشمال، في ظل الازمات المعيشية والاقتصادية الضاغطة بأثقالها ..
بعض اوساط هذه المدارس حاول طرح مبررات لزيادة الاقساط، مستندا اولا، الى ان من يلجأ الى المدرسة الخاصة هم الميسورون، وثانيا ان ادارات المدارس الخاصة مضطرة لزيادة الاقساط بعد رفع الحد الادنى في القطاع الخاص، بحيث توازن بين رواتب المدرسين والاقساط كي تؤمن ديمومة المدرسة وحماية مستوى الانتاجية فيها منعا للانحدار ..
غير ان استطلاعا للرأي العام في مدينة طرابلس أفضى الى ان معظم الاهالي الذين لجأوا الى المدارس الخاصة هم من موظفي القطاع العام والاسلاك العسكرية، ومن ذوي الدخل المحدود، وان دوافعهم هي توفير مستوى تعليمي لائق لاولادهم في ظل غياب هذا المستوى عن المدارس الرسمية التي لا تتوفر فيها الجدية والمستويات التعليمية العالية لاسباب عديدة ابرزها:
اولا، تدني رواتب المدرسين في القطاع العام، مما ينعكس سلبا على انتاجية المدرس الذي يرزح تحت هموم معيشية ضاغطة تخفض من طاقة انتاجيته. والدلالة على ذلك ان عددا لا يستهان به من المدرسين الرسميين متعاقدون مع مدارس خاصة، تختلف انتاجيتهم التربوية بين مدرسة خاصة، ومدرسة رسمية، ففي المدرسة الخاصة ونتيجة الرقابة والمتابعة والراتب المتوازن يقدم عطاء جديا منتجا، وفي المدرسة الرسمية تنخفض طاقته الانتاجية لغياب الحافز والرقابة.
ثانيا، شبه غياب للتفتيش والمتابعة الجدية لمسار المدارس الرسمية وتوفير كل مستلزماتها اللوجستية سواء في طرابلس او في المناطق الشمالية النائية.
اللافت ان مدينة طرابلس باتت مزدحمة بالمدارس الخاصة على انواعها، سواء مدارس الارساليات الاجنبية وما اكثرها، وبعضها يعود تأسيسها الى اكثر من مئة عام ، ومدارس جديدة تمتلكها جمعيات دينية مسيحية واسلامية، ومجمل هذه المدارس لجأت الى زيادة الاقساط، ورغم ذلك فانها تشهد اقبالا غير مسبوق، وحاولت لجان الاهل معارضة هذه الزيادة ولا تزال تحاول، غير ان الادارات مصرة على رفعها غير مبالية بالاعتراض، مدركة ان لا خيار للاهل امام هبوط التعليم الرسمي وازمته الا اللجوء الى المدارس الخاصة.
اما المدارس الرسمية في طرابلس فقد باتت اقلية امام نشوء المدارس الخاصة، ويحاول بعض الاوساط النيل من سمعة المدارس الرسمية، واتهامها بهبوط المستوى التعليمي فيها، رغم ان هذه المدارس الرسمية كانت حتى سنوات قليلة، من اهم المدارس المنتجة في لبنان، وقد خرجت كفاءات وطاقات عالية وشخصيات، وكانت مقصد العائلات والقيادات والشخصيات يوم كانت هذه المدارس تديرها كفاءات ولا تزال الى اليوم هذه المدارس تبذل جهودا غاية في الاهمية لرفع المستوى التعليمي فيها وحمايتها من الهبوط والانحدار.
اوساط تربوية رأت ان المدرسة الرسمية اليوم باتت ملجأ الفقراء، وهي اليوم تزدحم بالطلاب المنتقلين من المدرسة الخاصة هربا من جحيم الاقساط، وبعض العائلات تعجز حتى عن تسديد رسوم التسجيل فيها، واللافت ان مكاتب النواب والسياسيين الذين كانوا يوفرون مساعدات مدرسية قد غابوا عن السمع هذا العام لعل السبب ان الموسم الانتخابي لا يزال بعيدا ..
احد اولياء التلاميذ،قال تصوروا ان ثمن الكتب في المدرسة الخاصة لا تقل عن 300 دولار، والقرطاسية لا تقل عن مئتي دولار، فهل بلغ لبنان مرحلة ان التعليم متوفر فقط للمقتدرين ماليا؟ ويمنع على الفقراء تلقي العلم؟ والمطلوب تجهيل الشعب اللبناني بمحاصرته اقتصاديا وصولا الى حرمانه من التربية والتعليم ....