اوراق مختارة

مفوضية اللاجئين: لا استشفاء للسوريين

post-img

راجانا حمية (صحيفة الأخبار)

مطلع تشرين الثاني المقبل، تُنهي مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) ارتباطها بالنازحين السوريين على المستوى الاستشفائي، مع التوجّه إلى وقف دعمها الكامل للرعاية الصحية الثانوية، بعدما أوقفت في وقتٍ سابق من هذا العام تمويل الرعاية الصحية الأولية.

القرار هذه المرة نهائي، إذ أكدت المفوضية أنه لن يكون هناك تمديد أو فتح لسنة استشفائية جديدة، ما يعني عملياً نهاية العلاقة الصحية بينها وبين النازحين.

هذا المسار الذي بدا مدروساً من جانب المفوضية، أحدث إرباكاً واسعاً في القطاع الصحي اللبناني، خصوصاً أن المفوضية كانت تدفع نحو 20 مليون دولار سنوياً بدل خدمات استشفائية، وهو مبلغ كان يسدّ جزءاً كبيراً من كلفة علاج النازحين في المستشفيات الحكومية التي تحملت العبء الأكبر من هذه المسؤولية في السنوات الماضية.

دفع هذا الإعلان المستشفيات الحكومية إلى رفع الصوت عالياً، ولا سيّما في مناطق الشمال حيث تتركّز النسبة الأكبر من النازحين، نظراً إلى ما سيتسبب فيه القرار من مضاعفة الأعباء المالية والتشغيلية على المؤسسات الاستشفائية، وحرمان عددٍ كبير من المرضى السوريين من تلقي العلاج. لذلك، حذّرت إدارات المستشفيات من أن القرار «سيضع الطواقم الطبية أمام تحديات إنسانية وأخلاقية بالغة الصعوبة»، مطالبةً بإعادة النظر فيه، ولو «عبر الإبقاء على تغطية الحالات الصحية الطارئة والإنسانية فقط».

لكن لا تغيير في القرار. فالمفوضية حاسمة في موقفها، إذ تواجه، بحسب المصادر، تراجعاً غير مسبوق وحادّاً في التمويل، ما أدخلها في «حالة من عدم اليقين حيال تدفّقات التمويل». ازدادت الصورة قتامةً أواخر آب الماضي، بعدما تلقّت المنظمة «26% فقط من الموارد المطلوبة». وبحسب ما أكدته مصادر المفوضية لـ«الأخبار»، فإن الأمر ببساطة يعود إلى أنه «لم يعد لدينا تمويل من الجهات المانحة، ولسنا قادرين على الإنفاق من موارد غير متوافرة لدينا». لذلك، ستنهي المفوضية اعتباراً من كانون الأول المقبل الدعم الكامل لـ45 ألف لاجئ، بمن فيهم النساء الحوامل، ممن كانوا يتلقون خدمات الرعاية الثانوية.

سبقت هذه المحطة محطات عدة سقطت خلالها الخدمات الاستشفائية تدريجياً، إذ بدأ سحب البساط منذ عام 2023 مع تراجع أعداد المستفيدين من 63 ألف مريض إلى 45 ألفاً عام 2024، وصولاً إلى «صفر إحالة» في العام الحالي بعد إلغاء برامج الرعاية الأولية التي كان يستفيد منها نحو 40 ألف نازح.

ولم يقتصر التراجع على القطاع الصحي، إذ تشير المفوضية إلى تراجع دراماتيكي بنسبة 80% في أعداد المستفيدين من مساعدات الحماية الطارئة النقدية، من 82 ألفاً إلى 18 ألفاً فقط.

وانسحب الأمر نفسه على برنامج المساعدات النقدية. فمنذ كانون الثاني الماضي، أُوقف الدعم عن 347 ألف فرد، أي ما يعادل 60% من مجموع المستفيدين. كذلك طال التقليص برنامج المساعدات النقدية للإيواء بنسبة 90%، إذ انخفض عدد المستفيدين من 95 ألفاً إلى 11 ألفاً فقط.

وشملت التخفيضات حتى الأمكنة، إذ لم يبقَ من مكاتب الاستقبال التابعة للمفوضية سوى مركز واحد في بيروت (منطقة الجناح)، بعدما أُقفلت المراكز الأخرى تباعاً، وآخرها مركزا البقاع والشمال، فيما لا يزال مركز صور معلّقاً بلا أي مؤشرات على إعادة تشغيله قريباً. وبذلك، سيصبح مركز بيروت ابتداءً من الشهر المقبل «المركز الرئيسي لأنشطة التسجيل والتحقق على مستوى البلاد، ليغطي جميع المناطق بما في ذلك بيروت وجبل لبنان والشمال والبقاع والجنوب»، وفق ما أعلنته المفوضية. وهذا يعني أعباءً إضافية تدركها المفوضية جيداً، إذ سيصبح من المتعذّر إتمام الملفات المتبقية بالسهولة والسرعة اللتين كان يتيحُهما توزّع المراكز في المناطق المختلفة.

لأن «ثمة نهاية لكلّ شيء»، كما يقول رئيس لجنة الصحة النيابية بلال عبدالله، فإن «هذا الأمر طبيعي، ومن البديهي أن تتحول هذه الأموال ونشاط المنظمة إلى سوريا مع عودة النازحين إلى بلادهم في ظل انتفاء الوضع الأمني الذي كان قائماً». ولذلك، إن ما اتخذته المفوضية يأتي في صلب ما تعمل عليه اللجنة اللبنانية - السورية في إطار تسهيل عودة النازحين إلى بلادهم.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد