أوراق سياسية

"إسرائيل" لا تريد التفاوض.. و"الحزب" يرفض ترتيبات واشنطن

post-img

هتاف دهام (لبنان 24)

يتكثف المشهد الإقليمي حول لبنان وسط تصاعد الضغوط "الإسرائيلية" وتبدّل المقاربة الأميركية وتشدّد المواقف الأوروبية، في ما يتراجع الاهتمام الدولي بملفه الداخلي لصالح التركيز على التطورات السورية التي باتت تعتبر المحدّد الفعلي لمستقبله. وتعكس الرسائل الصادرة من تل أبيب في الأيام الأخيرة تحولًا في الإستراتيجية "الإسرائيلية" تجاه لبنان، إذ باتت تعتمد ما يمكن تسميته الضغط بالنار على الحدود الجنوبية، متهمة حزب الله بمحاولة إعادة تسليح نفسه، ومطالبة الدولة اللبنانية بتنفيذ التزاماتها بنزع سلاح الحزب. تصريحات بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته توحي بأن "إسرائيل" تهيّئ الرأي العام لتصعيد ميداني محدود، هدفه فرض وقائع جديدة.

ورغم أن احتمالات اندلاع حرب شاملة لا تزال ضعيفة وفق تقديرات دبلوماسية، إلا أن منسوب التوّتر آخذ بالارتفاع، ما يفتح الباب أمام مواجهات محدودة قد تستخدمها تل أبيب كورقة تفاوضية. فـ"إسرائيل" تدرك أن الضغوط العسكرية تمثل وسيلة فعالة لدفع لبنان نحو قبول ترتيبات أمنية تضمن أمن حدودها الشمالية وتقلص نفوذ حزب الله. غير أنّ المراقبين يرون أن تل أبيب ليست مستعجلة على السلام مع لبنان، ولا تعتبره أولوية في هذه المرحلة، لأنّ ثمّة دولًا عربية أكثر أهمية بالنسبة إليها تسعى إلى إبرام اتفاقات تطبيع أو سلام معها، ما يجعل الملف اللبناني مؤجلًا في سلم الاهتمامات "الإسرائيلية" إلى حين نضوج الظروف الإقليمية، هذا فضلًا عن أن "إسرائيل" في الوقت الحالي لا تظهر اهتمامًا جادًا بالتفاوض، إذ يبدو أن همها الأول يتمثل في توسيع نفوذها على الأرض، مع استمرار اعتداءاتها دون أي توقف.

بالتوازي، تشهد المقاربة الأميركية، بحسب مصادر سياسية مطلعة، تحولًا لافتًا، إذ إنتقلت واشنطن من مرحلة الدعم السياسي والعسكري للبنان إلى ممارسة ضغط مباشر عليه. فقد حمل السفير الأميركي توم براك في كلمته أمام منتدى المنامة الدولة اللبنانية مسؤولية تدهور أوضاعها، واصفًا إياها بأنها "دولة فاشلة" تفتقر إلى مقومات الاقتصاد والتعليم والطاقة، ومحذرًا من أن الوقت ينفد أمامها لحصر السلاح. كما أشار إلى أن "إسرائيل" "مستعدة للتوصل إلى اتفاق حدودي" متى التزمت بيروت بالقرارات الدولية، في ما اعتبر إشارة واضحة إلى رغبة أميركية في تسريع مسار التفاوض غير المباشر.

أما بريطانيا، فتبنت خطابًا أكثر تشددًا حيال حزب الله، إذ وصفت وزيرة خارجيتها الحزب بأنه قوة مدمّرة تعيق الاستقرار الإقليمي، مؤكدة دعم لندن الكامل لمؤسسات الدولة اللبنانية واعتبارها الجهة الشرعية الوحيدة التي يجب أن تحتكر السلاح، وهذا الموقف المتناغم مع الطرح الأميركي يعكس، بحسب المصادر، رغبة غربية عامة في دفع لبنان نحو مرحلة جديدة عنوانها إعادة بناء الدولة عبر ضبط السلاح وتوسيع سلطة الجيش.

في هذا السياق، يرى مراقبون أن الاهتمام الأميركي بالملف اللبناني بدأ يتراجع تدريجيًا مع انتقال التركيز إلى الملف السوري، فالمعادلة الجديدة التي ترسمها واشنطن وتل أبيب تقوم على اعتبار أن مستقبل لبنان لن يحسم من بيروت، بل من دمشق.

وعلى الصعيد الداخلي، تبدو الساحة اللبنانية أمام تحد بالغ التعقيد. فالتباينات السياسية لا تحجب حقيقة أن هناك إجماعًا ضمنيًا على ضرورة التفاوض غير المباشر مع "إسرائيل"، باعتباره خيارًا اضطراريًا لتفادي مواجهة مفتوحة. وفي الوقت نفسه، تتّجه المؤسسات الأمنية إلى تعزيز حضورها على الحدود الجنوبية في محاولة لترسيخ موقف رسمي يحافظ على الحد الأدنى من السيادة ويمنع "إسرائيل" من فرض أمر واقع جديد.

لم تتوقف المفاوضات غير المباشرة بين لبنان و"إسرائيل" فعليًا، بل تستمر برعاية اللجنة الخماسية التي يرأسها الجنرال الأميركي جوزيف كليرفيلد، وتشارك فيها فرنسا والأمم المتحدة وتسعى إلى تثبيت وقف الأعمال العدائية وتوسيع نطاق القرار 1701، وتدعو مصادر أوروبية لبنان إلى عدم هدر الوقت وضرورة أن تبسط الدولة سلطتها على كامل أراضيها قبل انتهاء مهمّة قوات اليونيفيل.

ما يجري في الواقع يتجاوز مسألة السلاح، تقول مصادر سياسية في الثنائي الشيعي، إذ تسعى واشنطن إلى فرض واقع جديد على لبنان يشمل ترتيبات أمنية وحدودية طويلة الأمد، وربما مناطق عازلة خالية من السكان، في إطار تسوية شاملة للحدود الشمالية. والخطر هنا لا يقتصر على السيادة العسكرية، بل يمتد إلى السيادة الوطنية والسياسية التي قد تختزل باتفاقات أمنية تلزم لبنان بتنسيق مستمر مع الجانب "الإسرائيلي"  بذريعة حماية الحدود، وهذا المخطّط لا يمكن القبول به أو التسليم به كأمر واقع مهما اشتدت الضغوطات.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد