هتاف دهام (لبنان 24)
في لحظة سياسية وأمنية دقيقة يعيشها لبنان منذ إعلان وقف إطلاق النار مع "إسرائيل" في تشرين الثاني 2024، يتّجه المشهد الداخلي نحو مزيد من التوتر، في ظل التصعيد "الإسرائيلي" الذي يبدو أنه سيشتدّ في سياق الضغط على رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون للذهاب إلى مفاوضات مباشرة مع تل أبيب، تحت وطأة ضغط أميركي سياسي متصاعد.
تشير مصادر سياسية مطلعة إلى أنّ الرئيس عون يواجه ضغوطًا متزايدة من الولايات المتحدة، خصوصًا بعد التصعيد الميداني الأخير في الجنوب من قبل العدوّ "الإسرائيلي"، والذي ينظر إليه كجزء من إستراتيجية الضغط بالنار لدفع بيروت إلى قبول التفاوض المباشر. وتكشف هذه المصادر أنّ الموفد الأميركي توم براك نقل إلى الرئيس عون رسالة غير مباشرة وغير مسبوقة حين نصحه في إحدى اطلالات التلفزيونية برفع الهاتف والاتّصال برئيس الوزراء "الإسرائيلي" لإنهاء المسألة، في ما اعتُبر دعوة صريحة لكسر الحاجز السياسي بين الجانبين.
وفي موازاة ذلك، تؤكد مصادر أميركية أن الرئيس عون الذي سيسير بالتفاوض، بفعل المطالب الأميركية والتهديدات "الإسرائيلية"، باشر إعداد فريق تفاوضي جديد يضمّ شخصيات ذات خلفية سياسية، من بينها رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن بول سالم. وقد أثار هذا الاختيار استغراب بعض المقربين منه، الذين اعتبروا أن رفع مستوى التمثيل يوحي بوجود قرار سياسي بالمضي قدمًا نحو المفاوضات المباشرة، لا مجرد بحث تقني حول ترسيم الحدود، علمًا أنّ أحد المستشارين سرب اسم سالم بهدف إحراج عون سياسيًا.
في هذا السياق، جاء الكتاب المفتوح الذي وجهه حزب الله إلى الرؤساء الثلاثة رئيس الجمهورية جوزف عون، رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام بمثابة رد واضح على توجه عون نحو التفاوض.
فالكتاب حمل مضمونًا سياسيًا عالي النبرة، عبّر عن رفض قاطع لأي مفاوضات مباشرة مع "إسرائيل"، مؤكدًا أنّ ما يطرح اليوم ليس حوارًا سياديًا بل استدراج إلى اتفاق يخدم مصالح العدوّ على حساب لبنان.
وأكد الحزب أن "إسرائيل" لم تلتزم بوقف إطلاق النار الذي تمّ التوصل إليه بوساطة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، إذ واصلت خروقها برًا وبحرًا وجوًا، ما يجعل الدفاع حقًا مشروعًا لا خيارًا سياسيًا خاضعًا للمساومات. ورأى الحزب أن أي بحث في مسألة السلاح لا يمكن أن يتم تحت ضغط خارجي أو ضمن شروط "إسرائيلية"، بل من خلال حوار وطني داخلي يفضي إلى إستراتيجية دفاعية تحمي السيادة وتمنع التنازلات.
وعليه، لم تخل رسالة الحزب من انتقاد مبطن للرئاسة والحكومة، إذ وصف الحزب القرار الحكومي الأخير بشأن حصرية السلاح بأنه متسرّع، معتبرًا أنه فتح الباب أمام تل أبيب لاستغلاله كورقة ضغط للمطالبة بنزع سلاح المقاومة كشرط لإنهاء العدوان. وبرأي الحزب، فإن القضية تتجاوز البعد العسكري إلى عمق السيادة الوطنية، وأي نقاش حول السلاح في هذا التوقيت يعني عمليًا خضوع لبنان لابتزاز سياسي وأمني. وحذّر حزب الله من الانجرار إلى أفخاخ تفاوضية تمنح العدوّ مكاسب مجانية دون أن يلتزم بشيء في المقابل، داعيًا إلى وحدة وطنية شاملة لمواجهة المخاطر الوجودية التي تتهدّد لبنان في هذه المرحلة.
بهذه الرسالة، أراد حزب الله أن يرسم خطًا أحمر واضحًا أمام أي محاولة لبنانية للتقارب مع "إسرائيل"، مؤكدًا أنّ حماية لبنان تبدأ من وحدة موقفه الداخلي لا من “الانفتاح على العدو”. والنتيجة، وفق مراقبين، أن البلاد تقف على عتبة مواجهة سياسية جديدة بين الدولة وحزب الله، عنوانها “التفاوض مع إسرائيل” وحدود السيادة اللبنانية.