ندى أيوب (صحيفة الأخبار)
وسط ظروفٍ وتحدّيات سياسية وأمنية يمرّ بها لبنان، في مرحلةٍ قد تكون الأكثر حساسية في تاريخه، تأتي زيارة البابا لاون الرابع عشر، بعد حربٍ إسرائيلية مدمّرة، واحتلال جديد لأجزاء من الجنوب، واعتداءات مستمرة لضرب كل أشكال الحياة فيه. ولذلك، هناك من وجد أن الزيارة ينبغي لها أن تشمل الجنوب لتكتسب معنى أشمل، بصفتها زيارة لكل لبنان، وتأكيداً على ضرورة المحافظة على النموذج اللبناني، وليس لبنان بلد الفئة الواحدة.
ومنذ إعلان الفاتيكان عن الزيارة، باشر النائب الياس جرادة العمل على مبادرة لإدراج الجنوب كواحدة من محطات البابا، «لما تحمله أرضه من رمزية تاريخية كأرض السيد المسيح المطلوب اليوم تثبيت لبنانيتها وقدسيّتها، في مواجهة السردية الصهيونية التي تقدّمها على أنها جزء من إسرائيل الكبرى».
وأعدّ جرادة عريضةً وقّعها النواب حليمة القعقور، بولا يعقوبيان، نجاة صليبا، إبراهيم منيمنة، ياسين ياسين وملحم خلف، موضحاً أنّ «التواقيع جُمعت على عجل، واقتصرت على النواب الثمانية، نظراً إلى الإعلان السريع عن برنامج زيارة البابا، ما استدعى الاستعجال في الإجراءات، وتسليم رسالة رسمية للسفير الباباوي في لبنان، سعياً لتعديل البرنامج علّه يشمل زيارة الجنوب»، مؤكّداً أنه «لو سنح الوقت لكان عدد أكبر من النواب شارك في التوقيع»، لافتاً في الوقت نفسه إلى «وجود جوّ متحفّظ ضد زيارة الجنوب، لحسابات سياسية داخلية ضيّقة، ولهذا الجو امتداده داخل السلطة، وفي المواقع الرسمية».
وأشار جرادة إلى تواصل مع القصر الجمهوري والمركز الكاثوليكي في لبنان، بصفتيهما الجهتين المشاركتين في تنظيم الزيارة. لكنّ أجواء القصر أفادت بأن «لا مونة ولا تأثير على جدول أعمال البابا»، كما لم «نلحظ أيّ حماسة من ممثّل الكرسي الرسولي مع المبادرة، وقد امتنع عن إعطاء موعدٍ لسماع الطرح مكتفياً باتصال هاتفي».
لكن ما هو مؤكّد أنّ جرادة سلّم السفارة البابوية رسالة موقّعة من النواب الثمانية حول أهمية زيارة الجنوب، وطلب إرسالها إلى الفاتيكان، وتلقّى لاحقاً جواباً بأنّ «الرسالة وصلت».
وبالتوازي، انطلقت مبادرة أخرى، قوامها مجموعة ناشطين سياسيين ودينيين، لحثّ البابا على زيارة الجنوب. وفي إيطاليا، ساهمت مجموعة صحافيين من أصول لبنانية في إيصال المبادرتين إلى الفاتيكان.
في مضامين الرسالة الرسمية التي تلقّاها الفاتيكان، إشارات سياسية واجتماعية عدّة. فـ«وسط ما عاناه الجنوب ولا يزال من ويلات الحرب الأخيرة، وتبعاتها القاسية، سيما على مستوى إصرار العدو على ضرب كل مقوّمات الحياة، ومنع الآلاف من العودة الآمنة إلى قراهم، ووسط تحدٍّ وجودي أمام نموذج العيش المشترك والتنوّع الذي طالما تميّز به»، اعتبر معدّو الدعوة أنّ «زيارة الجنوب هي تأكيد على أن هذه الأرض ليست هامشاً على هوامش جغرافيا وتاريخ البلد، بل هي جزء أصيل وحيوي منه». ووُضعت الزيارة في إطار «بادرة سلام وتضامن، وتأكيداً على أنّ الجنوب ليس منسياً، وأنّ الكنيسة تقف إلى جانب أبنائه في محنتهم، على اختلاف مشاربهم. كما أنّ الحضور في الجنوب، سيمثّل تحيّة للمجتمع الجنوبي الصامد في أرضه، وتشجيعاً له لتجاوز عقبات العودة الآمنة».
ويؤكّد أصحاب المبادرتين أن زيارة البابا للجنوب تمثّل «تأكيداً على ضرورة الحفاظ على لبنان النموذج، والعيش المشترك بين مكوّناته، وأنّ هذا البلد نهائي لجميع أبنائه وليس لفئة دون أخرى. إضافة إلى التعويل، على أن تُساعد زيارة البلدات المُدمَّرة بفعل العدوان الإسرائيلي، في تسليط الضوء عالمياً على معاناة الجنوبيين، وحاجتهم إلى الدعم الدولي لإرساء الاستقرار والضمانات الأمنية التي تكفل عودتهم إلى قراهم».