غسان ريفي (سفير الشمال)
بعد أيام قليلة يدخل اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الأول 2024 عامه الأول، مثقلا بأكثر من سبعة آلاف خرق "إسرائيلي" بين قتل وتدمير واحتلال وتوسع وجرف أراض ومنع إعمار وبناء جدار حدودي عازل وانتهاكات واستباحة للبنان جوًّا وبرًا وبحرا، مقابل التزام كامل من الدولة باعتماد الدبلوماسية وصولًا إلى القبول بالتفاوض، ومن المقاومة بعدم إطلاقها أي رصاصة رغم كلّ الاستفزازات التي تعرضت لها على مدار 12 شهرا.
وعلى مدار عام كامل، لم تنجح دبلوماسية حكومة نواف سلام، ولم تقم بواجباتها في تقديم الشكاوى المطلوبة إلى مجلس الأمن حول الخروقات "الإسرائيلية" اليومية، ولم تصدق أميركا وفرنسا في ضمان وقف إطلاق النار، فاختفت الثانية عن المتابعة، ودعمت الأولى الاعتداءات الصهيونية وما إلى ذلك من غطرسة وتعنت، وتحولت لجنة وقف إطلاق النار “الميكانيزم” التي تعاقب عليها ثلاثة جنرالات أميركيين إلى “شاهد زور”، وبات وجودها “لزوم ما لا يلزم”، خصوصًا أنها بدأت مؤخرًا تعمل على مراقبة تحركات الجيش اللبناني أكثر من مراقبتها للاعتداءات "الإسرائيلية".
في الوقت التي تطالب فيه أميركا ببسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وبحصرية السلاح بيد الدولة، تلتزم صمتا مريبا أمام إصرار "إسرائيل" على عرقلة الجيش اللبناني ومنعه من استكمال خطته في جنوب الليطاني بفعل الاحتلال والاعتداءات، وبدل أن تعمل الولايات المتحدة على تعزيز دور الجيش وتقويته للقيام بالمهام الموكلة إليه تعمل على استهدافه بإلغاء لقاءات قائد الجيش في واشنطن ما أدى إلى إلغائها، وبدل أن تقوم بتعزيز دور قوات الطوارئ الدولية “اليونيفيل” لمساعدة الجيش في حفظ الأمن، تغض الطرف عن اعتداءات "إسرائيل" عليها واستهدافها بشكل مستمر ما يؤدي إلى تعطيل دورها والى الإساءة المباشرة إلى الأمم المتحدة.
لا شك في أن الأميركي و"الإسرائيلي" في لبنان هما وجهان لعملة واحدة، فالأول يخطط والثاني ينفذ، والنتيجة هي تحقيق المصلحة الصهيونية من دون إقامة أي اعتبار للبنان أو ترجمة المزاعم الأميركية حول دعمه على استعادة عافيته، وبالتالي بات واضحًا أن الأميركي و"الإسرائيلي" على حد سواء لا يريدان اتفاق وقف إطلاق النار، ولا القرار 1701، ولا لجنة الميكانيزم، ولا التفاوض ولا الدبلوماسية اللبنانية، بل يفتشان عن تفاوض مباشر تحت النار يُلزم لبنان بالاستسلام ويُخضعه للشروط "الإسرائيلية" وأبرزها تشريع احتلاله للتلال الخمس، وإقامة المنطقة العازلة، وضمان حرية حركته في الأجواء اللبنانية، وإضعاف جيشه وكسر إرادته، وتبديل عقيدته الوطنية.
ولا شك في أن ما تعرض له قائد الجيش العماد رودولف هيكل من قبل الولايات المتحدة الأميركية من تضييق على زيارته إلى واشنطن، يأتي ردا على فشل المخطّط الأميركي ـ ال"إسرائيلي"، في تحويل الجيش اللبناني إلى شرطة تأتمر بالقرارات الصهيونية، تفتش منازل المدنيين وفقًا للتوجيهات، تتنكر لعقيدتها الوطنية ولمصطلحاتها من “جيش العدوّ إلى المستوطنات إلى الاحتلال الإسرائيلي”، وتقاتل شعبها وخصوصًا بيئة المقاومة بهدف إحداث فتنة تستفيد منها "إسرائيل" للتوغل أكثر في الأراضي اللبنانية وتحقيق ما لم تستطع تحقيقه خلال حرب الستين يوما.
كل ذلك يضع لبنان أمام أفق مسدود، ويضع الكرة في الملعب الأميركي فإما أن تفتش الولايات المتحدة عن حلول منطقية تحقق السيادة اللبنانية بالانسحاب "الإسرائيلي" أولًا ومن ثمّ باستكمال الدولة لخطة حصرية السلاح، أو أن تستمر في دعمها المطلق للاعتداءات "الإسرائيلية" التي قد تؤدي إلى الحرب التي لن تكون في مصلحة أحد، خصوصًا أن ما عملت عليه أميركا خلال سنة كاملة لسحب شرعية المقاومة في لبنان، وقد ينهار مع أول صاروخ "إسرائيلي" إيذانا بتجدد هذه الحرب.