اوراق خاصة

لبنان بين وهم الاستقلال وفقدان السّيادة. .!

post-img

حسين كوراني

تأتي الذكرى الـ 82 لعيد الاستقلال على لبنان هذا العام مثقلة بالأزمات السياسية والأمنية المعقّدة التي أصابت السيادة الوطنية في صميمها؛ احتلال "إسرائيلي" جاثم على أرض الجنوب مع اعتداءات يومية، من قتل وتدمير، فضلًا عن تدخلات خارجية سافرة في شؤون البلد الداخلية، تريد فرض أجنداتها على أركان السلطة بالتهديد واستعمال القوّة.

تعلّمنا في الصّغر، في كتب التربية الوطنية، أن الاستقلال والسيادة توأمان لا ينفصلان ولا وجود لإحداهما دون الأخرى، وأن المسؤول عن صون السيادة هي الدولة بأجهزتها كافة، من جيش وقوى أمنية، وأن الوطن يقوم على كاهل ثلاثة: فلاح يُغذيه، جندي يحميه، معلم يربيه. ولمّا أصبحنا شبابًا بِتنا نتساءل كلّ يوم: أينَ هي السيادة وكيف نحميها؟.

أيّ استقلال للبنان وأرضه محتلّة؟

يقف لبنان اليوم عند مفترق طرق وجودي، بين هاجس الحفاظ على السيادة وخطر فقدانها، تحت وقع الاعتداءات "الإسرائيلية" المتصاعدة والتهديد بشن عدوان جديد عليه، والرضوخ للضغوط الأميركية "الإسرائيلية" لإجباره على نزع سلاح المقاومة بالقوّة بتكليف الجيش بهذه المهمّة الصعبة. وهذا ما يضع استقلال البلد برمته على المحك في حال رفض إملاءات الخارج، عبر جرّه إلى مواجهة مدمرة مع "إسرائيل" أو فتنة داخلية تعيده إلى أيام الحرب الأهلية.

هذا الواقع يعكس أزمة لبنان العميقة: استقلال منقوص وتبعيّة تفرض بالقوّة، حيث لم ينجح البلد منذ اجتياح "إسرائيل" للبنان في العام 1982 ووصولها إلى قلب العاصمة بيروت في بناء دولة ذات قرار سيادي حر، نتيجة الصراعات الداخلية بين أطراف ما تزال تراهن على الخارج منذ ذلك الوقت.. فريق يريد تحرير الأرض والمحافظة على الاستقلال، ولو بدعم خارجي لضعف إمكاناته المادية مقارنة بــ"إسرائيل"، وفريق آخر يستنجد بالمُحتل وبالولايات المتحدة لإيصاله إلى الحكم والهيمنة على سياسة البلد.

طبعًا، الفئة الكبرى من اللبنانيين رفضت الاحتلال "الإسرائيلي"  وتحولت إلى مقاومة شعبية، وذلك بعدما رأت عجز الدولة، بجميع أجهزتها في التصدي للعدوان وقيامها بواجب تحرير الأرض، فالجيش لا يمتلك الإمكانات المادية من العتاد والأفراد للوقوف في وجه قوات العدوّ التي هزمت أعتى الجيوش العربية، وهكذا انخرط غالبية اللبنانيين بجميع طوائفهم في صفوف المقاومة. وهم كثيرون، من مناطق عكار وطرابلس والكورة والمتن والبقاع والجبل والشوف وبيروت، وفي مقدمتهم أهل الجنوب وكلّ  الذين استشهدوا على أرض الجنوب، وكان لهم شرف تحريره في العام 2000.

السيادة المفقودة في زمن التبعية والتهديد

إن تحقيق الاستقلال التام والناجز والسيادة الحقيقيّة لدولة ما يتوقف على الإرادة الحرة والفاعلة لأبناء هذا البلد، في تثبيت وجودهم ووحدتهم الوطنية ووحدة قرارهم، والتضحية في الدفاع عن تراب أرضهم بوجه الغزاة، والمحافظة على تنمية مواردهم، وتربية المواطن على مفهوم حبّ الوطن والمواطنة الصحيحة مهما تعددت مكوناتهم الاجتماعية. إذ لا قيمة لبلد لا استقلال ولا سيادة له، ولا معنى لاستقلال لا يبنى على الإرادة الحرة الواحدة والواعية لأبنائه، ولا معنى كذلك لسيادة مرتهنة للخارج ولا تُصان من مواطنيها. 

يومًا بعد يوم تتزايد الضغوط الأميركية والسعودية على لبنان، بجميع مؤسساته، لمصادرة قراره وإلحاقه بركب مشروعها وفرض أجنداتها التي تتماشى ومخطّطات الكيان الصهيوني في نزع سلاح المقاومة وجرّ البلد إلى التطبيع لاحقًا. أما الرهان على قدرة الجيش في حماية لبنان والتصدي للاعتداءات "الإسرائيلية" بدأت تتراجع أكثر من أي وقت مضى، على الرغم من تكليف رئيس الجمهورية العماد جوزف عون قائد الجيش العماد رودلف هيكل في التصدي لقوات الاحتلال ال"إسرائيلي".

إذًا، أيَّ استقلال للبنان سيكون، والولايات المتحدة تريد من الجيش اللبناني أن ينقض على سلاح المقاومة، في شمال نهر الليطاني، في خرق فاضح لاتفاق 26 تشرين الثاني 2024، ولو أدى ذلك إلى فتح معركة مع المقاومة وجمهورها التي تنبّه لها باكرًا العماد هيكل وتجنّبها، ما أدى بالإدارة الأميركية إلى الغاء زيارته الأخير إلى واشنطن امتعاضًا منه لعدم مثوله لمخطّطاتها الخبيثة التي تهدّد السلم الأهلي، وإلى الطلب من "تل أبيب تكثيف" ضرباتها على الجنوب.

أمام هذا الواقع المرير، يرفض فريق المقاومة أي مساس بسلاحه، ويراه ضمانة لحماية استقلال لبنان وصونًا لسيادته، في حين يرى الفريق الآخر أن وجود السلاح يعيق بناء الدولة ويهدّد استقلالها. وفي ظل هذا التناحر؛ الحديث عن الاستقلال التام للبنان بمعنى "غياب التبعية" أصبح شبه متعذر في ظل التدخلات الأميركية واحتلال جزء من أرض الجنوب وتصاعد وتيرة غارات الطائرات "الإسرائيلية" التي تفتك بالمواطنين وأرزاقهم كلّ يوم.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد