غسان ريفي (سفير الشمال)
ليست المرة الأولى التي تعتدي فيها "إسرائيل" على الضاحية الجنوبية في بيروت بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي يدخل بعد غد الأربعاء عامه الأول، بل ثمة مرات عديدة لا سيما في الأعياد والمناسبات، وضمن إطار الاغتيالات.
بات معلومًا أن العدوّ يعتمد على فائض التكنولوجيا التي يمتلكها لملاحقة قيادات المقاومة وتصفيتهم، وقد جاءت عملية اغتيال القائد الجهادي الشهيد هيثم الطبطبائي في الضاحية الجنوبية بعد ظهر أمس الأول الأحد ضمن هذا الإطار بعد محاولتين باءتا بالفشل.
اللافت في اعتداء الأحد، أنه جاء بعد أقل من 48 ساعة على رسالة الاستقلال التي وجهها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون إلى اللبنانيين لمناسبة عيد الاستقلال الـ82، والتي تضمنت مبادرة رئاسية من خمسة بنود تتخلص بـ: “جهوزية الدولة لبسط سيطرتها على جنوب الليطاني، استعداد الجيش لتسلم النقاط الخمس، إشراف لجنة الميكانيزم على الانتشار، التفاوض وإيجاد آلية دولية لدعم المؤسسة العسكرية”، وقد كان القاسم المشترك في البنود الخمسة هو وقف الاعتداءات "الإسرائيلية" والانسحاب الكلي من الأراضي اللبنانية.
الاعتداء على الضاحية بهذا الشكل الوحشي وفي يوم أحد حيث يلتزم أكثرية المواطنين منازلهم للراحة، شكل ردًا صهيونيًا واضحًا وصريحًا على الرئيس جوزاف عون، على قاعدة: “عدم فتح الأبواب "الإسرائيلية" لأي تفاوض أو أي إيجابية قبل نزع سلاح المقاومة”.
ويبدو واضحًا، أن العدوّ "الإسرائيلي" يعتبر أن مجرد وجود حزب الله كمقاومة أو في الحياة السياسية اللبنانية يشكّل تهديدًا له، وهذا يُسجل للمقاومة التي بالرغم من كلّ ما أصابها ومن كلّ الاعتداءات التي تستهدفها ما تزال تُرعب الكيان والمستوطنين لا سيما في شمال فلسطين، لذلك فإن العدوّ مستعد لتجاوز الاتفاقات الأمنية والتطبيع وحتّى السلام لمصلحة الهاجس الأمني الذي يتملكه، حيث يصرّ على أن تكون يده مطلقة في ضرب أي تهديد يواجهه (بحسب المنطق الإسرائيلي) وهذا ما يقوم به اليوم في غزّة، حيث ما يزال بعد الاتفاق الذي رعاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب وشارك فيه رؤساء وزعماء العالم ينفذ اعتداءات ويرتكب المجازر بحق الفلسطينيين تحت هذا الشعار، ما يؤكد أن الأولوية "الإسرائيلية" ما تزال وستبقى للأمن، وهي تكرست بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر.
يؤكد العدوّ "الإسرائيلي" أن اهتماماته لا تصب باتّجاه أي مبادرة، لا الرئاسية اللبنانية ولا الأميركية التي وافق عليها لبنان، ولا الفرنسية ولا الطروحات المصرية، والتي يتجاهلها العدوّ مجتمعة ويرد على كلّ منها بمزيد من الاعتداءات وبرفع سقف الاستهدافات.
كل ذلك، يؤكد أن الأمور وصلت إلى طريق مسدود وأن "إسرائيل" لن تقبل من لبنان بأقل من سحب سلاح حزب الله، وتشريع احتلالها للنقاط الخمس بحجة مراقبة الحدود، وإقامة المنطقة العازلة وربطها بمنطقة الجنوب السوري، وهي سوف تستمر في اعتداءاتها واغتيالاتها وسط عجز الحكومة في إيجاد أي صيغة دبلوماسية لوقف العدوان، ووسط استمرار المقاومة بضبط النفس التزاما باتفاق وقف إطلاق النار، ولعدم تحميلها المسؤولية عن تجدد الحرب التي يدرك الجميع أنها لم تتوقف وهي ما تزال مستمرة.
هذا الواقع، من شأنه أن يُبقي لبنان في حالة مراوحة قاتلة إلى أن يتبلور شيئًا ما في المنطقة، خصوصًا على صعيد المحادثات الأميركية ـ الإيرانية التي إما أن تتعثر وتؤدي إلى تجدد الحرب الأميركية ـ "الإسرائيلية" على طهران وقد يكون لبنان جزءًا منها سواء بالحديد والنار أو بالحصار الاقتصادي، أو أن تصل إلى قواسم مشتركة أو تفاهمات يمكن أن تنعكس إيجابًا على لبنان ضمن تسوية تنهي الاحتلال وتؤسس لمرحلة جديدة.