ينطلق عرض "أبطال الظل" من رؤية مسرحية يقودها المخرج والسينوغراف أسامة حلال، في كتابة مشتركة مع هاشم عدنان، ويؤديه كل من بسام أبو دياب وتمارا حاوي وماري تيريز غصن، في توليفة تجمع بين الجسد والكلمة والصوت لإيقاظ الحواس.
يعتمد العرض، الذي يُختتم اليوم الأحد على خشبة مسرح دوّار الشمس في بيروت، على عملية بحث مستمرة، انطلقت من نصوص وليم شكسبير، مع التركيز على الشخصيات الواقفة عند حافة المأساة مثل القاتلين في "ريتشارد الثالث"، الساحرات والبواب في "مكبث"، وحفّار القبور في "هاملت"، شخصيات تبدو ثانوية، لكنها تغيّر مجرى الحكاية وتؤثر في مصائر الأبطال دون أن يُعترف بها في التاريخ المسرحي.
توسع البحث ليشمل نصوص برتولد بريخت، خصوصًا قصيدته "أسئلة عامل يقرأ"، إلى جانب لقاءات مع فنانين وعاملين في المسرح وأفراد من الدفاع المدني اللبناني، بوصفهم أبطالًا حقيقيين يعملون في الظل بلا ضوء أو مكافآت.
تتسم بعض المشاهد بقوة بصرية كبيرة، مثل مشهد الممثلين الثلاثة واقفين في صف، يرفع كل منهم كتابًا فوق رأسه، وتتعاظم خلفهم الظلال لتصبح أكبر من أجسادهم، كأنها مؤلفو التاريخ غير المرئي، بينما يظهر على الشاشة سطر من قصيدة بريخت عن الوضع الاقتصادي والسياسي والتمرّد، ملخصًا فكرة العرض عن الأجساد الصغيرة التي يضخّمها ظلّها لا صورتها.
مسرحية أشخاص غيّروا أحداثًا كبرى دون أن تُسجّل أسماؤهم
يقدم العمل تفكيكًا لعلاقات السلطة والقمع من منظور الأشخاص الذين غالبًا ما يُعتبرون مهمشين، فيصوَّر القاتلان موظفين يمضيان في الروتين، والبواب مواطنًا يحوّل السخرية إلى وجع، وحفّار القبور عاملًا يوميًا يعرف حقيقة الحياة أكثر من ألف ملك. هؤلاء أبطال لم يُكتب لأفعالهم أي اعتراف، ومع ذلك يحملون تأثيرًا حاسمًا في مصير السلطة والمجتمع، كما يقول المخرج أسامة حلال: "المسرح ليس لنتناسى همومنا، بل لنتذكّر ونفكّر. هو امتداد لخط سياسي".
تعتمد بعض المشاهد على صدمات بصرية قوية، مثل مؤدّيين يرتديان خوذًا وسترات داكنة، فيما يرتمي ثالث على الأرض مغطى بأوراق مبعثرة، مع كتب وملفات على رأسه كسلطة معرفية أو بيروقراطية تُطبق على جسد مجهول، في استعارة عن قمع النظام للأجساد الأكثر هشاشة. في مشهد آخر يحمل المؤدون لافتات صغيرة، بينما تسقط خلفهم ظلال مكبّرة، كنسخ سياسية لا يمكن تمثيلها في الواقع، وترتبط الإضاءة المائلة والسطر المعروض على الشاشة مباشرة برؤية العمل عن الاختناق الاقتصادي والحاجة إلى تمرّد.
في النهاية، تقف ماري تيريز منفردة أمام الجمهور، لتفتح بابًا على قائمة طويلة من الأشخاص الذين غيّروا مسار أحداث كبرى من دون أن تُسجّل أسماؤهم، مذكّرة بأولئك الذين عملوا في الخلفية: من نقل الجثث ليلة اغتيال، من رتّب الأوراق التي بُني عليها قرار مصيري، ومن نفّذ مهمة صغيرة، لكنها حسمت تاريخًا كاملًا. تتحوّل الشعوب في السرد الرسمي إلى أرقام في نشرات الأخبار، في المقابر الجماعية، وفي الإحصاءات، وتختتم الممثلة بتساؤل صامت ونافذ: "ومن يتذكّر غزة؟"، في تذكير بأن حياة مدينة كاملة تختزل أحيانًا إلى مجرد أرقام، كما هو حال الكثير من المهمشين في العالم.