غسان ريفي (سفير االشمال)
مع كلّ خطوة تقوم بها الدولة اللبنانية لإثبات التزامها بالمطالب الدولية، والتأكيد على أن الجيش يقوم بواجباته على صعيد حصر السلاح والانتشار في جنوب الليطاني، توسّع "إسرائيل" من اعتداءاتها واغتيالاتها ضاربة بعرض الحائط كلّ المساعي الدولية معطوفة على التجاوب اللبناني.
هذا الواقع يُظهر، إما أن المجتمع الدولي وعلى رأسه أميركا يُتعبون أنفسهم من دون جدوى، أو أنهم يتواطئون مع "إسرائيل" فيرفعون شعارات الدعم للبنان لذر الرماد في العيون، أم أنهم عاجزون عن الضغط على "إسرائيل" بعد اعتراف الجميع أن لبنان نفذ ما هو مطلوب منه، ويبقى على العدوّ أن ينفذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار، كون احتلاله للنقاط الخمس يعيق الجيش عن استكمال مهمته.
في جنوب الليطاني، بات الواقع أقوى من كلّ السرديات السياسية ومن محاولات التضليل "الإسرائيلية"، حيث لا يستطيع لأي كان أن يحجب الإنجازات أو أن يقوم ببعض المناورات التي لم تعد تجدي نفعا، بعدما بات الجميع على قناعة أن الجيش لم يقصر بل على العكس تحمل فوق طاقته، وأن "إسرائيل" تعطل بالاحتلال والعدوان أي فرصة للاستقرار، وتدفع بالفتنة نحو الداخل اللبناني بهدف خدمة مشروعها التوسعي.
زار السفراء الغربيون والعرب الجنوب، واطلعوا ميدانيًّا على ما يجري فيه، ويُفترض بعد ما شاهدوه بأم العين، أن لا يعودوا أسرى التقارير المفبركة أو الروايات الخبيثة، خصوصًا أن كثيرًا من السفراء عبروا عن إعجابهم بالمؤسسة العسكرية وتعاونها الكامل ضمن الإمكانات المتواضعة، وسعيها لتثبيت الأمن، وتجنب الصدام وحماية ما بقي من هيبة الدولة، في ظل الاحتلال وفي ظروف قاسية جدا.
وفي الوقت نفسه، عاد السفراء من جنوب الليطاني بانطباع تحدث عنه بعضهم، لجهة أن التعطيل "الإسرائيلي" هو حقيقة راسخة، ويهدف إلى تقويض أي مسعى للتهدئة أو تطبيق القرارات الدولية، في حين تشير الوقائع إلى أن العدوّ الصهيوني يريد المنطقة الحدودية العازلة وما تبقى من الجنوب غير آمن وغير مستقر، كما لا يريد دولة لبنانية ذات سيادة أو قادرة على حماية نفسها لاستخدام هذه المنطقة عند الحاجة كورقة ضغط إقليمية.
أما الأخطر من كلّ ذلك، هو الدور الذي تلعبه بعض القوى السياسية اللبنانية، وفي طليعتها القوات اللبنانية، التي ترى الحرب "الإسرائيلية" خلاصا سياسيًّا.
خطاب القوات التحريضي، ومواقفها التي تبرر العدوان تحت عناوين “السيادة” و”نزع السلاح” و”المقاومة هي التي جاءت بالاحتلال”، لا تخدم الحكومة التي تشارك فيها، ولا تحمي اللبنانيين، بل تصبّ مباشرة في مصلحة "إسرائيل".
بات واضحًا أن القوات اللبنانية لا ترى في الجنوب إلا ساحة لتصفية الحسابات الداخلية، ولا تتعاطى مع الواقع بميزان المصلحة الوطنية. بل هي تريد حربًا بالوكالة، تُدار من خلف الحدود، ويدفع ثمنها أبناء الجنوب، والمقاومة والجيش، وكلّ لبنان. وهذا ما بات مكشوفًا أمام المجتمع الدولي، رغم محاولات التجميل الإعلامي وتصدير خطاب “السيادة اللبنانية أولا”.
يمكن القول، إن ما يجري في جنوب الليطاني اليوم يضع الجميع أمام مسؤولياتهم، ويؤكد أن الأزمة ليست في المقاومة، بل في "إسرائيل" التي تشكّل جوهر هذه الأزمة، وبالتالي فإن من يبرر العدوان أو يتبنى السردية "الإسرائيلية"، ويروج يوميًّا للحرب وكأنه يستدعيها، شريك أساسي في تعطيل كلّ الحلول، ولا تشفع له شعاراته الوطنية الفارغة من كلّ مضمون.
حين ينظر السفراء الغربيون والعرب إلى الجنوب بعيدًا عن التضليل "الإسرائيلي" وأدواته في الداخل والخارج، يرون الحقيقة على أرض الواقع، وهي أن لا استقرار من دون انسحاب "إسرائيلي"، ولا سيادة من دون وقف العدوان، ولا دولة تُبنى على رهان الحرب. هذه هي المعادلة التي تفرضها الأرض وشعبها مهما حاول البعض إنكارها.