اوراق خاصة

عام من ولاية ترامب الثانية وكذبة صانع السلام

post-img

معتز منصور/ باحث سياسي

مع اقتراب نهاية العام 2025، يبدو المشهد الدولي واقفًا على تناقض حاد بين وعود سلام معلنة ومواقف دبلوماسية براقة، وبين صراعات حقيقية تشتعل على الأرض بوتيرة أشد من أي وقت مضى. عام كامل من الولاية الثانية للرئيس الاميركي دونالد ترامب انقضى، قدّم خلالها أنموذجًا للسياسة الخارجية يبرهن أن خطاب السلام الذي جرى الترويج له لم يكن، في كثير من الأحيان، سوى غلاف إعلامي هش يغطي صراعات عميقة وحروبا مفتوحة وتوترات استراتيجية متراكمة.

في منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط)، كان يفترض أن يكون العام 2025 عامًا مفصليًا، في تنفيذ ما سمي بخطة ترامب للسلام، لاسيما في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. غير أن الواقع سار في اتجاه معاكس تمامًا.

على الرغم من إعلان اتفاق مبدئي، في تشرين الأول 2025، في شرم الشيخ، بقي قطاع غزة تحت نيران القصف الإسرائيلي، واستمرت الغارات على المناطق الماهولة بالسكان. هذا ما أدى إلى دمار واسع في البنى التحتية واستهداف متكرر للمدارس والمستشفيات، وتفاقم غير مسبوق للإزمة الإنسانية. معاناة المدنيين، ولا سيما الأطفال، كشفت بوضوح الفجوة العميقة بين الخطاب الأميركي عن السلام وبين الوقائع اليومية على الأرض، وحولت الاتفاق المعلن إلى وثيقة شكلية بلا أثر سياسي فعلي.

على الجبهة اللبنانية، تكررت الضربات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية بذريعة استهداف قدرات حزب الله واستعادة الردع. هذا التصعيد اتخذ طابعًا دوريًا ومعلنًا، على الرغم من أن التقارير الدولية لم تسجل أي خرق هجومي من جانب الحزب لقرارات وقف إطلاق النار. الواقع الميداني يظهر أن التوتر لم يكن نتاج مبادرة من المقاومة اللبنانية، بل نتيجة سياسة إسرائيلية تصعيدية مستمرة، جرت تحت مظلة سياسية أميركية وفرت الغطاء والشرعنة، في تناقض صارخ مع الخطاب الأميركي المعلن عن التهدئة والاستقرار.

الذروة الأكثر خطورة، في العام 2025، تمثلت بحرب الاثني عشر يومًا بين إسرائيل وإيران في شهر حزيران الفائت. خلال هذه المواجهة، انتقلت الولايات المتحدة من موقع الداعم غير المباشر إلى طرف عسكري مباشر، عبر قصف ثلاثة مواقع نووية إيرانية، وأعلنت ذلك رسميا. الرد الإيراني كان بقصف قاعدة العديد الأميركية في قطر، ما فتح الباب على احتمال اشتعال منطقة الخليج برمتها، ووضع المصالح الأميركية في دائرة الخطر المباشر.

هذا التطور أجبر ترامب على التدخل شخصيًا لفرض وقف إطلاق النار والضغط على نتنياهو للالتزام به، في مشهد كشف بوضوح أن واشنطن لم تكن صانع سلام، بل طرفًا مشاركًا في إنتاج الأزمة ثم إدارة احتوائها.

في اليمن، نفذت الولايات المتحدة، خلال العام 2025، اعتداءات عسكرية مباشرة ضد أنصار الله، تحت عنوان حماية أمن الملاحة الدولية وخطوط الإمداد. وبهدف تخفيف الضغط عن "إسرائيل" بعد فشلها الكامل في وقف الضربات اليمنية. غير أن هذه العمليات لم تندرج ضمن أي مسار سلام شامل، بل جاءت لتكون جزءًا من تدخلات عسكرية انتقائية تخدم أولويات استراتيجية محددة، من دون أي أفق حقيقي لتحقيق الاستقرار أو إنهاء الحرب.

على مستوى الصراع الدولي الأوسع، استمرت المواجهة الأميركية- الصينية على التجارة والتكنولوجيا والتحالفات الاستراتيجية، مع تصعيد في الرسوم الجمركية وتشدد دبلوماسي متبادل، من دون تسجيل اي اختراق بنيوي نحو تفاهم طويل الأمد. بينما في جنوب آسيا، ظل التوتر بين الهند وباكستان قائمًا، لا سيما في منطقة كشمير، وسط غياب دور أميركي فاعل قادر على فرض تهدئة مستدامة، ما عكس أولوية إدارة المصالح على حساب معالجة جذور النزاعات.

مجمل هذه الوقائع يؤكد أن خطاب ترامب عن السلام لم يكن سوى واجهة سياسية وإعلامية، فيما كانت السياسات الفعلية قائمة على إدارة الصراعات لا حلها. غزة ولبنان، حرب الاثني عشر يوما مع ايران، التدخلات في اليمن، والتوترات المتواصلة مع الصين والهند وباكستان، كلها تجعل من العام 2025 عامًا للصدامات بامتياز، لا عامًا للتسويات.

مع إسدال الستار على هذا العام، يتضح أن ما جرى تسويقه على أنه سياسة سلام لم يكن سوى محاولة لتحسين صورة الإدارة الإميركية، بينما ظل الواقع محكومًا بمنطق القوة والمصالح.

الدرس الأوضح الذي يفرضه العام 2025 أن السلام الحقيقي لم تصنعه الإعلانات ولا الاتفاقيات الهشة، بل فرضه صمود قوى المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن، في معادلات ردع أجبرت الخصوم على التراجع.

في نهاية هذا العام، يبقى العالم شاهدًا على أن كذبة صانع السلام سقطت أمام اختبار الوقائع، فيما ظلت الحرب والتصعيد هما اللغة السائدة في النظام الدولي.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد