خاص موقع أوراق/ القسم الثقافي
يمكن القول إن العام 2025 تتمة حافلة بالتحولات العميقة التي حدثت في العام 2024، على مختلف المستويات العسكرية والسياسية والثقافية والتقنية والاقتصادية. إذ تداخلت الأحداث مع بعضها البعض لتشكّل لوحة سريالية فيها كثير من الفوضى والأحداث المأسوية والحروب الدموية مع ما يرافقها من تحولات في الرؤى الثقافية والفكرية عمومًا. ما يزال قطاع غزة محورًا مأساويًا من الأحداث، فقد غطّت وسائل الإعلام المحلية والدولية آثار إبادة "إسرائيل" المستمرة لأبناء الشعب الفلسطيني، في حين اتجه الإعلام الخليجي نحو التطبيع مع سردية العدو وتحميل المقاومة مسؤولية الصراع، ما كشف تشابكًا بين السياسة بالاقتصاد الإعلامي والثقافة الجماهيرية. في الوقت ذاته، حدثت متغيرات في المشهد الفني في عموم العالم العربي متأثرًا بهذه التطورات السياسية والعسكرية.
أولًا- التحولات الثقافية والفنية
أثبتت الدراما التلفزيونية وأفلام الفن السابع أنهما يمثلان خير تمثيل للمتغيرات التي تحدث في الساحة السياسية والاجتماعية والعسكرية، مع ما تحمله من رؤى ناقدة أو مؤيدة لهذا التحول أو ذلك. إذا شكّلت أفلام 2025 العربية فضاءً جماليًا تتقاطع فيه الذاكرة مع الجرح، والذات المنفية مع التاريخ المثقل بالعنف والاقتلاع، لاسيما في ظل التحولات الكبرى التي شهدتها منطقتنا في العامين الماضيين(2024-2025). لا تُروى الحكايات هنا بوصفها أحداثًا فردية، إنما هي تجارب وجودية مشتركة تعيد طرح سؤال: كيف يعيش الإنسان العربي ذاكرته؟ وكيف يصوغ معنىً للمقاومة في عالم متشظٍّ؟
الفن السابع والبحث عن الهوية في تحول ثقافي دامٍ
في أفلام مثل «اللّي باقي منك» و«صوت هند رجب» تتحوّل الذاكرة من أرشيف للماضي إلى قوة حاضرة تصارع المحو. الذاكرة هنا ليست حنينًا، هي مقاومة ضد الصمت، حيث يصبح الصوت والصورة العائلية والتفاصيل اليومية أدوات دفاع عن الوجود الإنساني في مواجهة العنف الاستعماري والحرب. في «عائشة لا تستطيع الطيران» و«يونان»، يظهر المنفى حالًا داخلية من الاغتراب والتهشيم النفسي. والجسد المرهق والمطارد يتحول إلى نص بصري يكشف هشاشة الحياة تحت شروط الهجرة والقهر الطبقي والعنصري، لكنه يظل يحمل بذور المقاومة عبر الرغبة في النجاة وإعادة امتلاك الذات. في «مملكة القصب»، الطفولة ليست براءة معزولة، هي ساحة يُختبر فيها الخوف والولاء والقوة تحت ظلال السلطة المستبدة. الطفل/الطفلة يصبح مرآةً للمجتمع وكائنًا هشًا يُحمَّل عبء التاريخ، ما يجعل الفيلم قراءةً في تأثير السلطة في الوعي المبكر ومعنى أن تكبر داخل مناخ من القهر الرمزي والمادي.
في فيلم «هجرة»، تتقدّم الذاكرة النسوية بوصفها مشروعًا للشفاء وإعادة سرد الماضي. العلاقة بين الأجيال لا تُقدَّم عاطفيًا وحسب، هي مسار ثقافي يعيد تعريف دور المرأة في المجتمع والذاكرة والمكان. هذه الأفلام تُعالج القضايا من موقع الخطابة جماليات الصورة والاقتصاد في اللغة والتركيز على التجربة الإنسانية الداخلية. بهذا المعنى، تصبح السينما أرشيفًا حيًا للمعاناة وللمعنى في آن.. فنًا يقف على الحدّ الفاصل بين الألم والرغبة في الحياة، بين الفقد والهويّة، بين القهر والكرامة.
كما شهد العام 2025 ساحة فنية عربية صاخبة بالقضايا أكثر من الإبداع، مع تراجع واضح في وهج الإنتاجات الفنية وصعود الجدل العام، باستثناء محاولات محدودة لنجوم جيل Z. تصدّرت الأحداث قضية فضل شاكر الذي سلّم نفسه للسلطات اللبنانية بعد نحو 12 عامًا من التواري عن الأنظار، بدعم تطمينات سعودية وقطرية بحل قضيته. ما تزال قضيته المتعلقة بأحداث عبرا عالقة بانتظار جلسة محاكمة جديدة في شباط/فبراير المقبل، مع ترجيحات بخروجه بريئًا وانتقاله إلى السعودية وإصدار ألبومين جديدين.
شهد العام كذلك عودة الحفلات والمهرجانات بعد توقف الحرب. في المقابل، غابت الدراما اللبنانية بشكل شبه كامل، واقتصر الإنتاج على أعمال سورية–لبنانية مشتركة نتيجة ضعف التسويق وتراجع الصناعة. تأثر المشهد السوري الفني بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد، فسارع أغلب الفنانين إلى سحب تصريحاتهم القديمة وإعلان ولائهم للرئيس أحمد الشرع، بينما أدى الإعلام الخليجي والعربي دورًا في تلميع النظام الجديد. شهدت نقابة الممثلين تغيّرات وتعيين مازن الناطور نقيبًا قبل أن تتفجّر خلافات داخلية. انتهى العام بحدث بارز تمثل في اجتماع الفنانين السوريين تحت عباءة تركي آل الشيخ في الرياض، باستثناء بسام كوسا وسلاف فواخرجي وباسم ياخور، وسط انتقادات واسعة تتهم الخطوة بتسطيح الفن وتوظيفه لخدمة الصورة السعودية. تزامن ذلك مع إعلان موسم الرياض 2025 من دون نجوم مصريين والتركيز على الفن السوري المسرحي. في المقابل واصلت شبكة MBC إنتاج المسلسلات المعرّبة المصوّرة في اسطنبول وتحويل ثقلها إلى منصة «شاهد»، مع عودة برنامج «ذا فويس» من الأردن بمشاركة رحمة رياض وناصيف زيتون وأحمد سعد، لكن من دون صدى يُذكر. كما بدا موسم رمضان 2025 باهتًا متأثرًا بأحداث غزة والحرب على لبنا.
بذلك كان 2025 عامًا اتسم بـتراجع المنجز الفني وصعود القضايا الجدلية والتحولات السياسية في المشهدين السوري والمصري، مع إعادة تشكيل خريطة العلاقات بين الفن والسلطة والإعلام.
رحلوا..بعدما تركوا تراثًا ثقافيًا وفنيًا
رحل الممثل الفلسطيني الكبير محمد بكري (1953–2025)؛ وهو وجه السينما الفلسطينية وصوتها وذاكرتها الإنسانية. حضوره الجمالي والوجداني شكّل عبر نصف قرن أرشيفًا بصريًا للمقاومة والحب والقلق والحكمة، خاصة منذ تجربته المفصلية في فيلمه الوثائقي «جنين جنين» (2002) الذي واجه المجزرة بوضوح اللغة والحقائق، كاشفًا إحباط الفنان أمام عجز العالم عن رؤية قيمة الحياة الفلسطينية. حضوره الاستثنائي جعله نجم السينما الفلسطينية وذاكرتها المُجسَّدة؛ في صورة حرّية لا تتخلى عنها السينما، ووعدٍ روحي يعود مشهدًا بعد آخر، جيلًا بعد جيل.
رحل المبدع الفلسطيني – اللبناني اسكندر حبش، في 30 تشرين الأول 2025، تاركًا أثرًا كبيرًا في بيروت واللد، حيث عاش وعيًا عميقًا بهما، وكانت فلسطين الحاضرة الدائمة في شعره وترجماته. في السنوات الأخيرة، التقى بـ«أكاديمية دار الثقافة» في مخيم مار الياس، وقدمت له الأكاديمية تقديرًا لمساهماته، وأصدرت كتابًا مهمًا عنه بعنوان «إسكندر حبش... ضوء الأمكنة المتناغمة» بحوار مع الشاعرة تغريد عبد العال. حبش كان ملتزمًا بالعلاقة بين الثقافة والسياسة، مؤكدًا في حواره أن الالتزام أساسه النية، وأن الأدب يمكن أن يصوغ أيديولوجية وعقيدة سياسية، ويقدّم قراءة نقدية للحدث مع مهاجمته للغة الإعلام والخطاب السياسي المعادي للمقاومة.
رحل، في هذا العام، المبدع الكبير الموسيقار والملحن والمؤلف المسرحي اللبناني زياد الرحباني(69 عامًا)، وهو نجل الفنانة الكبيرة السيدة فيروز. منذ طفولته أظهر موهبة فذة في الموسيقى، وكان يشارك في العمل الفني ويطور رؤاه منذ سن مبكرة، فكتب أول أعماله في سن 12 تقريبًا. على امتداد عقود طويلة، شكّل زياد حركة فنية ثورية مختلفة في الموسيقى والمسرح، مزج فيها بين الجاز والفانك والروك والموسيقى العربية، وأدخل اللغة العامية الساخرة والحرّية التعبيرية إلى الساحة الفنية، ما جعله صوتًا يعكس هموم الناس اليومية، النقد الاجتماعي والسياسي، والواقع اللبناني بكل تناقضاته.
زياد لم يكن فنانًا تقليديًا؛ كانت أعماله بيانات فنية واجتماعية وسياسية، تُناقش الهوية والفقر والطائفية والفساد. كان زياد معروفًا بدعمه للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ويُعبّر عن هذا الدعم في مواقفٍ علنية وفي سياق فني. بحسب متابعات وجمهور على المنصات، عبّر زياد عن ثقته في المقاومة وقدرتها على ردع العدو، وأشاد بدور المقاومة اللبنانية في الدفاع عن المنطقة. من أشهر أعماله ذات الطابع المقاوم أغنية «On Their Own» (وحْدُن / وحدهم)، التي كتبها ووزّعها موسيقيًا ليصبح صوتًا خالدًا في ذاكرة المقاومة والثورة. تلحينه لهذه الأغنية، والتي غنّاها والدته فيروز وكُتبت كلماتها عن ثلاثة من المقاومين العرب الذين شاركوا في عملية تاريخية ضد الاحتلال في العام 1974، جعلها رمزًا للنضال والتضحية، وكذلك نشيده الشهير الذي قدمه عن الشهيد السيد حسن نصرالله. زياد لم يقتصر على الموسيقى فقط؛ فقد كتب وأسهم في أعمال مسرحية سياسية مشهورة. كما عُرف عنه أسلوبه الفكري والمباشر في تناول القضايا الحياتية والسياسية، فكان صوته يعكس صرخة المجتمع اللبناني والعربي، وتجاوز الأغاني البسيطة إلى موسيقى تحمل نقدًا اجتماعيًا وسياسيًا عميقًا.

حصاد الإعلام .. عام الانتكاسات الأخلاقية والانحياز السياسي
شهد العام 2025 تحوّلًا دراماتيكيًا، في المشهد الإعلامي العربي والخليجي، فقد انخرطت قنوات خليجية في تسويغ إبادة سكان غزة وفتح شاشاتها للمحللين الإسرائيليين والمطبّعين والترويج لسردية العدو وتحميل المقاومة في غزة ولبنان مسؤولية الحرب، مع ممارسة الترهيب النفسي بنقل تهديدات إسرائيل بحرب جديدة على لبنان. كما تحولت هذه القنوات إلى منصّات لتمرير رسائل إسرائيل الإعلامية، وتوقّفت إلى حدٍّ كبير عن تغطية حياة الغزيين ميدانيًا, في المقابل، صعد الملف السوري إلى واجهة التغطية بعد سقوط نظام بشار الأسد وتولّي أحمد الشرع الحكم، فسارعت القنوات الخليجية إلى إعادة فتح مكاتبها في دمشق وتلميع صورة القيادة الجديدة، وربط هذا التحول بعودة سوريا إلى المشهد الإقليمي. العام 2025 كان أيضًا عامًا مفصليًا في مسار قناة الجزيرة التي واصلت دفع ثمن تغطيتها في غزة مع اغتيال المراسل أنس الشريف وعدد من زملائه. على المستوى الإداري، شهدت القناة تغييرات قيادية شملت تعيين عاصف حميدي مديرًا للقناة ورائد فقيه مديرًا للأخبار، وعبد القادر فايز مديرًا للتخطيط وعلاء عواد مديرًا للتحرير.
على الضفة السعودية، اكتمل انتقال قناة العربية نهائيًا إلى الرياض، لتتحول إلى قناة سعودية الهوية والإدارة تركّز على الحدث الداخلي وتلميع صورة القيادة، مع استمرار خطها المؤيد للرواية الإسرائيلية في الملف الفلسطيني ومواكبتها الحرب الإيرانية-الإسرائيلية عبر استضافة معارضين إيرانيين والترويج لاحتمال سقوط النظام. كما بثّت القناة في نهاية العام فيديوهات حصرية لبشار الأسد ولونا الشبل إلى جانب مواد تحاول رفع شعبية الشرع واللعب على البعد الطائفي. في السياق نفسه، أنهت شبكة MBC انتقالها إلى الرياض، لكنها شهدت تراجعًا في أدائها البرامجي وفشل عودة برنامج «ذا فويس».
أما سكاي نيوز عربية؛ فقد كانت من أبرز واجهات الاصطفاف الإعلامي العلني مع إسرائيل، خصوصًا عبر تغطيات تشييع الخوف من حرب على لبنان، وتبنّي الرواية الإسرائيلية في غزة والحرب الإيرانية-الإسرائيلية، على الرغم من الموقف الإماراتي الرسمي المخالف أحيانًا. ومع نهاية العام، برزت استقالة نديم قطيش من إدارة القناة، فاتحةً بابًا على تغيّرات مرتقبة في سياساتها التحريرية في العام 2026. في الاتجاه نفسه، واصلت قناة المشهد نهجها التحريضي ضد المقاومة و«حماس» عبر استضافة شخصيات معارضة لخط المقاومة.
إجمالًا، كرّس العام 2025 اتساع الهوّة الأخلاقية والمهنية في الإعلام الخليجي والعربي بين تغطيات تميل للتطبيع وتسويغ الحروب، وبين مؤسسات محدودة واصلت نقل معاناة غزة وسوريا ولبنان. ومع تسارع التحولات السياسية، يبدو أن هذه المسارات الإعلامية مفتوحة على مزيد من إعادة التموضع في 2026 وما بعدها.
الإعلام المصري وتحوّلات غير مكتملة
عاش الإعلام المصري، في العام 2025 ارتباكًا ملحوظًا منذ التغييرات التي بدأت في كانون الأول/ديسمبر 2024 داخل «الشركة المتحدة» المالكة لغالبية القنوات. انعكست هذه التحولات على الشاشات عبر توقّف معظم برامج التوك شو بانتظار خريطة إعلامية جديدة، لكن الارتباك لم يكن إداريًا فقط، شمل أيضًا غياب وضوح التوجّه التحريري عند العاملين في القنوات. بعد شهر رمضان، لم تستقر الأوضاع، إذ أعلنت «المتحدة» تعيين سمير عمر رئيسًا لقطاع الأخبار بدلًا من المناوي، ليتولى إدارة قنوات «القاهرة الإخبارية» و«إكسترا نيوز» و«إكسترا لايف» و«كيو نيوز»، وبدأت القنوات لاحقًا إعلان خريطة برامجية جديدة بعد نحو ستة أشهر من الاعتماد على التغطيات الإخبارية المتواصلة من دون برامج.
في تموز/يوليو، أوقفوا برنامج لميس الحديدي «كلمة أخيرة» على قناة ON عقب حلقة تناولت حادثًا مروريًا مأساويًا أسفر عن وفاة 18 فتاة. في الشهر نفسه، اختفى برنامج خيري رمضان «مع خيري» على قناة «المحور» بعد فاصل إعلاني، إثر خروج بعض الضيوف عن النص. أما إبراهيم عيسى، فلم يعد بعد إجازته الصيفية إلى برنامج «حديث القاهرة»، وانتقل إلى منصة يوتيوب لمتابعة تعليقاته على الشأن العام. وفي آب/أغسطس، عقد الرئيس عبد الفتاح السيسي اجتماعًا مع رئيس الوزراء ورؤساء الهيئات الإعلامية، مؤكدًا حرية التعبير والتعددية وإتاحة المعلومات، لتبدأ بعدها محاولات تطوير برامجي في الإعلام الخاص و«ماسبيرو». في أيلول/سبتمبر، جاءت فقرة أسبوعية لباسم يوسف في عودة وُصفت لاحقًا بأنها باهتة جماهيريًا. كما تعاقدت «القاهرة والناس» مع هند الضاوي لتقديم «حديث القاهرة» خلفًا لإبراهيم عيسى.
مع نهاية العام، أثير جدل واسع بعد اتجاه الحكومة إلى تشديد عقوبات “جرائم الأخبار الكاذبة”، بناءً على طلب رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بإعداد تعديلات لرفع الغرامات، في مقابل مطالبة الأوساط الصحافية بضمان حق تداول المعلومات أولًا قبل تغليظ العقوبات.
الإعلام اللبناني وعام الإنكار والتطبيع والاصطفاف الخارجي
تميّز العام 2025 بغزارة الأحداث على المستويات السياسية والأمنية والإعلامية، فيما حاول الخطاب الإعلامي المهيمن الإيحاء بأن «لبنان رجع»، متماهيًا مع السردية الأميركية-الصهيونية-السعودية، عبر التطبيع مع الاحتلال وتجاهل معاناة ضحاياه والتحريض على المقاومة، إلى جانب الترويج لوصفات خارجية تجعل المنطقة تابعة أمنيًا واقتصاديًا وسياسيًا وإعلاميًا للعدو الصهيوني. استضافت قنوات ومنصّات لبنانية شخصيات متَّهمة بالتطبيع مثل كيندا الخطيب ومحيي الدين حسنة، وحتى السفير الإسرائيلي في واشنطن، فيما ظهر النائب مروان حمادة على قناة إسرائيلية ثم عاد ونفى معرفته بهويّتها. كما أدت صحف ومنصّات مثل «نداء الوطن» و«النهار» وL’Orient-Le Jour وBeirut Time وThis Is Beirut دورًا ملتبسًا في هذا المسار.
في المقابل، واجه الإعلام الداعم للمقاومة معركة سردية غير مسبوقة، متّجهًا إلى خطاب الوحدة والسيادة، على الرغم من حدّة الاستقطاب. من أبرز محطات العام تشييع السيّدين الشهيدين حسن نصرالله وهاشم صفيّ الدين الذي تحوّل حدثًا إعلاميًا عالميًا لأسابيع، أظهر تعاطفًا واسعًا على الشاشات باستثناء mtv التي اتخذت خطًا استفزازيًا. كما حازت مجازر الساحل السوري والسويداء والاعتداءات على الجنوب السوري تغطية بارزة تفوّقت أحيانًا على أخبار الإبادة في غزة. شهد العام، أيضًا، وفاة البابا فرنسيس وانتخاب خليفته، وتغطية لقضية إطلاق صواريخ فلسطينية من الجنوب، ثم الحرب الإيرانية-الإسرائيلية في تموز التي فتحت البث المتواصل واستُخدمت في التحريض على احتمال الحرب على لبنان.
برز في المشهد الإعلامي الانحناء أمام الموفدين الغربيين والخليجيين وترويج إملاءاتهم بوصفها مطالب اللبنانيين، مع سباق مهني على "السكوبات" من مبعوثين أميركيين مثل هوكشتين، توم برّاك، مورغان أورتاغوس والسفير ميشال عيسى. جرى تقديم ترامب بصورة بطولية وتحويل أورتاغوس إلى «أيقونة إعلامية»، قبل أن ينكشف طرحها لقصف التشييع. كما جرى تلميع صورة برّاك رغم فضائحه، وصولًا إلى توديع أفيخاي أدرعي والترويج لخليفته، واستضافة السفير الإسرائيلي في واشنطن. في المقابل، تعرّض صحافيون ناقدون لمحاولات إسكات، كما حدث مع المصوّرة كورتني بونو في السراي.
على مستوى التغطية الداخلية، بقي الجنوب والبقاع خارج دائرة الاهتمام الحقيقي مقارنة بالتركيز على الضاحية، مع تحميل الإعلام المعادي للمقاومة المسؤولية لها بدل تحميلها للعدو. وتواصل الضغط الإعلامي لنزع سلاح المقاومة عبر كل المناسبات: تشييع السيّدين، قرارات حكومية، حادثة مستودع صور، أزمة إضاءة صخرة الروشة، تهديدات العدو، وقانون الانتخاب وتوسيع تصويت المغتربين. تفاقمت الأزمات المعيشية: لا كهرباء، لا إعمار، لا مياه، لا أموال مودعين، تضخّم ورواتب منهارة؛ فيما كان التغيير شكليًا قبيل زيارة البابا، بينها قرار إعلامي ضد التواصل مع جهات مرتبطة بالعدو بقي حبرًا على ورق. ومع ذلك، شهد العام بعض الفعاليات الثقافية والسياحية الناجحة وتغطية لعودة فنانين، كما شكّلت عودة المناضل جورج عبدالله حدثًا كبيرًا حظي باهتمام إعلام المقاومة وتجاهلًا نسبيًا من سواه.
في أيلول برز الاعتداء الصهيوني على قطر والقمة العربية الطارئة، ثم جاءت زيارة البابا لاون الرابع عشر إلى لبنان أواخر العام، فحازت تغطية مباشرة واسعة، وتميّزت LBCI بمواكبة حصرية، فيما قدّم إعلام المقاومة صورة وحدوية عبر مشاركة «كشافة المهدي». لكن ما لبث المشهد أن عاد بعدها إلى لغته التحريضية المعتادة.