بلا كلل أو تعب، وثق الصحافيون: رشا أبو جلال، ومهند اليعقوبي، وأحمد أبو قمر، سيّر الصحافيين الراحلين، ضمن منهجية مزجت التوثيق بكتابة القصة والسيرة، والتزمت بمعلومات الحالة الاجتماعية، والدراسة، والمستوى التعليمي، والحياة المهنية لكل صحافي شهيد، وتوثيق روابط إلكترونية لصور، أو فيديوهات تضم أعمال الصحافي الشهيد، ورصْد لحظات الاستشهاد، وفحص التهديدات، والاستهدافات، وجمع الشهادات من أقارب، أو زملاء، أو أطباء، أو منظمات حقوقية محلية، أو دولية عن كل حالة.
جاء في مقدمة محرر الكتاب الباحث والصحافي صالح مشارقة «نرجو من كلّ مَن يقرأ، أو يقتني، أو يتّخذ من هذا الكتاب مصدرا، الانتباه أنّه وثّق لـ125 صحافيا، من أصل رقم هو أكبر من ذلك». ويرى مشارقة أن توثيق قصص الصحافيين الشهداء محاولة وسعي نبيل لمنع إفلات مرتكبي الجرائم بحق الصحافيين من العقاب.
يضيف: «وسط كل الفظاعات المتعلّقة بجرائم محددة ضدّ الفلسطينيّين، أظهرت الإبادة الإسرائيليّة في غزة، فصلًا جديدًا لم تنتبه له الأطراف الدّوليّة، يتعلّق بتعمّد قتل الصحافيين، وملاحقتهم بالغارات؛ لإبادتهم مع عائلاتهم، ورصد تحركاتهم، وتدمير وسائل الإعلام التي يعملون فيها، عبر قصف المقرّات، وتدمير المحتويات والتشويش على الموجات، وتهبيط المواقع الإلكترونية، ومنع وصول الإسعاف للصحافيين الجرحى، وتركهم ينزفون حتى الموت، وتشغيل الذكاء الاصطناعي في رصدهم إلكترونيا، وقتلهم بتقنياته، وبكل الوسائل الحربية الأخرى».
يشدد على أن هناك «ثمة فرصة للمنظّمات المحليّة والدّوليّة؛ لتثبيت جريمة إضافيّة، أو لتوصيف جريمة إضافيّة، سمّوها فرعيّة، أو مستقلّة، أيّا كانت، فهي متعلّقة بتعمّد ممنهج لإبادة الصحافيين، فرادى ومع عائلاتهم، أو بين زملائهم، وتدمير مقراتهم، وإلغاء وسائطهم، وتخويف من بقي منهم حيًا؛ للصمت الكامل؛ كي تمرّ جريمة الإبادة، بدون تغطية صحافية».
يقدم الكتاب الجديد الكثير من فرضيات القتل، والاستهداف المتعمد الذي استهدف الصحافيين في غزة، مثل: قتلٌ ومنعٌ مِن الإسعاف وقتلُ مَن يحاول المساعدة، واستهداف الصحافيين المنتمين سياسيًّا، وقتل صحافيين بمزاعم تحريك طائرة تصوير، وقتل الصحافيين بأنظمة الذّكاء الاصطناعيّ، وقتل الصحافيين برصاص القنّاصة وتحديدا من يرتدون ملابس المهنة، وهو ما يجعله وثيقة مهمة واجتهاد مهني من أصحاب الحقيقة عن أهلها الشهداء. والتالي مجموعة من القصص انتقتها «القدس العربي» بالتعاون مع المحرر مشارقة، كي تعلي الصوت، وتقاوم بعناد ما يريده القاتل بجعل الصحافيين أرقاما مجردة.
آمنة حميد.. صاروخ إسرائيلي أخذ حياتها مع ابنها البكر وأصغر طفلاتها
على مدار 201 من العدوان الإسرائيلي على غزة، لم يغب قلم الصحافية آمنة حميد عن منصات الإعلام والتواصل الاجتماعي، واصفة مشاهد الدمار والنزوح المتكرر داخل مدينتها الصغيرة، لكن جيش الاحتلال الإسرائيلي قرر وضع نهاية لهذا القلم الذي لطالما كشف جرائمه بحق الفلسطينيين. واستشهدت حميد في 24 نيسان/أبريل 2024 إثر قصف طائرات الاحتلال منزلا مكونا من أربعة طوابق يعود لجدها بمخيم الشاطئ غرب مدينة غزة. واستشهد مع حميد إثنان من أطفالها، هما نجلها الأكبر مهدي، وطفلتها الرضيعة التي أنجبتها في 5 أكتوبر 2023 أي بعد يومين فقط من الحرب. وكانت القناة 14 العبرية قد نشرت صورة الصحافية حميد ضمن مقطع بثته للتحريض ضدها وضد مجموعة من الفلسطينيين من غزة ممن كانوا بداخل مجمع الشفاء الطبي قبيل العملية الإسرائيلية بداخله التي تسببت بتدميره.
ولدت آمنة محمود حسن حميد في مدينة غزة في الثامن والعشرين من كانون الثاني/يناير في العام 1990 لأسرة فلسطينية لاجئة تعود أصولها إلى مدينة أسدود المحتلة. وحميد متزوجة وأنجبت أربعة أولاد وبنتا. درست المرحلة الأساسية في مدرستي أسماء المشتركة والشاطئ (أ) والمرحلة الثانوية في مدرسة كفر قاسم، ونالت درجة البكالوريوس في اللغة العربية والإعلام من جامعة الأقصى في غزة في العام 2016 والتحقت ببرامج الماجستير في جامعة الأقصى.
عملت حميد في صحيفة الاستقلال، وفي إذاعة القدس، ثم عُيِّنت مسؤولة اللجنة الإعلامية والثقافية في مركز خنساء فلسطين للإبداع والدراسات. كما تعتبر حميد ناشطة سياسية ومجتمعية، بالإضافة إلى كونها شاعرة ولديها مجموعة شعرية تحمل اسم «شغب طفولة». وعُيِّنت حميد نائبا لعضو قطاع المرأة في لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية لمسيرات العودة، وكانت تهتم بقضايا المرأة، والشهداء والأسرى والجرحى. عانت من الاحتلال؛ الذي منعها من السفر منذ عدة سنوات، وهي ابنة لأسير محرر، وحفيدة لمبعد من قبل الاحتلال لمدة واحد وعشرين عاما.
كانت حميد قبل ساعات قليلة من استشهادها قد نشرت عبر صفحتها في فيسبوك، منشورا تصف فيه الحرب على غزة تضمن صورا تظهر حجم الدمار الذي لحق بمدينة غزة. وكتبت في منشورها: «اللهم لكَ الحمدُ والمنة، اللهم أنت الأمل وفيك الرجاء وحدك لا شريك لك.. أكرمنا الله بعزته أن نظل في مدينة غزة، وشرّفنا الله بأن يكون لنا عشرات الأسهم لأجل الله وفي سبيل الله منه القوة والصبر ولأجل الله يهون كل صعب.. 200 يوم على الحرب».
الصحافي الشّهيد محمّد أبو حطب.. الإطلالة التّلفزيونيّة الأخيرة
انتهى المراسل الصحافي محمد أبو حطب، مساء الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر 2023 من تغطيته الصحافية أمام عدسة كاميرا تلفزيون فلسطين خارج مستشفى ناصر في مدينة خان يونس، حول أحداث الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة، وودع زملاءه للذهاب إلى منزل عائلته لاشتياقه لأبنائه، من دون أن يدرك أن هذه ستكون آخر إطلالة تلفزيونية له. ما إن دخل أبو حطب باب المنزل حتى انهالت عليه صواريخ أطلقتها طائرات إسرائيلية أدت لمقتله و11 آخرين من أفراد عائلته، من بينهم زوجته، ونجله الأكبر عاصم، وشقيقه إسلام.
جاء في الرسالة الأخيرة للشهيد أبو حطب خلال تقريره التلفزيوني الأخير: «نحن نرى كل هذه المشاهد المؤلمة التي تدمي قلوب أبناء شعبنا وما زال هذا الجرح ينزف». وكشف إبراهيم قنن، مراسل فضائية الغد في خان يونس، تفاصيل اللحظات الأخيرة من حياة أبو حطب، قائلًا: «كان بيننا في مجمع ناصر الطبي قبل استشهاده بنصف ساعة، ذهب ليرى أولاده بعد أن غاب عنهم لعدة أيام».
قدم الصحافي في تلفزيون فلسطين، سلمان البشير، تقريرا مؤثرا على الهواء، في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر، بعد وفاة زميله أبو حطب. وخلع البشير سترته وخوذته، وقال: «لا حماية، لا حماية دولية إطلاقًا، لا حصانة من أي شيء، هذه الدروع لا تحمينا ولا تلك القبعات. هذه مجرد شعارات نرتديها، ولا تحمي أي صحافي على الإطلاق. معدات الحماية هذه لا تحمينا». وأضاف: «نحن نموت واحدا تلو الآخر ولا أحد يهتم بنا أو بالكارثة واسعة النطاق والجريمة في غزة».
الصحافي الشّهيد سعيد طويل.. ذهب لنقل الحدث فأصبح الخبر العاجل
في كل صباح كان الصحافي سعيد الطويل يطل على الجمهور الغزي بنشرة صحافية خاصة يكتبها بلهجة عامية بعنوان «أخبار على الريق» يجمع فيها أبرز العناوين، لاقت قبولا لدى الناس، وخلال الحرب على غزة أصبح مقدمها أصبح الخبر العاجل. مع ساعات مساء الإثنين الموافق 9 تشرين الأول/أكتوبر2023 جاءت إشارة للطويل الذي يعمل رئيس تحرير موقع «الخامسة» وزملائه الصحافيين الذين يتجمعون في مكتب واحد في أحد الأبراج غرب مدينة غزة بسبب قصف الاحتلال لعدة أبراج تضم مؤسسات إعلامية.
تضمنت الإشارة نية الاحتلال قصف برج «حجي» غرب مدينة غزة، وعندما وصل وقف بعيدا عن البرج لمسافة 500 متر. انتظر الصحافيون لحظة سقوط البرج وجهزوا عدسات كاميراتهم وهواتفهم لبث الجريمة الإسرائيلية الجديدة، لكن الصاروخ سقط على المنزل الذين كانوا يتواجدون أسفله حسب رواية شهود عيان بقصد قتلهم، وليس على البرج. في لحظة كان الصحافيون ينتظرون بث الرسالة أصبحوا هم الخبر العاجل، تناقل الصحافيون أسماءهم بنوع من الصدمة فقبل لحظات كان الزملاء يخرجون في رسائل وصور مختلفة ينقلون فيها الأحداث وقصف الاحتلال للبيوت السكنية.
مطلع شهر أكتوبر ذاته، كتب الطويل مطلع افتتاحية أخباره (على الريق): «بدينا بشهر جديد. إن شاء الله يكون أحسن من الأشهر اللي راحوا بخيره ورزقه وستره واللي من الله يا محلاه» لم يكن يدرك أن أسبوعا واحدا يفصله عن استشهاده بصواريخ الطائرات الإسرائيلية. وعُرف الطويل بين عائلته وأوساط الصحافيين بـ«رجل المواقف والمناسبات» فكان حضوره دائما ليس في التغطية الإعلامية فقط بل في المشاركة الاجتماعية، يحب المفاجآت الجميلة لأهله. يتصفح حسابه الشخصي على فيسبوك ويتابعه 145 ألف شخص، عبّر الكثير منهم عن حزنهم الشديد لنبأ استشهاده، وأنهم فقدوا «أسلوبه المرح» في نقل الأخبار ومواكبته الأحداث أولا بأول، وحبه للتفاؤل.
الصحافي الشّهيد رشدي السّرّاج.. سنخرج من غزّة إلى السّماء فقط
«لن نرحل.. وسنخرج من غزة.. إلى السماء.. وإلى السماء فقط». كانت هذه الكلمات آخر ما كتبه الشهيد رشدي السراج (31 عاما) في منشور له عبر فيسبوك في 13 تشرين الأول/أكتوبر 2023. كان السراج في منزل عائلته في حي تل الهوى جنوب مدينة غزة، برفقة زوجته شروق العيلة وابنته الرضيعة دانية، حتى باغتتهم غارة إسرائيلية استهدفت المنزل في 22 أكتوبر 2023 أدت لمقتله على الفور وإصابة زوجته وطفلته.
رشدي السراج ولد في العام 1992 وهو نجل رئيس بلدية غزة يحيى السراج، كان منسقًا ومترجمًا للصحافيين الأجانب في الإذاعة الوطنية العامة الفرنسية، راديو فرنسا، وعمل مع مراسليها منذ مايو/أيار من العام 2021 وفقًا للإذاعة الفرنسية. ويعد السراج أحد مؤسسي وكالة عين ميديا المتخصصة في التصوير الصحافي، وإنتاج الأفلام عن حياة الفلسطينيين في قطاع غزة، في العام 2013.
أنتج السراج وفريق عمله في عين ميديا العديد من الأفلام الفلسطينية التي تتحدث عن الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ العام 2007 وصور الوجه المشرق لهذا القطاع رغم ما يعانيه من حصار. كما ظهر إبداع السراج في استخدام التصوير الجوي لتصوير آثار القصف الإسرائيلي على المباني السكنية في قطاع غزة. وعمل سابقا، مصورًا لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».
تقول زوجته شروق العيلة التي كانت بجواره لحظة استشهاده: إنها كانت تتحدث مع شقيقتها، خلال خروجها مع زوجها من المنزل، وفجأة انهالت عليهما القنابل والمتفجرات ما أدى لتهدم المنزل وسقوط الباب على رأس زوجها. وأضافت: «قلت لأختي اطلبي الإسعاف الباب كله وقع على رأسه وشايفة مخه قدامي». وقالت عين ميديا في رثاء مؤسسها السراج في منشور لها عبر فيسبوك في 22 أكتوبر 2023: «بكت القلوب قبل العيون بعد أن استهدفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي زميلنا مؤسس شركة عين ميديا، المخرج رشدي يحيى السراج».
الصحافية الشهيدة آلاء الهمص.. لا قلق ولا وجع فقد ولا ألم جسد بعد اليوم
رحلت آلاء الهمص، الصحافية الحرة صاحبة القلم المبدع، وباتت روحها حرة طليقة، فلا قلق بعد اليوم، ولا وجع فقد ولا آلام جسد، ولا مزيد من الغارات الإسرائيلية. استشهدت آلاء الهمص 35 عاما، في 12 شباط/ فبراير 2024 متأثرة بجروحها التي أصيبت بها في غارة إسرائيلية استهدفت منزل عائلتها في حي الجنينة شرقي مدينة رفح في قطاع غزة، بتاريخ 10 شباط/فبراير 2024. ولدى الهمص طفل وحيد يدعى عبد الله يبلغ من العمر 15 عاما وقد أصيب بجروح خطيرة في هذه الغارة، فيما قتلت وهي حامل بطفلها الثاني، في شهرها السادس. ولدت الهمص عام 1989 في مخيم يبنا في مدينة رفح، ويعود أصل عائلتها إلى قرية يبنا المهجرة.
نالت شهادة البكالوريوس في الصحافة والإعلام من جامعة الأزهر بغزة. عملت الهمص في عدد من وسائل الإعلام، من بينها قناة «المسيرة» الفلسطينية، وكانت رمزًا للشجاعة والمهنية في تغطية الحروب الإسرائيلية المتكررة على غزة. كما عملت كعضو هيئة تحرير في موقع «بنفسج» النسوي، وكتبت في قضايا المرأة وأبرزت قصص نجاحات نسوية في المجتمع الفلسطيني. ولديها إسهامات في الكتابة الصحافية في موقع نوى النسوي، وكتبت في العديد من القضايا النسوية والعمالية وأثر الحروب الإسرائيلية على سكان قطاع غزة.
لم تكن هذه الغارة الإسرائيلية الوحيدة التي استهدفت الهمص، إذ كانت قد أصيبت أيضا في غارة إسرائيلية سابقة استهدفت منزل عائلتها في 3 كانون الأول/ديسمبر 2023. قتل فيها عشرة من أفراد عائلتها. في ذات الغارة، أصيبت الهمص بكسور في فقرات العمود الفقري. وفي 29 كانون الثاني/يناير 2024 كتبت منشورا آخر عبر فيسبوك تستذكر فيه أفراد عائلتها الذين قتلوا في الغارة الإسرائيلية الأولى، وقالت: «يا طائرين إلى جنان الخلد أجمل موضعِ.. أتراكم أسرعتم !؟ أم أنني لم أسرعِ؟! ما ضركم لو ضمني معكم لقاء مودعي؟».
في صباح يوم السبت 10 شباط/فبراير 2024 كانت الهمص على موعد جديد مع غارة جوية ثانية على منزلها، أصيبت خلالها بجروح خطيرة فيما قُتل جنينها الذي كانت تريد أن تسميه إبراهيم، إذ لم يستطع الأطباء إخراجه بداية خوفًا من أن تتأذى أمه بسبب إصابتها الأولى، وبقي أيامًا ميتًا في بطن امه، وهي في العناية المكثفة، حتى استطاعوا إخراجه، لتلحقه أمه آلاء بعد يومين، فيما ما زال ابنها البكر عبد الله في العناية المكثفة، يعاني من إصابات خطيرة، يُصارع الموت من أجل حياة لم يبق له فيها إلا خاله أسامة الجريح أيضًا.
الصحافي الشّهيد عبد الهادي حبيب.. غارة قتلته مع زوجته ووالدها وبناته الخمس
امتاز الشهيد الصحافي عبد الهادي سعد الله حبيب 38 عاما، في صناعة الوثائقيات والأفلام القصيرة، فكان من أكثر الصحافيين الفلسطينيين تميزا في هذا المجال، امتلك عملًا شموليًا في صناعة الأفلام القصيرة، من الفكرة إلى كتابة السيناريو مرورا بالتصوير والمونتاج، وحتى الإخراج. لكن في السادس عشر من تشرين الأول/أكتوبر للعام 2023 أسدل الستار على قصة الصحافي حبيب وعائلته، بعدما قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلية شقته السكنية في حي الزيتون جنوب مدينة غزة؛ ليرتقي وزوجته وبناته الخمس ووالدة زوجته.
أنهى الشهيد دراسة بكالوريوس الإعلام وتكنولوجيا المعلومات من الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية، وعمل مصورا صحافيا ومونتيرا في عدة أماكن على مدار خمسة عشر عاما، كصحيفة الرسالة ووكالة المنار للإعلام، إلى أن استقر به العمل قبل استشهاده، مونتيرًا في فضائية الأونروا التعليمية ومصورا في المكتب الإعلامي لها.
في تفاصيل استشهاده، قالت زميلته السابقة في قناة الأونروا الصحافية إسراء المدلل على حسابها على «فيسبوك»: «استُشهد عبدالهادي حبيب الذي يعمل في وكالة الأونروا التابعة للأمم المتحدة في غزة، إثر قصف إسرائيلي على منزله في حي الزيتون، وكان قد رُزق بطفلة في أول يوم لعملية طوفان الأقصى» ونعته، مؤكدةً أنه كان من أمهر الصحافيين في مجاله، نشيطًا ومخلصًا لعمله. المصور الصحافي خالد طعيمة، نعى زميله عبد الهادي، الذي عمل معه لسنوات طويلة، مؤكدًا أنه فَقَد زميلًا وأخًا عزيزًا، كان مثالًا للصحافي المهني. وقال: «عبد الهادي هو مثال للصحافي الشامل في صناعة الوثائقيات والأفلام القصيرة، كان مميزًا جدًا في هذا المجال».
الصحافي الشهيد نافذ حمدان.. ترك خلفه إرثا ستتناقله الأجيال
يعتبر الصحافي والمخرج نافذ حمدان واحدا من أقوى المعدين في البرامج السياسية والثقافية في تلفزيون فلسطين. واستشهد حمدان، برفقه ابنه الوحيد محمد 18 عاما، بتاريخ 7 شباط/ فبراير 2024 فيما أصيبت زوجته رولا الدرة بحروق وجروح بالغة في غارة جوية إسرائيلية استهدفت منزل شقيق زوجته عوني الدرة في شارع السلام في دير البلح الذي نزحت إليه عائلة حمدان. وولد نافذ محارب حمدان (عبد الجواد) في 22 آذار/مارس 1965 في مخيم دير البلح وسط قطاع غزة.
تعود جذور عائلته إلى قرية السوافير الشمالي المحتلة في العام 1948 والتي هاجرت منها إثر النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني واستقرت في مخيمات اللجوء والشتات. أنهى حمدان دراسته الأساسية والإعدادية في مدارس وكالة الغوث للاجئين «الأونروا» وحصل منها على الثانوية العامة والتحق بمعهد دار المعلمين بغزة العام 1986. وعمل بعد تخرجه على بند المياومة في مدارس قطاع غزة، وسافر إلى اليمن وعمل مدرسًا للغة العربية العام 1995.
عاد إلى أرض الوطن والتحق بتلفزيون فلسطين قسم الإعداد في العام 1998 والتحق بكلية الصحافة والإعلام جامعة الأقصى العام 2000. وكان آخر ما كتبه الصحافي حمدان في منشور له عبر فيسبوك في 13 تشرين الأول/أكتوبر 2023 ينتقد فيه الصمت العالمي تجاه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث تساءل: «هل آمنت شعوب العالم اليوم بالرواية الفلسطينية… نشكر الشعوب المتفرجة ونتمنى لكم مشاهدة ممتعة».
الصحافي الشهيد يزن الزويدي.. «الصحافي النشيط» رفيق الصورة
عُرف الشهيد الصحافي يزن عماد أمين الزويدي 27 عاما بحبه لكاميرته التي تلازمه أينما حلّ وارتحل. هو ابن مدينة بيت حانون شمال قطاع غزة، والتي عادة ما تشهد عدوانا من الاحتلال الإسرائيلي، ليجد يزن كاميرته خير ناقل لمعاناة أهل مدينته.
في الرابع عشر من كانون الثاني/يناير لعام 2024 توجه الصحافي الزويدي والذي يعمل مصورّا في قناة الغد الفضائية، إلى عمله لتغطية الأحداث الجارية في مسقط رأسه مدينة بيت حانون. الزويدي الذي فقد والده منذ كان طفلا صغيرا، نزح مع أسرته منذ الساعات الأولى للحرب على غزة إلى أحد مراكز الإيواء التابعة للأونروا في مخيم جباليا شمال غزة. فمنزله يقع في منطقة بورة أبو غزالة «العديسي» القريبة على الحدود الشمالية لقطاع غزة. كان يلقّب بين زملائه بـ «الصحافي النشيط» وفق حديث صديقه الصحافي سامر الزعانين، والذي نعاه أثناء استشهاده، معبرًا عن حزنه لفقدان رفيق مهنته.
الزعانين يؤكد أن يزن كان من أوائل الصحافيين الذين بدأوا بتغطية الحرب على غزة، وكانت كاميراته بمثابة سلاحه الذي ينقله معه حتى مع نزوحهم من بيتهم. ويشير إلى أن ارتداء يزن لدرع الصحافة لم يشفع له، ليتعرض لقصف من طائرة مسيّرة أدت لاستشهاده على الفور، لتفقد العائلة المعيل الوحيد لها بعد أن فقَدَ يزن والده منذ كان طفلا صغيرا. الدكتور الصحافي يوسف الأستاذ، نائب مدير عام قناة الغد، نعاه قائلا: «ما كان ليزن الزويدي أن يفوز بأقل مما يستحق: شهيدًا بين كوكبة من شهداء الصحافة، في ساحة للتضحية المجيدة».
الصحافي الشّهيد محّمد لبّد -العريس الّذي لم يصل موعد الزّفاف- استشهد مع جدّه على باب المنزل
يلقى كل من يُقابله بضحكة وكلام جميل، يُعرف بين زملائه في الصحيفة بصاحب الوجه البشوش، الصحافي الشهيد محمد عماد سعيد لبد 27 عاما، من صحيفة الرسالة للإعلام. استشهد بتاريخ 23 تشرين الأول/أكتوبر 2023 بينما كان يجلس أمام منزله الواقع بحي الشيخ رضوان بمدينة غزة برفقة جدّه، ليرتقيا سويًا. رحيل محمد ترك صدمة على كل من عرفه، كيف لا وهو الصحافي العريس الذي كان من المفترض أن يزفّ إلى عروسه بعد أربعة أيام فقط، بتاريخ 27 من نفس الشهر.
الصحافية في صحيفة الرسالة رولا أبو هاشم، التي تعمل مع محمد في قسم الإعلام الجديد، نعته بتاريخ 24 تشرين الأول/ أكتوبر، قائلةً: «غادرنا الزميل الصحافي محمد عماد لبد (27 عامًا) زميلنا في قسم الإعلام الجديد في مؤسسة الرسالة للإعلام، عرفناه شابًا مهذبًا مجتهدًا خدومًا، كان ينتظر أن يبدأ مرحلة جديدة في حياته المهنية، وأن يحقق أحلامه برفقة خطيبته التي ارتبط بها مؤخرًا».
مديرة شعبة التحرير بصحيفة الرسالة، الصحافية لميس الهمص، نعته قائلة: «كنا نتحدث مع محمد قبل أيام قليلة من بدء الحرب على غزة، عن استعداداته لحفل زواجه، وقد كان دائما يشاركنا الكثير عن حياته التي كان يخطط لها». وأضافت: «صدمتنا برحيل محمد كبيرة، فهو صاحب الكلام الجميل والوجه البشوش، كان متعاونا جدا خلال العمل وخارجه، دائما ما يسأل زملاءه إن كانوا بحاجة لأي مساعدة».والد الشهيد محمد، الأكاديمي والمحاضر بقسم الاقتصاد بجامعة الأقصى الدكتور عماد لبد، رثى ابنه البكر بكلمات مؤثرة، قائلا: «رحل فلذة كبدي قبل أن يُزفّ عريسًا، عيدك في الجنة أجمل يا بابا».