على امتداد قرابة نصف قرن بدءًا من 1943 إلى 1988، أصابت بيروت تحوّلات كثيرة وعميقة، أثّرت على المفاهيم الاجتماعية التي يحملها سكّانها، وهذا ما يستقرئُه الباحث اللبناني علي عجمي في كتابه "بيروت الوجه الاجتماعي في القصّة القصيرة (1943- 1988) الرجل والمرأة"، الصادر حديثًا عن "دار الولاء لصناعة النشر"، متناولًا تطرُّق الأدباء، في رواياتهم وقصصهم، إلى هذه المفاهيم، وكيفية معالجتها، كلٌّ من موقعه وانتمائه، حيث يمكن لنا أن نلمس من خلال متابعتنا تلكَ الأعمال الأدبية حجم التبدّلات التي نتأت فوق جسد المدينة.
يوثّق الكتاب لأربع مراحل؛ الأُولى (1943 - 1957)، وتُمثّل نشوء الدولة اللبنانية المستقلّة والتي تمّت توافقيًا، كما ينبّه الباحث، بين تيار مسيحي وآخر مُسلم. وفيها يفحص عجمي أربع مجموعات قصصية وروايات؛ هي: "أشواق" و"الحي اللاتيني" و"كلّهنّ نساء" لسهيل إدريس، و"بعد العاصفة" لجميل جبر.
أمّا المرحلة الثانية (1958 - 1966)، فتُمثّل عمليًا مرحلة بناء الدولة الشهابية (نسبة إلى فؤاد شهاب)، وهنا تطالعنا سبعة عناوين: "الخندق الغميق" لسهيل إدريس، و"أربع أفراس حُمر" ليوسف حبشي الأشقر، و"أنا أحيا" لليلى بعلبكي، و"قلق" لجميل جبر، و"جدار الصمت" لإلياس الجيري، و"قمم وأوكار" لجان غازي عزيز، و"هؤلاء خرجوا من القطيع" لخضر نبُّوه.
يقرأ الباحث في المرحلة الثالثة (1967 - 1974) النهوض المتسارع للمدّ الوطني والقومي العربي، من خلال عشرة عناوين: "لا تنبت جذور في السماء" ليوسف حبشي الأشقر، و"المهرّب الكبير" لحاتم خوري، و"الخطأ" لإلياس الديري، و"سقوط الترجمان في حضن الزمان" لسمير سعد، و"كاديلاك" لوفيق العلايلي، و"طواحين بيروت" لتوفيق يوسف عواد، و"أشياء لا تموت" و"متراس أبو فياض" لمحمد عيتاني، و"أوّلًا وآخرًا وبين بين" لفؤاد كنعان، و"التنّين" لخضر نبُّوه.
في حين يُخصّص عجمي المرحلة الرابعة (1975 - 1988) لمرحلة الحرب الأهلية، وفيها يقرأ ثمانية عناوين: "المظلّة والملك وهاجس الموت" ليوسف حبشي الأشقر، و"عنكبوت الذاكرة والزمن" لإيلي مارون خليل، و"الوجوه البيضاء" لـ إلياس خوري، و"زنبقة في الوحول" لبيار روفائيل، و"وردة الصحراء" لحنان الشيخ، و"مواطنون من جنسية قيد الدرس" لمحمد عيتاني، و"تلك الذكريات" لإملي نصر الله، و"نقطة الدائرة" لنازك يارد. وبهذا، تكون الدراسة محاولة لجمع شتات صورة المدينة الاجتماعية المتناثر بين متون القصص القصيرة.
الجدير بالذكر أنّ الكتاب في أساسه جزءٌ من أطروحة جامعية سبقَ أن تقدّم بها الباحث إلى "الجامعة اللبنانية" في العام 1988، وتتكوّن من خمسة أجزاء أُخرى تحت عنوان واحد وتتناول المدّة الزمنية نفسها، لكن تعدّدت عناوينها الفرعية كالتالي: "الحبّ"، و"الزواج والطلاق"، و"الغِنى والفقر"، و"الزمن، الحياة والموت".