بدعوة من مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي في بيروت؛ أقيمت ندوة حوارية عن معركة "طوفان الأقصى والتطورات في لبنان وفلسطين والمنطقة وأفق الأوضاع في المرحلة المقبلة"؛ وشارك فيها رئيس مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات الدكتور محسن صالح وأستاذ علم الاجتماع والمستشار الأكاديمي في جامعة المعارف الدكتور طلال عتريسي، وحضرها حشد كبير من الشخصيات الفكرية والسياسية والاجتماعية والدينية والدبلوماسية والإعلامية والأكاديمية.
قدم للندوة الإعلامي والصحفي الدكتور قاسم قصير؛ والذي عرض التطورات التي حصلت منذ معركة طوفان الأقصى إلى اليوم، وطرح عددا من الأسئلة عن أفق المرحلة المقبلة وكيفية تعامل قوى المقاومة معها.
في البداية؛ تحدث الدكتور صالح قائلا: "سأدخل مباشرة في موضوع أبرز نتائج معركة "طوفان الأقصى" والاستحقاقات التالية وسوف أكون مختصرا قدر الامكان. أولا، إن أولى النتائج وأبرزها كانت إسقاط النظرية الأمنية الإسرائيلية، إسقاط نظرية الردع الإسرائيلية وإسقاط أن المعركة تخاض خارج الكيان الإسرائيلي، وإسقاط فكرة القدرة على الحسم لدى الإسرائيلي وإسقاط فكرة انهاء المعركة في أيام معدودة. هذا كله يتعلق بالنظرية الأمنية الإسرائيلية التي قام عليها الكيان، فهي سقطت في هذه المعركة. وثانيا، إسقاط فكرة الملاذ الآمن للكيان الصهوني في قلب أمتنا العربية والإسلامية وفي قلب فلسطين، فكرة الملاذ الآمن لليهود، أثبتت هذه المعركة أنه لا يوجد ملاذ آمن لمشروع استيطاني صهيوني في قلب بلادنا العربية والمسلمة في فلسطين. لقد المشروع الصهيوني بهذا الاجتياح الذي حدث بشكل مفاجئ في 7 اكتوبر الشعور بالأمن.
ثالثا، إسقاط فكرة القلعة المتقدمة للعالم الإمبريالي الغربي في قلب منطقتنا العربية والإسلامية وإسقاط فكرة شرطي المنطقة وأنهم قادرون على أن يمثلوا كافة المصالح الغريبة الأميركية في المنطقة وأن يؤدوا دور الشرطي الذي يؤدب الآخرين. فإذا كانت ثلّة مجاهدة من 1400 مجاهد تمكنت في 4 أو 5 ساعات من سحق فرقة غزة ومن السيطرة على 11 موقعا عسكريا بما فيها القيادة، فمن باب أولى ألا يتمكن الكيان الصهيوني من لعب دور الشرطي على دول إقليمية كبيرة.
رابعا، في موضوع حال الإلهام التي مثلتها تجربة ومعركة "طوفان الأقصى"، لأمتنا العربية والإسلامية وهذا الإلهام الذي أعطى الشعوب العزّة والكرامة وإمكان هزيمة المشروع الصهيوني، هذا الشعور هو في غاية الأهمية لأنه أعاد لأمتنا وشعوبنا الثقة بالنفس. وخامسا، النقطة الخامسة مرتبطة بضرب جوهر فكرة التطبيع، الآن تصاعدت جدران الدم بين شعوبنا وبين العدو الصهيوني، وفكرة التطبيع بحد ذاتها ضربت في أساسها بفعل أنها قائمة على العيش المشترك والاستقرار والقبول بهذا الكيان السرطاني كشيء طبيعي في المنطقة.
السادسة، سقوط مسار التسوية السلمية وصعود خيار المقاومة، هذا مهم جدا؛ لأنه الآن أصبح مسار التسوية السلمية وراء ظهر الشعب الفلسطيني وصار خيار المقاومة هو الخيار الذي يجتمع عليه أبناء فلسطين. واستطلاعات الرأي لدينا في العام الماضي من مؤسسات مستقلة ومركزها حتى في رام الله تتحدث على أن خيار المقاومة يجتمع عليه من 80 الى 85 في المئة من أبناء الشعب الفلسطيني، وأن قوى المقاومة في أي انتخابات قادمة سوف تفوز بأغلبية ساحقة، بل إن هنالك مطالبات لأبي مازن ولسلطة رام الله بالاستقالة تصل الى فوق الـ85 والى الـ90 في المئة تقريبا في أوساط الشعب الفلسطيني.
سابعا، إسقاط السردية الإسرائيلية وإظهار الوجه البشع للكيان على المستوى العالمي وتحويله إلى كيان منبوذ وصعود السردية الفلسطينية. هذا الجهد هائل، وكنا ربما نحتاج الى عشرات السنوات حتى يتحقق، ولكنه تحقق في هذه المعركة وبطريقة أسطورية أكدت أن هذا الكيان لم يستطع إلا أن يكشف وجهه البشع؛ حيث إن كل ما يتعلق بسردياته بأنه واحة ديموقراطية وفي حال الدفاع عن النفس أو حتى كل الادعاءات المرتبطة بالضحية أو الهولوكوست كل هذه الأدبيات سقطت .
النقطة الثامنة مرتبطة بإفشال كافة أهداف العدو، لأول مرة في تاريخه منذ 76 سنة يعلن عن 5 أهداف ويضيف بعد ذلك هدفا سادسا يتعلق بلبنان في أيلول الماضي. كلها تسقط. أعلن عن هدف واضح بأنه لن يوقف الحرب إلا بعد سحق حماس وسحق المقاومة في فلسطين، ففشل فشلا ذريعا، وحماس الآن أقوى مما كانت، استطاعت أن تسترجع قوتها وتسيطر على الوضع منذ اليوم الأول. أعلن أنه سيسيطر تماما على قطاع غزة، وأنه سيحتله، والآن يخرج صاغرا وقد فشل في تحقيق هذا الهدف، وقرر أن يسترجع أسراه بالقوة وفشل أيضا فشلا ذريعا، قرر أنه سيقرر مستقبل قطاع غزة واليوم التالي لقطاع غزة وأيضا فشل فشلا ذريعا، وهدف خامس ارتبط بتأمين مستوطنات غلاف غزة وفشل.
إنها خمسة أهداف انتقل فيها من فشل الى آخر، ثم هنالك أهداف غير معلنة، مرتبطة بتهجير فلسطينيي غزة أيضا فشل فيها، هدف خطة الجنرالات وإخلاء شمال قطاع غزة أيضا فشل فيها.
لقد أعلنت المقاومة عن 3 أهداف واضحة منذ البداية: خروج المحتل الكامل من قطاع غزة، إنهاء الحرب وصفقة مشرفة للأسرى. وهي الآن تحققت الأهداف الثلاثة كاملة، وتفرض شروطها غصبا عنه بالرغم من أنها واجهت تحالفا عالميا ليس فقط الكيان الصهيوني الأقوى في الشرق الأوسط بحسب المعايير المادية، وإنما مع تحالف عالمي تقوده أمريكا ومعها بريطانيا وفرنسا وألمانيا ومع ذلك المقاومة فرضت شروطها، ضحّت تضحياتها بالتأكيد ولكن وضعت أمام هكذا خيارات صعبة لم يكن أمامها إلا أن تمارس المقاومة. وبين قوسين؛ إن الموضوع ليس موضوع ترف أن تختار أنت المعركة؛ لقد كانت هنالك معلومات واضحة في حوزة المقاومة بأن الكيان الصهيوني قد بدأ في خطة تهويد القدس والمقدسات بما فيها الأقصى وسيحسم أمر الضفة الغربية وبعدها في اليوم التالي سينهي ملف قطاع غزة، وبالتالي كان المسار قادما باتجاه ضربة صاعقة لقطاع غزة، فالذي فعلته المقاومة أنها قامت بضربة استباقية.
تاسعا، ثبتت نجاعة وأهمية وحدة أو تكامل الساحات، وأهمية دور الإخوة هنا في لبنان في حزب الله وقوى المقاومة، والإخوة في اليمن والعراق وايران ودور الأمة الواحدة والشعور الواحد في مواجهة العدو. وهذا أسهم في إنهاك العدو وإضعافه وفي إشغال جزء كبير من جيشه في شمال فلسطين، وفي تهجير مستوطنيه في الشمال. وأسهم في رفع معنويات الأمة وكسر كل ما يتعلق بالمؤامرات والضغائن التي أريد لها أن تشغلنا في صراعات طائفية وتنهك طاقتنا في صراعات داخلية وتحرف مسيرتنا وبوصلتنا عن عدونا الحقيقي والمشترك وهو العدو الصهيوني. هذه المعركة. بالإضافة إلى أنها أنهكت العدو وأضعفته وحققت نتائج كبيرة بالرغم من التضحيات التي نعرفها وهي تهمنا بالتأكيد، ولكنها -إن شاء الله- ستكون لها أثمان حقيقية في أنها على الأقل أعادت الروح للأمة الواحدة وللدم الواحد وللجسد الواحد ولتوجيه البوصلة نحو العدو الواحد.
عاشرا، أوضحت المعركة بأن الكيان الإسلامي كان يستهدف، طوال المرحلة الماضية في منطقتنا العريبة أثبت المشروع الإسلامي لفلسطين بأنه الأنجح، وعززت المعركة هذا الاتجاه بشكل عام من خلال هذه المعركة بأن القوى التي واجهت، والتي قاتلت خلفيتها في معظمها هي هذه الخلفية، وهذ التي نجحت في تجييش هذه الأمة وفي تعبئة طاقاتها وفي توحيدها وفي إخراج أفضل ما يمكن لدى الانسان باتجاه التضحية والفداء والاحتساب والتوكل على الله والاعتزام بدينه بحضارته وبشعبه والتضحية في سبيل أرضه ومقدساته.
لكن في الاستحقاقات التي بنيت؛ هنالك أيضا الآن ومع وقف إطلاق النار هنا في لبنان ومع وقف إطلاق النار ايضا في قطاع غزة، حيث يخرج العدو صاغرا من القطاع. ولكن هنالك أـثمان وهنالك استحقاقات، وهي النقطة الثانية في مداخلتي. الآن، أنا اظن بأن جزءا آخر من المعركة وربما يكون بشراسة المعركة السابقة ونحن أمام استحقاق علينا مواجهته في الايام القادمة.
لن تترك غزة، ولن يترك لبنان ولن يترك اليمن ولا العراق ولا ايران ولن تترك قوى المقاومة وسيحاولون في الفترة القادمة أن يحصلوا في السياسة ما لم يحصلوه بالقوة. وبالتالي نحن أمام استحقاقات كبرى تحتاج إلى وعي كبير والى نضج كبير والى قدرة على التعامل معها بشكلها الجديد والمختلف. إن الولايات المتحدة الأميركية والكيان الإسرائيلي سيسعون إلى امتصاص كل آثار طوفان الأقصى وإلى إعادة توجيه البيئة الاستراتيجية المحيطة بفلسطين بما يتناسب مع اتاحة فرص لهم لعمل هجمة مرتدة أو حال عكسية تمكنهم من إعادة السيطرة على الأوضاع والإمساك بخيوط اللعبة، وخصوصا في ما يسمى إعادة تشكيل الخريطة السياسية والأمنية للمنطقة بما يتوافق مع المشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة. وأنا أريد أن أذكر أنه في 2024 في ذكرى السنة على معركة طوفان الأقصى تحدث نتنياهو عن إعادة ترتيب النظام الأمني في المنطقة بما يتوافق مع المصالح الإسرائيلية.
من ناحية أخرى، قطاع غزة سوف يتعرض إلى حال ضغط وحصار كبيرة في الأيام القادمة بالتعاون مع أنظمة عربية ستسعى إلى الضغط على قوى المقاومة في قطاع غزة حتى تقبل بسلطة فلسطينية ترضى بالشروط الإسرائيلية وتنفذها على قطاع غزة، والشروط الإسرائيلية- الأمريكية مرتبطة بأن تخرج حركة حماس من المعادلة السياسية، وسيحاولون أيضا أن ينزعوا سلاح المقاومة وهذا تحدي كبير. وللاسف إذا وجد طرف فلسطيني وهو جماعة رام الله، بهذا الاتجاه فهذا قد يسبب مشكلة.
باختصار، إن لدى السلطة في رام الله الشرعية الفلسطينية العربية والدولية، وستستخدم سلاح الشرعية وبرنامج اليوم التالي السياسي في قطاع غزة لفرض معادلات قد تكون ليست سهلة على المقاومة. هنا كيف ستتعامل المقاومة بحكمة؛ حيث تستوعب كل الفلسطينيين وتنشأ وحدة وطنية فلسطينية وتتجاوز الضغوط الغربية الخارجية لكنها تحافظ على سلاح المقاومة؟ هذا تحدي كبير.
إن التحدي الآخر متعلق بالابتزاز المالي والمتعلق بإعادة إعمار قطاع غزة، وهذا أيضا تحدي كبير؛ لأن قطاع غزّة تعرّض إلى دمار وصل إلى 50 الف طن من الردم، الذي يحتاج إلى نحو مليون و500 ألف شاحنة فقط لإخراج الردم. ولو شغلت 200 شاحنة في اليوم ستحتاج إلى 17 سنة للتعامل مع الردم فحسب. لم يتركوا شيئا، فقد دمر 70 في المئة من قطاع غزة، هذه حساباتهم ولكن شعبنا في غزّة مبدع وليس من خوف عليه. ولكن سيستغلون هذا التدمير الذي مس نحو 370 الف وحدة سكنية للضغط على المقاومة في احتياجات الناس، وهذا أيضا سيحاولون الابتزاز من خلاله.
الضفة الغربية بخطر
إن التحدي الآخر في الضفة الغربية هو ـن ترامب سيحاول تعويض الإسرائيليين في الضفة الغربية؛ لأنه لا يؤمن بأوسلو وحل الدولتين، وهنالك تطرف إسرائيلي في ما يتعلق بمستقبل الضفة الغربية، فقط ترامب يوفر غطاء للإسرائيليين في ما يتعلق بما يسمّى مناطق جيم، وهي تمثل 60 في المئة من مناطق الضفة الغربية. فإذا ذهبنا الى هذا الموضوع، فهذا يعني أنه ستكون هنالك مخاطر قادمة على الضفة الغربية، في موضوع ضمها أو جزء منها الى الكيان الإسرائيلي. إن هذه المخاطر كبيرة، لأنها تتقاطع مع خطط اليمين الديني المتطرف، سموتريتش الذي ينادي بخطط الحسم والذي يريد أن يسير بالاتجاه نفسه.
ما معنى هذا؟ معنى ذلك إذا مشوا في خطط الحسم بغطاء أميركي أنهم سيسعون الى اعادة تفكيك السلطة، وتحويلها إلى 5 أو 6 كانتونات فقط تحكم التجمعات السكنية وعند ذلك سيتم الضغط على مليوني فلسطيني من أصل 3 ملايين و400 الف في الضفة الغربية في اتجاه أن يهجّروا الى الخارج، عبر إيجاد ظروف صعبة لا تمكّنهم من العيش في داخل الضفة الغربية. هذا سيمثل خطرًا على الأمن القومي في الأردن وخطر على إغلاق الملف الفلسطيني وإنهاء السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية نفسها.
لكن هل هذه الخطط تعني أنهم سيتمكنون؟ ليس بالضرورة، الذي أفشلهم في العشرين سنة الماضية والمئة سنة الماضية من المقاومة سيستطيع أن يفشلهم إن شاء الله في الأيام القادمة. هذا ما نريد أن نضعه نحن في الأذهان، ولكن المخاطر ليست سهلة والتحديات أيضا كبيرة.
إن المخاطر أيضا قائمة في لبنان ومحاولة تشكيل المنطقة وكذلك في الأردن وكل المعايير الأمنية، سيتم استهداف محور المقاومة ومحاولة ضربه وتحجيمه وعزله عن بيئته، وثمة منظومة معروفة في الإطار الدولي تسمة دي دي آر. وهي منظومة دولية تعيد تسكين المقاومة بما يفرض عليها شروط اندماج اجتماعي معين تقلم أظافرها وتمنعها من القدرة على الفعل والحركة، وهي Disarmament Demobilization reintegration نزع السلاح وتفكيك القوى المسلحة أي إعادة الاندماج المجتمعي، حيث يحوّلك الى حال مدنية لا تستطيع ان تواجه التحديات الكبرى. وبالتالي، أيضا تصفية بؤر الصراع في المنطقة وتهيئة البيئة المحيطة بفلسطين وتشكيل خريطتها الى بيئة اكثر استقرارا حتى تكون مهيّأة اكثر للتطبيع، يعني الاستقرار يراد منه أن تكون المنطقة تحت السيطرة حتى تكون أسهل في موضوع التطبيع، وبتاتالي تصفية ما يسمّى ببؤر الصراع.
توصيات أساسية
إن التحدي القادم كبير، وأختم بتوصيات أساسية في تعاوننا مع هذا التحدي: الأول أننا كلنا مطالبون في فلسطين وفي لبنان وفي كل مكان وكل المعنيين بخط المقاومة للقيام بمراجعات حقيقية وجادة، ونقد ذاتي وقراءة للمرحلة وللمتغيرات، حيث إننا نضع النقاط على الحروف ونتعامل معها بالجدية اللازمة. والنقطة الثانية أن نعيد تموضعنا بناء على التحديات فنكون إذا تعلق الأمر بالثوابت نمثل الصلابة اللازمة الأساسية، واذا تعلق الأمر بالتكتيكات فستكون المرونة اللازمة. ثالثا أن نعتني بقواعدنا الشعبية؛ لأنها هي رصيدنا الحقيقي؛ وهي أساس وهم يسعون إلى فصل المقاومة عن بيئتها الشعبية.
رابعا، شعورنا، نحن الأمة، يجب أن يكون هو الأساس وأن ننتقل أيضا من الطائفية الى الأمة؛ لأنه حين نخترق هذه المعادلة نستطيع منع أي حال اختراق للأمة من الصهيوني ومن الأميركي؛ حيث نكون أمة واحدة وشعب واحد ودم واحد، ولدينا أيضا عدو واحد. والنقطة الأخيرة هي أن نواصل ثقتنا بالله سبحانه وتعالى وبالنفس وبمشروعنا، وألا نهتز أمام هذه الأعاصير.
الدكتور طلال العتريسي: هذا اللقاء هو جزء من نقاشات واسعة تجري في أوساط مختلفة. العنوان هو: قراءة التطورات الإقليمية والدولية منذ معركة "طوفان الأقصى" لغاية اليوم. سأتجاوز بعض النقاط التي تحدث عنها الإخوة وأذهب لإلى محاولة الربط مباشرة بين ما جرى وعلاقته بالتطورات الإقليمية والدولية، أو انعكاسات ما جرى على الأوضاع الإقليمية والدولية.
نحن في الحقيقة دأبنا طوال عام و3 أشهر على الحديث عن جبهة إسناد المقاومة في غزة. لكن في حقيقة الأمر منذ طوفان الأقصى كان هناك جبهتي إسناد. جبهة إسناد المقاومة في غزة وجبهة إسناد العدو الإسرائيلي. هذا يجب أن يؤخذ بالحسبان؛ لأن الجبهة التي وقفت خلف العدو الإسرائيلي هي: الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وحلف الناتو، وكل الإمكانات العسكرية والسياسية والأمنية واللوجستية كانت جبهة إسناد خلف هذا العدو. في المقابل؛ كانت جبهة إسناد تعرفونها بقدراتها المحدودة نسبيا مقارنة مع قدرات جبهة الإسناد التي تقف خلف العدو. هذا يعني أن المعركة كانت معركة كبيرة في مواجهة آلة حرب كبيرة وقدرات دولية ليس من السهل مواجهتها. والإنجازات التي تحققت يجب لإن تقاس بحجم الجبهة التي كانت تقاتلها غزة وجبهة إسناد غزة كنقطة انطلاق.
بيّنت معركة طوفان الأقصى أن تيار العدو كقوة اقليمية هو بحاجة إلى الدعم بعدما كانت وظيفته طوال السنوات الماضية إنه هو الذراع العسكرية للغرب في منطقتنا. لقد رأينا كيف أن جميع رؤساء الدول أتوا بعد "طوفان الأقصى "لتأكيد الحماية والدعم [لإسرائيل] وانتشرت الأساطيل في المنطقة لمنع أي اقتراب أو تدخل خوفا على الكيان. وهذه معادلة جديدة في المنطقة لم تكن بمثل هذا الوضوح قبل طوفان الأقصى. أيضا ما لم يكن بمثل هذا الوضوح قبل طوفان الأقصى حجم التبعية الكاملة للكيان الصهيوني إلى القرار الأمريكي من دون أي تردد.
كان يجري نقاش حول من يقود من ومن يتخذ القرار، الولايات المتحدة هي التي تتخذ القرار والكيان هو موظف عند الولايات المتحدة الأميركية. كنا نتابع كيف كان نتنياهو يطلب الإذن إذا أراد أن يبقى يومين إضافيين في خان يونس. عندما استشهد السنوار يبلغ الأمريكيين ان هذا السنوار، وعندما يقصف في سوريا يبلغ الأميركيين أنني ذاهب أقصف في سوريا...تبعية كاملة ومطلقة.
على المستوى الإقليمي
على المستوى الإقليمي، هذا طبعا من النتائج التي تحتاج إلى التفكير فيها؛ أننا بتنا أمام تجربة جديدة في الصراع مع العدو هي تجربة جبهة الإسناد من حيث الفاعلية والتفاوت في القدرات والتأثير وهي تجربة ستؤسس للمستقبل. كما من نتائج طوفان الأقصى سيكون لليمن دور إقليمي لم يكن متوقعًا قبل طوفان الأقصى لم يكن يتوقع أحد ان يكون لليمن مثل هذا الدور والفاعلية. لقد أسهم طوفان الأقصى على المستوى الإقليمي في فرز واضح للقوى العربية والإسلامية بين من وقف إلى جانب المقاومة وجانب فلسطين ودفع الأثمان الكبيرة وبين من لم يفعل ذلك وبقي متفرجا. هذا كله يدخل في حسابات التفكير للمرحلة المقبلة. ومن المفترض أن ينعكس هذا الواقع الذي بدأ يتطور على رؤية المقاومة الاستراتيجية لحلفائها أاصدقائها وعلى خطاب المقاومة السياسي التثقيفي. السؤال المهم الذي يطرح وهناك نقاشات كثيرة عن ما الذي حصلناه وأنتجناه ودفعنا أثمانًا. هذه نقطة مهمة في ثقافة المقاومة أنه: هل الانتصار يقاس بحجم التضحيات أو يقاس بالأهداف التي تحققت أو الأهداف التي أفشلت؟. لأن البعض يأخذنا إلى حجم التضحيات ويقول بأننا خسرنا المعركة في حين أن المقياس هو بالأهداف التي تتحقق أو لا تتحقق.
السؤال هنا على الرغم من كل التضحيات والشهداء الكبار العظام الذين سقطوا؛ فإن الخط البياني للعدو هو خط صعودي أم تنازلي؟ الإجابة تحدد إذا ما كان العدو انتصر في هذه المعركة أم لم ينتصر في هذه المعركة؟
كل التقديرات من الداخل الإسرائيلي تقول إن الخط البياني ليس تصاعديا على الرغم من التوغل الذي حصل في سوريا لكن الخط البياني للعدو ليس تصاعديا وربما نشهد الكثير من المشكلات الداخلية التي تعبر عن أزمة ما بعد هذه الحرب، وكما أشار أحد الباحثين أنه عندما يكون هناك انتصار لا تحصل استقالات يعني لا يستقيل كل قادة الجيش؛ بل عندما تقع الهزيمة تبدأ الاستقالات يتحملوا المسؤولية. كل القيادات العسكرية الإسرائيلية استقالت يعني هناك من يريد أن يحمّلها المسؤولية عن نتائج ما حصل. لماذا قمتم بالاتفاق؟ الاتفاق مع لبنان سيء الاتفاق مع غزة سيء لماذا ذهبنا إلى هذا الاتفاق؟
اليوم معاريف تقول إنه 4 في المئة فقط من الإسرائيليين يرون أن "إسرائيل" حققت أهداف الحرب بشكل كامل. طبعا خلال الحرب ذهبت نسب حول من يريد المضي في الحرب ومع من نتنياهو الذي كان يحصل على 34 في المئة من الاستطلاعات. 4 في المئة فحسب، ولو قمنا بهذا في لبنان لكان بعض الناس بالتأييد. طبعا من نتائج هذه الحرب كما ذكر أن الكيان أصبح أكثر الأمكنة خطورة على اليهود في العالم وليس الملاذ الآمن؛ بل الأكثر خطورة وبالتالي يفكرون في مغادرة هذا الكيان. وهذا أهم سبب يؤدي إلى تصدع فكرة وجود هذا الكيان، أي إن الملاذ الآمن انتهى حتى لو وقفت الحرب وهناك مرحلة سلام، لم يعد هناك شعور عند اليهود في الداخل أو الخارج وهذه مسألة مهمة ونفسية وثقافية وسياسية على كل المستويات.
طبعا من نتائج هذه الحرب كما قيل العزلة الدولية؛ لأول مرة تصدر إدانات حتى لو لم تنفذ أو تطبق، لكن نتنياهو وغالانت مجرما حرب، الآن يريدون السفر لا تذكروا أسماء الضباط والجنودـ وهذا يحصل لأول مرة.
شرق أوسط جديد
السؤال الذي يطرح اليوم، والذي كان نتنياهو يتباهى به، أنه سيشكل شرق أوسط جديد، هذا أيضا موضع نقاش.. أي شرق أوسط محتمل؟ بتقديري الاجابة عند ترامب، وليس عند نتنياهو، نعم، يمكن أن يفكر في تشكيل شرق أوسط جديد ولكن تتعلق هذه الرؤية باستراتيجية ترامب وخططه وأولوياته، والتي هي غير محسومة إلى الآن. يعني تارة يقول ترامب إنه يريد الانسحاب من سوريا، وفقا لرؤيته هو لا يريد الحروب يريد الاستقرار وأمريكا أولا والاقتصاد أولا، والحصول على المال من السعودية وغيرها وغيرها، يريد أن يحتل باناما، ويرى أن المعركة انتهت مع داعش، في الولاية الأولى هو أراد الانسحاب لكن منع من ذلك ولم يسمح له.
اليوم إذا أراد الانسحاب من سوريا يعني بقاؤه في العراق لم يعد له أي معنى، فهو يبقى في العراق بحجة محاربة الإرهاب وداعش. وهذا يفتح احتمالات: هل ينفذ هذا الأمر أم ماذا يفعل؟ هل يسمح له بتنفيذ هذا الأمر من ما يسمى الدولة العميقة والمخابرات والمجمعات العسكرية والقوى الأخرى؟ هل سينهي الحرب الروسية مع أوكرانيا؟ أيضا هذا وضع دولي، وينعكس على الإقليم يعني إنهاء الحرب مع سوريا هل يعني بقاء الحروب في الشرق الأوسط أو إنهاء الحروب في الشرق الأوسط أيضا؟
هذا من الاحتمالات والسيناريوهات المفتوحة، ويمكن أن يكون ترجيحًا لسيناريو أكثر من سيناريو. فهل الانسحاب يعني تفاهمات؟ إذا انسحب من سوريا من يكون صاحب النفوذ فيها، هل يعني انسحاب الأمريكي أنه تفاهم مع التركي في أن يبقى الإسرائيلي موجودًا في سوريا؟ كيف يكون وضع سوريا في الإقليم؟
السؤال الذي يطرح، أيضاأ في ضوء هذه التصورات، هل تذهب المنطقة إلى حال من التهدئة إذا كان ترامب أولوياته الاقتصاد وعدم شن الحروب والتفاهمات؟ هل هذا يعني تفاهمه مع إيران أم زيادة الضغط على إيران؟ هناك اتجاهان هناك من يقول إننا يجب أن نذهب إلى اتفاق مع إيران، واتجاه يقول يجب زيادة الضغط وأقصى العقوبات على إيران لكي تأتي إلى التفاوض من موقف أضعف، وهذه ليست سياسة جديدة بالنسبة إلى ترامب، ولكن هذا أيضا من الأسئلة المطروحة.
بتقديري، الوجه العام بعد طوفان الأقصى وبعد الدور الكبير للمقاومة ولمحور المقاومة إن هذا الأمر غير مقبول بالنسبة إلى السياسات الأمريكية والسياسات الاستكبارية على الرغم من التضحيات وكل ما حصل. لكن هناك شيء جديد حصل في المنطقة.
إعادة تفعيل قضية فلسطين وتوجيه الرأي العام العربي والإسلامي باتجاهها
قد لا يتم الانسحاب الكلي من لبنان؛ ولكن الأرجح أن يكون في مرحلة الذهاب إلى حال لا حرب ولا سلم. يعني لا استقرار تامًا، وهذا الدليل أنه في لبنان يمكن ألا ينسحبوا كليا، وتبقى بعض النقاط ليذكروا [اي الإسرائيليين] أنهم موجودون ولا استقرار تامًا في لبنان. وفي الوقت نفسه، يكون التوجه إلى إعادة إحياء مشاريع التطبيع التي توقفت بسبب طوفان الأقصى، والتي أعادتها إلى الخلف، لكن اليوم لا شيء يمنع أن تتجدد. لبنان يمكن أن يختلف عن غزة؛ ففي غزة هناك خطاب واحد الشعب الفلسطيني واحد على الرغم من كل الصعوبات والمشكلات الكبرى وحجم التدمير أكبر بكثير من لبنان.
لكن في لبنان هناك أكثر من خطاب في التعامل ما نتائج الحرب والأزمة، وهذا يمكن أن يعمل عليه في المستقبل. لكن بقاء الإسرائيلي في أكثر من نقطة في جنوب لبنان هذا حقيقة لا يخلق مشكلة للمقاومة، بل ربما يخلق مشكلة للعهد. العهد يصبح أمام إحراج في التعامل مع هذه المسألة؛ لأن المقاومة عاجلا أم آجلا تستطيع التعامل مع هذا الوضع بالطرائق المناسبة، وليس بالضرورة في الحرب إطلاق صواريخ ومسيرات، ليس بالضرورة تتعامل معه من دون إعلان حرب.
يبقى السؤال المطروح أنه إذا ذهبت الأمور في هذا الاتجاه، أي اتجاه التطبيع اليوم، بعد ما حصل في المنطقة وسوريا أكيد خطاب التطبيع : هل هذا سيعزز منطق احتواء المقاومة ومحاصرة المقاومة؟ هذا يحتاج إلى إن تكون جبهة المقاومة مدركة لهذا التوجه الثقافي السياسي النفسي؛ لأننا دفعنا أثمانا ويجب أن ننهي هذا المشروع الذي هو مشروع المقاومة، هذا يحتاج إلأى وضوح رؤية في هذا المجال.
اعتقد ان الرؤية واضحة وممكن أيضا أن تختلف التحالفات في المنطقة، وعدا عن الحضور السياسي في لبنان وعلاقته مع لبنان وتدخله في سوريا لا أستبعد أن يحصل الآن أو لاحقا استكمال للتفاهم السعودي - الإيراني الموجود، والذي يمكن أن يتطور لأن الطرفين خسرا في سوريا، وبالتالي ممكن أن يتم العمل على تفاهمات جديدة في المنطقة ليس بالضرورة ضد سوريا، لكن في مواجهة تشكلات إقليمية جديدة من الاحتمالات المفتوحة والمحتملة.
في الختام طوفان الأقصى كشف لمن كان لديه أدنى شك حجم النفاق الغربي، والذي كان يقول إن إسرائيل شيء والغرب شيء آخر، كل ما كان الغرب يحاول أن يظهر وجهه الجميل ديمقراطية وحريات وحقوق إنسان انتهى.
يجب ان يكون هذا الامر ثقافة بالنسبة إلينا وليس فقط ثقافة المقاومة هي ثقافة فهم الغرب وكشف الغرب وسقوط قناع الغرب؛ لأن المعركة هي معركة عسكرية من جهة قد تخبو في المرحلة المقبلة، لكن المعركة الثقافية والسياسية هي معركة مفتوحة مع الغرب وليس مع الإسرائيلي. الإسرائيلي لا ثقافة له؛ لذلك أعتقد أن المحافظة على ثقافة مواجهة هذا الفكر الغربي، نعم نكون نحفظ قلب فكرة المقاومة التي يمكن في أي وقت أن تعود وتنطلق وتتجدد وفي القتال إذا حصل لا يعني أنه توقفت ثقافة المواجهة مع فكر الغرب الذي أسس هذا الكيان ويحميه.
في ختام الندوة؛ قدمت العديد من المداخلات والأسئلة عن طرحه المحاضران وجرى النقاش فيها.