ميساء مقدم/ جريدة الأخبار
لم يعد خافيًا أنّ للحرب العسكرية الإسرائيلية على لبنان، امتدادات لم تنتهِ بعد، بل تتواصل بأساليب مختلفة وأشكال متجددة. أحد هذه الامتدادات هو الحرب الإعلامية التي بدأت قبل أعوام على «حزب الله» وبيئته، وسُعِّرت أخيرًا لتصبح أكثر تركيزًا وشراسة، وتتواءم مع سياقات العدوان الأخير.
في ظل انفلات الإعلام في لبنان، وتضخّمه بوباء الفساد المالي، والفتنوي، والتحريضي، تتنافس وسائل إعلامية لبنانية في إنتاج سرديات محددة تهدف إلى شيطنة بيئة المقاومة وعزلها عن هويتها اللبنانية وصولًا إلى تقويض شرعيتها الداخلية. نعرّي هنا جزءًا من خطاب صحيفة «نداء الوطن» الصادرة في لبنان، ودورها في الانحياز إلى الرواية الإسرائيلية وتناغمها مع المشروع العدواني على لبنان. تعتمد الصحيفة لغة تحريرية وأساليب إعلامية تسهم في تشويه صورة المقاومة بينما تقدم في المقابل، سردية تميل إلى تبرير العدوان الإسرائيلي أو تخفيف حدته. هذا التوظيف الإعلامي يعكس انسجامًا مع أجندة تهدف إلى تقويض المقاومة وإضعاف الموقف الوطني اللبناني.
يظهر تحليل المضمون لصحيفة «نداء الوطن» في تاريخ الإثنين 3 شباط (فبراير) تكرار كلمة «حزب الله» (أو الحزب أو المقاومة) 77 مرّة منها 48 في إطار سلبي، ومرّتان في إطار إيجابي، و27 مرّة في سياق محايد. في المقابل، تكرّرت كلمة «إسرائيل» (أو الإسرائيلي/ة أو العدو أو الاحتلال) 37 مرّة من بينها ستّ مرّات في سياق إيجابي، و13 مرّة في سياق سلبي، و18 مرّة في سياق محايد.
في تاريخ الثلاثاء 4 شباط (فبراير)، تكرّرت كلمة «حزب الله» (أو الحزب أو المقاومة) 7 مرّات من بينها 5 مرات في سياق سلبي، واثنتان في سياق محايد. في المقابل، تكرّرت كلمة «إسرائيل» (أو الإسرائيلي/ة أو العدو أو الاحتلال) 17 مرّة من بينها ثلاث مرات في سياق إيجابي و10 في سياق محايد، و4 مرّات في سياق سلبي.
في التاريخين المذكورين موضع التحليل (3 و 4 شباط)، تكرّرت في صحيفة «نداء الوطن» كلمة «حزب الله» (أو الحزب أو المقاومة) 84 مرّة: 2 منها في سياق إيجابي، 53 في سياق سلبي، و29 في سياق محايد. والنتيجة، يمكن تسجيل 2.4% إيجابي من الإجمالي، و63% سلبي من الإجمالي، و34.5% محايد من الإجمالي.
في المقابل، تكررت كلمة «إسرائيل» (أو الإسرائيلي/ة أو العدو أو الاحتلال) 54 مرّة: 9 منها سياق إيجابي، و17 في سياق سلبي، و28 في سياق محايد. وفي الخلاصة، جاءت الأرقام كالتالي: 16.7% إيجابي من الإجمالي، و31.5% سلبي من الإجمالي و51.8% محايد من الإجمالي.
ما هي دلالات هذه الأرقام؟
موضوعيًا، تناولت الصحيفة العدو الإسرائيلي للبنان في سياق سلبي 17 مرّة فقط، وهو رقم أقل بكثير مقارنة بالسياق السلبي الذي تناولت فيه «حزب الله» (بلغ 53 مرّة). هذا التفاوت الفاضح في الأرقام، يدلّ على خلل وطني في الخط التحريري للصحيفة، الذي يحمل عدائية مبالغة اتجاه «حزب الله»، عن تلك التي يحملها تجاه عدوّ الوطن الذي يُفترض أنه يجتمع على عداوته كل اللبنانيين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الطائفية.
في المقابل، تناولت الصحيفة العدو الإسرائيلي في سياقات إيجابية بنسبة 16% من إجمالي السياقات، وهي نسبة لافتة بالنسبة إلى الصحافة اللبنانية. هذه النسبة فاقت بمراحل تلك التي تناولت فيها «حزب الله» في سياق إيجابي (لم تتجاوز 2%). كذلك، قدّمت الصحيفة العدو الإسرائيلي في سياقات محايدة بنسبة 51% من إجمالي السياقات، فيما انخفضت هذه النسبة مع الشريك اللبناني إلى 34%، بما يعكس انحيازًا واضحًا في الخط التحريري للصحيفة إلى جانب العدو الإسرائيلي.
بعيدًا عن لغة الأرقام ودلالاتها، يمكن أن يُسجَّل للصحيفة مثلًا إنجازٌ تحريري، ولو أنه يتعارض مع أخلاقيات المهنة لجهة إخفائه للحقائق. فقد استطاعت إيفانا خوري تحت عنوان «قداس علما الشعب الأول بعد الحرب - تحدت نكبتها وسط دمار لم يوفر شيئًا» أن تجري تحقيقًا كاملًا حول آثار الدمار بعد العدوان الإسرائيلي، من دون أن تشير بكلمة أو عبارة واحدة إلى الجهة المسببة. بالنسبة إلى الكاتبة، «تغيّرت ملامح» البلدة، ربّما بحقنة تجميل مثلًا! وكاد أهلها أن «لا يتعرفوا إليها إثر الدمار الهائل والتخريب»! يا للهول... أيكون ذلك ناتجًا من حرائق كاليفورنيا مثلًا؟ يبدو أننا ظلمنا الصحافية الحَذِقة، فها هي تحدّثنا عن الحرب أخيرًا: «لم تسلم كنائس عيتا الشعب الثلاث من الحرب نتيجة قصف مباشر». قصفٌ ممن؟ لم تسلم ممّن؟ الحرب مع من؟
مبالغة الصحيفة في الخروج عن الاتجاه الوطني العام بمهادنة خطها التحريري للعدو الإسرائيلي بل مدحه في اتجاهات محددة مثل الحرب على لبنان واعتباره حقق إنجازًا بضربه لقوة «حزب الله»، ثم الجنوح التام نحو السردية المعادية لشريحة واسعة من الشعب اللبناني ومعاداتها، يشكّل زعزعةً على الثوابت الوطنية. وهذا الانزياح التحريري، هو خروج فاضح عن دور الإعلام المهمّ خلال الحرب، كأداة لتعزيز الروح المعنوية والهوية الوطنية الجامعة.