بعد أغنيته «قاعة هند» عن الطفلة الشهيدة هند رجب، ها هو الرابر الأميركي يطلق F*cked Up التي تتناول الإبادة والتطهير العرقي في غزة. ليس هذا فقط، بل إنّها تنتقد أيضًا المسؤولين الأميركيّين، وإرسالهم المليارات لدعم «إسرائيل» فيما شعبهم يرزح تحت الفقر. ولم ينس ماكلمور انتقاد عمالقة التكنولوجيا، وخصوصًا إيلون ماسك، قائلًا له: «إيلون، سنتكلّم عن الكوبالت في الأغنية المقبلة»!
مرّة جديدة، يحطّم ماكلمور أرقام مشاهدات ضخمة في مدّة قياسية. بعدما شهد العام الماضي انتشار أغنيته «قاعة هند» التي استوحت اسمها من الطفلة الشهيدة هند رجب وألحانها من «أنا لحبيبي» لفيروز («الأخبار 10/5/2024)، ها هو الرابر الأميركي الداعم للقضية الفلسطينية يضع أغنيةً جديدةً من وحي التطهير العرقي الذي يخطّط له الرئيس الأميركي دونالد ترامب في غزّة بالتعاون مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو. الأغنية التي تحمل عنوان F*cked Up، حقّقت قرابة العشرة ملايين مشاهدة على إنستغرام فقط في أقلّ من يومَين. وكما في المرّة السابقة، أعلن الرابر أنّ ريعها سيذهب إلى وكالة الأونروا.
هكذا، يخرق ماكلمور كوّة في جدار «الثقافة الشعبية» المصنوعة في غرف تحرير أخبار «هوليوود» السريعة التي تهدف إلى حرف أنظار الشعب الأميركي عن الأمور ذات الأهمّية وإلهائه بتفاهات أصبح غالبًا ما يتصدّرها «الرابرز» أنفسهم.
عندما أصدر أغنيته السابقة عن فلسطين والإبادة الإسرائيلية في غزّة، كانت هناك محاولة لإلهاء الأميركيّين بـ«خلاف» (يُسمّى beef في الثقافة الشعبية) بين فنّانَي الراب دريك وكندريك لامار، وهو ما أشار إليه ماكلمور بوضوح ضمن كلمات أغنيته في حينه.
أمّا اليوم، فتتصدّر العناوين أخبار الرابر كاني ويست الذي يثير الجدل في الأسابيع الأخيرة، بدءًا بظهوره في احتفال جوائز «غرامي» 2025 برفقة زوجته وهي عارية تمامًا أمام الكاميرات والجموع، وصولًا إلى منشوراته المثيرة للجدل التي «يفضح» فيها نظراءه ويعلن عداءه لليهود وتأييده للنازية، تحت عنوان محاربة الرقابة!
ووصل به الأمر إلى حدّ نشره إعلانًا خلال «السوبر بول» لماركته الخاصّة من الملابس، لم يكلّفه شيئًا بما أنّه صوّر نفسه فيه عبر هاتفه، قبل أن يحذف بعد أيّام كلّ البضائع من متجره، ما عدا قميصًا عليه الصليب المعكوف رمز النازيّة، وهو ما أثار المشكلات مع المعلنين والرعاة الذين تهرّبوا منه!
بالطبع، ما يقوم به كاني لا يمكن فصله عن السياسة، واتّفق كثر من مؤيّدي فلسطين على أنّ الأمر مثير للريبة بسبب تعمّد بثّ الكره ضدّ اليهود كديانة، تمهيدًا لتصويرهم على أنّهم مظلومون وغير آمنين، وهو ما يعني في نهاية المطاف المزيد من التعاطف مع «إسرائيل» و«حقّها» في الوجود، كما المزيد من الإجحاف بحقّ الفلسطينيّين تحت مسمّى «حماية اليهود».
تصرّفات الرابر المثير للجدل أتت معطوفةً علـى حماقات الرئيس الأميركي المثير للجدل هو الآخر، وإستراتيجيّته المعتمدة على إلهاء الإعلام بالكثير من التفاهات حتّى يتعب ويصعب عليه التركيز على قضيّة معيّنة قد تكون أهمّ من غيرها. لذا، يُعدّ عمل ماكلمور إنجازَين في واحد. فقد أظهر وعيه وقدرته على تخطّي الجدران الوهمية التي توضع من أجل إلهاء الأميركيّين عن أمور تتعلّق بحقوقهم قبل حقوق غيرهم، إضافة إلى قدرته على حشد المؤيّدين والشرح لهم بإسهاب عبر فنّه.
لا تتناول الأغنية الإبادة والتطهير العرقي وتنتقد مسؤولي الاحتلال فقط، بل تنتقد أيضًا الرئيس والمسؤولين الأميركيّين، وإرسالهم مليارات الدولارات لدعم «إسرائيل» فيما الشعب الأميركي يرزح تحت مصاعب معيشية شتّى.
ينتقد ماكلمور عمالقة التكنولوجيا وانحيازهم ورقابتهم، واضعًا علاماتهم التجارية واحدةً تلو الأخرى، ويوجّه أصابع الاتّهام نحو مليارديريّي التكنولوجيا ويركّز بشكل خاصّ على إيلون ماسك (مالك منصّة X) ويقول بما معناه إنّه «نعرف تمامًا ما فعلت».
يقارن بالصوَر بين الفصل العنصري في فلسطين وذاك في جنوب أفريقيا سابقًا، كما بين الإبادة في غزّة وتيك في أوشڤيتس في أربعينيّات القرن الماضي. يشير أيضًا إلى شركات الأسلحة مثل «رايثيون»، ويُظهر تظاهرات الشعوب في الغرب والقمع البوليسي لها، مقارنًا إيّاها بنضالات تاريخية إلى جانب مشاهد قادة أمثال نيلسون مانديلا ومارتن لوثر كينغ وغيرهما. كما يدعو إلى تحرير فلسطين والكونغو والسودان.
لقد كان الرابر قد ألغى في آب (أغسطس) الماضي حفلةً له في الإمارات العربية المتّحدة بسبب اعتباره أنّها تدعم «قوّات الدعم السريع» التي ترتكب الجرائم في السودان، كما قال في منشور مطوّل له في حينه على صفحاته الافتراضية انتقد فيه الرأسمالية والفنّانين الساعين خلف المال من دون حسّ إنساني («الأخبار» 28/8/2024).
«يمكنكم قتل الناس، المقاومة تكبر في الرثاء، وفيما رئيسنا يرسل المليارات إلى خزائن «إسرائيل»، لن يُشعر التطهير العرقي الإسرائيليّين بالأمن يومًا»، يغنّي ماكلمور، متحدّيًا «الرقابة» الحقيقية، بدلًا من إقامة حيلة دعائية على نسق زميله تنتهي بتسويغها. لا يأبى الرابر إلّا أن ينهي أغنيته على نوتة عالية، فيتوعّد ماسك في الجملة الأخيرة: «إيلون، سنتكلّم عن الكوبالت في الأغنية المقبلة!».