أوراق سياسية

ترامب يواصل مغازلة بوتين: زيلينسكي "ديكتاتور وفاسد"!

post-img

ريهام هاني (الأخبار)

لم يحاول الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تدارك «النقمة» الأوكرانية والأوروبية الناجمة عن اللقاء الذي جمع، الثلاثاء، بين الوفدين الروسي والأميركي في السعودية، بل عمد، بدلاً من ذلك، إلى رفع مستوى «انتقاداته» لأوكرانيا، وصولاً حتى إلى تحميلها مسؤولية بدء الحرب، وهو ما لم يكن ليفعله، على الأرجح، أي رئيس أميركي غيره، ما دفع بالبعض إلى التأكيد أنّ ترامب يتجه نحو القيام بأكبر تحول «صادم» في السياسة الخارجية الأميركية تجاه روسيا منذ أجيال.

وبالفعل، تشي التصريحات التي صدرت في أعقاب الاجتماع، بأنّ واشنطن تتجه إلى تطبيع علاقاتها بالكامل مع موسكو، بعدما شكّلت عودة التمثيل الدبلوماسي بين البلدين نقطة أساسية في المفاوضات الأخيرة.

وبالعودة إلى تصريحات ترامب «اللاذعة»، والتي أدلى بها في حديث إلى الصحافيين أثناء توقيعه حزمة جديدة من القوانين التنفيذية في منتجع «مار إيه لاغو»، الثلاثاء، فقد أعلن الرئيس الأميركي أنه يفضّل إجراء انتخابات في أوكرانيا، نظراً إلى «تراجع شعبية زيلينسكي». وبعدما اتهم كييف بأنها هي من «بدأت الحرب»، لفت ترامب إلى أنّ «معدلات تأييد زيلينسكي تنخفض»، قبل أن يتحدّى الأخير بإجراء انتخابات، علماً أنّ الرئيس الأوكراني، الذي تولّى منصبه عام 2019 لمدة خمس سنوات، لا يزال فيه حتى الآن، بموجب الأحكام العرفية.

ومما قاله ترامب في هذا السياق: «لم تجرِ انتخابات في أوكرانيا بسبب الأحكام العرفية، فيما الدعم لقائد أوكرانيا، وأكره أن أقول ذلك، انخفض بنسبة أربعة بالمئة، كما أنّ البلاد تفتّتت»، مضيفاً أنّ الدعوة إلى إجراء انتخابات في أوكرانيا «لم تأتِ من روسيا»، بل منه شخصياً «ومن بلدان أخرى»، جنباً إلى جنب الشعب الأوكراني الذي يرى أنّه «مضى وقت طويل منذ آخر انتخابات».

ولم يكتفِ ترامب بهذا الحد، بل اتهم زيلينسكي بعدم الكفاءة بسبب سماحه باستمرار الحرب، كما وجّه إليه تهمة عدم التدقيق في الأموال التي تدفقت إلى أوكرانيا من الولايات المتحدة وحلفائها، مؤكداً أن «زيلينسكي قال الأسبوع الماضي إنه لا يعرف أين ذهبت نصف الأموال التي قدمناها له». وتابع: «أعتقد بأننا قدّمنا لهم 350 مليار دولار، أو ربما أقل من ذلك. لكن هذا كثير، وعلينا أن نتعادل مع أوروبا لأن أوروبا أعطتنا ما نسبته أقل بكثير من ذلك».

وفي أعقاب اللقاء الذي استمر لأكثر من أربع ساعات، وتمت خلاله مناقشة إنهاء الحرب في أوكرانيا والتحضير لاجتماع بين ترامب ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، أشاد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أمس، بترامب، ولا سيما على خلفية إلقاء الأخير اللوم في النزاع الأوكراني على التحركات الرامية إلى ضم كييف إلى «حلف شمال الأطلسي».

وأكّد لافروف أن الرئيس الجمهوري هو «أول قائد غربي حتى الآن، وفي رأيي، القائد الغربي الوحيد، الذي قال في العلن وبصوت عالٍ، إن أحد الأسباب العميقة للوضع في أوكرانيا كان موقف الإدارة الأميركية السابقة، وإصرارها على جر أوكرانيا إلى (الناتو)». حتى إنّ وكالة «تاس» الروسية نقلت عن لافروف قوله إنّ «ترامب سياسي مستقل تماماً، وصريح. وهو لن يخفي آراءه حول أفراد مثيرين للشفقة مثل زيلينسكي». من جهته، لم يصبر ترامب كثيراً على «التذمّر» الأوكراني من عدم المشاركة في المفاوضات، متهماً كييف بتضييع الفرصة عندما كان لها، فعلياً، مقعد على طاولة المفاوضات لمدة ثلاث سنوات.

وفي مؤشر إلى وجود نية فعلية لإعادة العلاقات الدبلوماسية قريباً، قال لافروف، الذي ترأّس الوفد التفاوضي، إنّ الجانبين اتفقا أيضاً على ضمان «تعيين سريع» للسفراء لدى كل منهما، علماً أنّ السفير الروسي السابق في الولايات المتحدة، أناتولي أنتونوف، كان قد أنهى فترة عمله في واشنطن العام الماضي، من دون أن يعمد بوتين إلى تعيين بديل منه. وحتى اللحظة، لم يعيّن ترامب سفيراً لبلاده في روسيا، فيما أكّد بوتين أن الأخيرة ستنتظر حتى معرفة «اسم ومنصب الممثل الأميركي القادم، لتعيين من يشارك من جانبها في هذه العملية». وطبقاً للوزير الروسي، فإنّ واشنطن «أعربت عن اهتمامها برفع العقوبات»، وسائر «الحواجز المصطنعة التي تعيق تطوير التعاون الاقتصادي ذي المنفعة المتبادلة بين الطرفين».

وتعقيباً على نتائج اللقاء، نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن كوري شاك، مديرة «دراسات السياسة الخارجية والدفاعية» في «معهد أميركان إنتربرايز» والتي عملت كمساعدة للأمن القومي في عهد الرئيس جورج بوش، قولها إنّ موقف ترامب يشكل «انعكاساً مشيناً لـ80 عاماً من السياسة الخارجية الأميركية».

وبعدما عمد ترامب، في الفترة الماضية، إلى التعامل مع موسكو والحديث عنها وكأنها «صديق» موثوق به، مصوّراً، في المقابل، حلفاءه الأوروبيين على أنهم غير جديرين بالثقة، بدا الكثير من المحللين الغربيين قلقين من المقاربة الأميركية الجديدة، ولا سيما أنّ العديد منهم لا يزالون يؤيدون الاستمرار في التعامل مع روسيا بعقلية الحرب الباردة؛ فعلى سبيل المثال، نقلت «نيويورك تايمز» عن سيليست فالاندر، التي عملت في قضايا روسيا وأوكرانيا خلال توليها منصب مساعدة وزير الدفاع، في عهد الرئيس السابق جو بايدن، قولها إنه «يجب أن نتحدث معهم بنفس الطريقة التي تحدثنا بها مع القادة السوفيات طوال الحرب الباردة، وهو ما يعني أنه لا يجب أن نثق بهم». وتتابع: «عندما تجري مفاوضات، فإنك تجريها مع وجود فرضية أن روسيا ستنتهكها. وعندما تحاول العثور على مصالح متداخلة، يجب الإبقاء على فكرة أنّ مصالحنا الأساسية تتعارض معها، وأننا نحاول إدارة خصم خطير، لا أن نصبح أفضل الأصدقاء معه».

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد