يوسف فارس/ جريدة الأخبار
غزة لن تغيب عن جنازة الشهيد السيد حسن نصرالله. غزة تشيّع شهيدها وفاديها. تشيّع من بقي لعام كامل، يقود معركة الإسناد والتضامن، المعركة الأكثر صدقًا وشرفًا ورجولة وأحقية في التاريخ الحديث. والمعركة الأعلى تكلفة وخسارة أيضًا. سيُحكى الكثير عن "طوفان الأقصى"، وتُقدّم مقاربات ومفارقات شتى، وسيختلف الناس ويتفقون على الجدوى، لكن الجميع يوافقون على أن هذه المعركة وضعت الجميع، عربًا ومسلمين، أحزابًا ودولًا وجماعات، أمام امتحان تاريخي وأخلاقي لا مفر من دفع استحقاقه، اختبار قاس للشعارات والمواقف وحدود الفعل، وفرز حادّ. كما هو إعادة تعريف للعدو والصديق.
وسط محيط عربي وإسلامي متداعِ وعاجز، ستلمع نجوم معدودة في الظلمات، تتوسطها المقاومة الإسلامية في لبنان وفي القلب منها الشهيد السيد. وهذا ما ينتظر غزة غدًا. سيتنهّد الغزيون أو يصمتون، في أبلغ تعبير عن الامتنان والعرفان، بل حتى الشعور بالذنب، وعندما يُذكر الشهيد السيد فإن الموقف سيزداد تعقيدًا، نشعر جميعًا بأننا مدينون لهذا القائد التاريخي الذي قلّ نظيره حتى أعلى شعرة من رؤوسنا، الفلسطينيون بكل أطيافهم وأحزابهم وتوجهاتهم السياسية، سواء من اصطفوا مع خطوة المقاومة في يوم السابع من أكتوبر، أو من انتقدوها، أو من هم على النقيض تمامًا مع المقاومة المسلحة، الجميع يعيش الفراغ والفقد، ليس لأن السيد نصرالله استشهد في معركة عنوانها غزة وفلسطين فقط، واختار أن يمضي بمعركة الإسناد والتضامن مهما كانت الأثمان فقط، بل لأن "زمن نصرالله كان ذهبيًا لفلسطين".
سيتنهد الغزيون أو يصمتون، في أبلغ تعبير عن الامتنان والعرفان، بل حتى الشعور بالذنب، فالجميع يشعر بأنهم مدينون لهذا القائد التاريخي
الناس يقولون جهارًا نهارًا "دعنا مِن ما فعله السيد نصرالله، لأننا قد نكون على خلاف مع طريقة توظيف المقاومة وممارستها في الحالة الفلسطينية (...) دعنا نرَ ما منع إسرائيل من فعله منذ 25 عامًا على الأقل، لقد شكّل حضوره في المشهد الإقليمي والدولي أحد كوابح تمدد المشروع الإسرائيلي في فلسطين والضفة الغربية والمنطقة بأسرها". وهو حال كثيرين من أهل فلسطين، مثل "حماس" و"الجهاد الإسلامي" وبقية الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة، الذين باتوا هم أهل العزاء، لأن "أبا هادي" هو شهيد فلسطين وغزة، وهو القائد الذي واكب المقاومة وقادتها منذ بداية تشكيلها، وتعرّف بهم والتقاهم عن قرب، هؤلاء جميعهم يدركون اليوم حجم الخسارة.
أدمى رحيل السيد قلوب البسطاء وعوام الغزيين، وكسر ظهورهم. كانوا ينتظرون خطبه، كان صوته مطمئنًا دائمًا، السيد حسن هو شهيدنا، شهيد غزة وفلسطين.
كان نقطة الضوء في وسط عتمة الواقع العربي، قائدًا وحيدًا يدافع عن غزة كأنها فناء بيته، يفدي أطفالها بخيرة رجاله وقادته، رجلًا وحيدًا يتآمر عليه العالم كله، ويمضي في طريق النصرة والتضامن إلى النهاية. نصرالله هو حالة عربية وإسلامية فريدة، وتكرر مثلها في حياة الأمم والحضارات البشرية ليس حدثًا سهلًا".
لقد عاش أهل غزة مع "السيد" الحرب يومًا بيوم، وانتظروه خطابًا بعد آخر، راقبوا نبرة صوته، ارتياحه وضحكته ودعابته المحبّبة، ثم عزمه وتحديه وخطابه العالي، عايشوا معه وجع فقد رفاقه شهيدًا بعد آخر، وإيمانه المطلق بحتمية الانتصار، كل ذلك في وقت لم يرفع قائد في العالم كله بطاقة حمراء في وجه إسرائيل.
أهالي غزة يصرخون: أعطونا قائدًا عربيًا واحدًا يربط أمانه الشخصي وأمان أهله ومجتمعه بأمان أهل غزة وأطفالها، أليس هو من قال للعدو: أتعطوننا الأمان وأطفال غزة لا أمان لهم. لذلك لم يدخل السيد حسن التاريخ فقط بهذا الموقف الأخلاقي والرجولي والبطولي، ولكن دخل قلوبنا، ولا منصف يرفض أن نصرالله هو سيد العرب وأشرفهم، وهو شهيد فلسطين وغزة.