شهد العام 2024، ارتفاعًا كبيرًا في العنف الرقمي والمحتوى التحريضي ضد الفلسطينيين من الإسرائيليين، إذ وصل عدد المنشورات التحريضية ضدهم باللغة العبرية إلى 12 مليونا و482 ألف، في انعكاس وتغذية للعنف المادي الذي رافق حرب إبادة الجماعية الإسرائيلية التي استمرت لأكثر من 15 شهرا ضد قطاع غزة.
بيّن تقرير مؤشر العنصرية والتحريض السنوي الصادر عن المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (حملة)، الثلاثاء الماضي، الارتباط الوثيق بين تصاعد خطاب الكراهية رقميًا والتطورات السياسية والعسكرية، إذ شكلت المنشورات الداعية لقتل الفلسطينيين في غزة جزءًا كبيرًا من التحريض الإلكتروني، إلى جانب الصور والمقاطع التي رفعها جنود الاحتلال على المنصات وتوثق ممارساتهم بحق المدنيين.
لكنّه لفت، في الوقت نفسه، إلى أن خطاب الكراهية ضد الفلسطينيين ليس جديدًا، إذ بلغ عدد المنشورات التحريضية بحقهم سبعة ملايين منشور بين يناير/ كانون الثاني وسبتمبر/ أيلول 2023، أي قبل عملية طوفان الأقصى. وركّز "حملة" على منصتي إكس وفيسبوك، ونجح من خلال نموذجه اللغوي في رصد 12 مليونا و482041 منشورًا تحريضيًا باللغة العبرية، بمعدل 23.6 منشورا في الدقيقة، وبلغ إجمالي التفاعلات معها 187 مليونا و226176، بين إعجاب وتعليق وإعادة نشر.
كانت "إكس" مصدرًا للقسم الأكبر من منشورات التحريض والكراهية باللغة العبرية، إذ بلغ عددها أكثر من تسعة ملايين و800 ألف منشور، أي ما نسبته 79%، بالمقارنة مع نحو مليونين و600 ألف منشور على "فيسبوك" (21%). مع العلم أن 37% فقط من المستخدمين "الإسرائيليين" ينشطون على "إكس" في حين تصل نسبة من يملكون حسابات على "فيسبوك" بينهم إلى 87%.
وفقًا لمركز حملة، عكست هذه الأرقام انعدام الرقابة بشكل كامل على المحتوى العبري على المنصة المملوكة للملياردير إيلون ماسك. في الوقت نفسه، حذّر التقرير من خطورة التعديلات التي أدخلتها شركة ميتا مالكة "فيسبوك" على سياسات الإشراف على المحتوى، ومن ضمنها حصر الرقابة بالمحتوى العنيف "شديد الخطورة" فقط، مما يعني أن خطاب الكراهية ضد الفلسطينيين سيستمر بالانتشار.
أشار التقرير إلى أن الدوافع السياسية كانت المحرك الأساسي لخطاب الكراهية باللغة العبرية ضد الفلسطينيين على المنصات الرقمية بنسبة قاربت 70%، تبعها الدوافع العرقية والعنصرية بنسبة 28%، فيما توزعت النسبة الباقية على دوافع جندرية ودينية.
كذلك، نبّه "حملة" إلى أن جزءًا من العنف الرقمي الإسرائيلي موجهٌ تحديدًا إلى الفلسطينيين في مدينة القدس المحتلة، حيث رصد وحلّل 8484 منشورًا يحرض عليهم، من بينها 7480 منشور على "إكس"، مقابل 1004 منشورات على "فيسبوك". هذا الاستهداف للمقدسيين "يعكس دينامكيات القوة في المدينة المحتلة منذ العام 1967"، إذ يصير "العداء الرقمي أداةً للتهميش" و"فرض السيطرة" و"نزع الصفة الإنسانية عن السكان".
تكرّر الأمر في منشورات الشماتة الإسرائيلية بفلسطينيي الداخل ممن قتلوا أو أصيبوا جراء صواريخ أطلقت من غزة ولبنان خلال حرب الإبادة، مع توثيق 9289 منشورًا عبّر فيها مستخدمون إسرائيليون على "فيسبوك" و"إكس" عن فرحهم بمقتل فلسطينيين جرّاء القصف. عكس ذلك، بحسب معدي التقرير، التطبيع السائد في "إسرائيل" مع العنف الرقمي بحق الفلسطينيين، لافتةً إلى أن هذا نموذجٌ عن كيفية تحويل المنصات الرقمية إلى "أداة لشيطنة الضحايا الفلسطينيين وتعميق الشرخ المجتمعي وشرعنة العنف ضدهم".
لفت مركز حملة، في ختام تقريره، إلى أن النتائج تدل على "الحاجة الملحة للتدخل من الحكومات والمجتمع المدني وكبرى شركات التكنولوجيا"، لافتًا إلى أنّ عدم اتخاذ تدابير حاسمة وجذرية سيؤدي إلى استمرار انتشار الكراهية الرقمية وتأجيج العنف.
كما دعا منصات التواصل الاجتماعي إلى تعزيز أنظمتها للإشراف على المحتوى، ومعالجة ظاهرة انتشار المحتوى العنيف باللغة العبرية. كما طالبت "ميتا" و"إكس"، على وجه الخصوص، بإجراء تقييمات مستقلة وعلنية لتأثير هذه المنشورات على حقوق الإنسان، وكذلك إلى تخصيص موارد كافية لتعزيز آليات الرقابة في العبرية. كما دعاهم إلى حوار ممنهج ومنتظم مع المجتمع المدني الفلسطيني لتقييم وتقليل الأضرار.