اوراق خاصة

إيران وضبط النفس إلى ساعة الصفر 

post-img

غنى شريف/ كاتبة من لبنان

على الرغم من امتلاك إيران قوة عسكرية كبيرة؛ لكنها تعرف أن مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة قد تؤدي إلى تداعيات كارثية على المستوى الداخلي والإقليمي. لذلك هي تسعى إلى تعزيز موقعها الإقليمي من خلال سياسة الردع والتحالفات الدبلوماسية، وهذا يتطلب بعض المرونة والقدرة على تجنب التصعيد المفتوح لذلك تتصرف بحذر في مواجهة التهديدات الأمريكية لعدة أسباب تتعلق بالاستراتيجية السياسية والعسكرية.

تاليًا، تتبع إيران استراتيجية "التهديد المتبادل"، وتستثمر في قدراتها العسكرية مثل الصواريخ والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة، اذًا هل تخشى المواجهة المباشرة مع أميركا ؟

إيران لا "تخشى" الولايات المتحدة، بشكل مباشر، فهي تدرك تمامًا القوة العسكرية والاقتصادية الأمريكية وتأثيرها الكبير على الساحة الدولية. لذلك، هي حذرة في التعامل مع التهديدات الأمريكية،  وتستخدم أساليب مختلفة لموازنة هذا التحدي، متبنية استراتيجية الردع، وتسعى لامتلاك قدرات عسكرية قادرة على تهديد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. 

على سبيل المثال، قامت بتطوير الصواريخ الباليستية  وأسلحة تعتمد على البلازما، مثل الأسلحة الطاقية أو أشعة البلازما،  وتقوم بدعم القدرات العسكرية غير التقليدية من خلال دعم الأحزاب المقاومة للصراع العربي الإسرائيلي مثل "حزب الله" و"أنصار الله" و الحشد الشعبي". أضف الى ذلك، أساليب الدبلوماسية والعلاقات الدولية لتقليل التأثير الأمريكي، سواء عبر تحالفات مع دول مثل روسيا والصين، أو عبر تعزيز موقفها في مفاوضات نووية مع القوى الكبرى. تاليًا، إيران لا تخشى الولايات المتحدة بمعنى الخوف التقليدي، لكنها تدرك القوة الأمريكية وتعمل على حماية مصالحها واستقرارها في ظل هذه التحديات.

هل ستخوض إيران حربًا مباشرة مع أميركا ؟

على الرغم من التوترات المستمرة والاستفزازات التي تمارسها الولايات المتحدة ضد إيران؛ فمن غير المرجح أن تخوض إيران حربًا مباشرة مع الولايات المتحدة في الوقت الحالي. فهي تدرك تمامًا التحديات الكبيرة التي ستترتب على حرب مباشرة مع قوة عظمى مثل الولايات المتحدة ، لكنها تواجه تهديدات أميركا عبر استراتيجية الردع والتصعيد المحدود باستخدام الوسائل غير المباشرة، مثل توجيه ضربات عسكرية عبر حلفائها في المنطقة أو من خلال استعراض قوتها العسكرية في البحر أو عبر الهجمات السبرانية، أو عبر السياسة الدبلوماسية والتحالفات الإقليمية لتقوية موقفها. وإيران تسعى إلى تجنب حرب شاملة مع الولايات المتحدة؟ نعم، لأنها لا تريد حربا لا تسعى إليها خاصة في ظل معرفتها بأن مثل هذه الحرب ستؤثر سلبًا على أمنها الوطني واقتصادها، لكنها قد تستمر في التصعيد بشكل تدريجي أو عبر "حروب بالوكالة" مع القوى الإقليمية إذا ما فرضت عليها.

هل ستقف روسيا الى جانب إيران في الصراع الأميركي- الإيراني ؟

روسيا تدعم إيران، بشكل عام، في قضايا استراتيجية ودبلوماسية، خاصة في ما يتعلق بالأمن الإقليمي والاقتصادي، لكنها في الوقت ذاته تحتفظ بعلاقات مع الولايات المتحدة في العديد من الملفات الدولية. لذلك؛ موقف روسيا في حال نشوب حرب بين إيران وأميركا سيكون معقدًا، ويعتمد على العديد من العوامل:

١- التحالف الجيوسياسي : إيران وروسيا تتعاونان في العديد من الملفات الإقليمية، لكن  في سوريا حيث كانتا تدعمان الحكومة السورية في مواجهة المعارضة المدعومة من الغرب؛ ففي تسارع مفاجئ للاحداث سقط النظام السوري ولا دليل قاطع حتى الآن عما اذا كانت روسيا قد تخلت عن هذا التحالف من أجل مصالحها الخاصة وسلمت سوريا التي تعدّ منطقة استراتيجية مهمة في ظل الصراع العربي الإسرائيلي من أجل إنهاء حربه على أوكرانيا. وروسيا لا ترغب في التصعيد المباشر مع الولايات المتحدة، خصوصًا في ظل التوترات في أوكرانيا وأماكن أخرى. تدخلها في حرب مفتوحة ضد الولايات المتحدة قد يفاقم الأوضاع العالمية ويؤثر سلبًا على مصالحها، وهنا يدخل عنصر التوازن الدولي.

2. الاقتصاد والطاقة: إيران وروسيا تتبادلان المصالح الاقتصادية خاصة في قطاع الطاقة والتجارة، وتعملان معًا لتخفيف آثار العقوبات الغربية.

3. الرد على النفوذ الأمريكي: روسيا ترى في دعم إيران وسيلة لمواجهة الهيمنة الأمريكية في غرب آسيا (الشرق الأوسط) خاصة أن روسيا ترى الولايات المتحدة خصمًا استراتيجيًا.

هذا كان قبل سقوط سوريا، ولكن بعد تغيير النظام في سوريا قد تكون روسيا قد ذهبت إلى استراتيجية جديدة في إدارة الصراع مع أميركا في منطقة غرب آسيا (الشرق الاوسط). اذًا هناك عدة عوامل قد تجعل روسيا مترددة في التصعيد ضد اميركا ففي الحسابات العسكرية, وعلى الرغم من دعمها لإيران، قد تدرك روسيا أن الحرب بين إيران وأمريكا ستكون مكلفة جدًا، وقد تؤدي إلى تداعيات خطيرة على الأمنين الإقليمي والدولي، وروسيا تسعى إلى لحفاظ على علاقات متوازنة مع دول أخرى في المنطقة، بما في ذلك دول الخليج مثل السعودية التي قد تكون في مواجهة مباشرة مع إيران في سياقات معينة.

من المرجح أن روسيا قد تسعى إلى تجنب التصعيد المفتوح أو الدخول في حرب مباشرة، خاصة إذا كانت الحرب ستؤثر سلبًا على مصالحها الاستراتيجية في مناطق أخرى.

يبقى أن سياسة ضبط النفس الإيرانية إزاء التهديدات الاميركية تبقى رهنا بما يقرره مجنون البيت الأبيض، وعما إذا فرض على إيران حربًا مفتوحة؛ والتي صرحت أنها مستعدة لمواجهة أي عدوان عليها، ولكنها لن تكون من يبدأ الحرب.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد