هتاف دهام (لبنان 24)
في ضربة هي الثالثة من نوعها منذ وقف إطلاق النار، نفذت مسيّرة "إسرائيلية" غارة استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت في تطوّر خطير يأتي في موازاة المفاوضات الدولية المرتبطة بالملف النووي الإيراني، ما يعكس أبعادًا تتجاوز الساحة اللبنانية.
وفور إطلاق "إسرائيل" تهديدها بشن ضربات على الضاحية، تحرك رئيس الجمهورية العماد جوزف عون دبلوماسيًا، حيث أجرى اتّصالات مكثفة مع جهات دولية عدة، من بينها لجنة مراقبة تنفيذ القرار 1701 التابعة للأمم المتحدة، مطالبًا بالضغط على "إسرائيل" لمنع تنفيذ عدوانها. ويشير حراك الرئيس عون على الصعيد الدبلوماسي إلى محاولاته لتوظيف العلاقات الدولية مع الأمم المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة لوقف التصعيد. غير أن عدم استجابة لنداءاته يعكس التحديات التي يواجهها لبنان في الحصول على دعم فعال من الدول المؤثرة، وهو ما دفع الرئيس عون إلى تحميل كلّ من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا كضامنين لتفاهم وقف الأعمال العدائية مسؤولية ما حصل خاصة بعدما نقلت إذاعة العدوّ جيش
وفي قراءة للأبعاد السياسية للعملية، كشفت مصادر سياسية أن الضربات الإسرائيلية الأخيرة على الضاحية الجنوبية تحمل رسائل سياسية مدروسة تسعى "إسرائيل" إلى إيصالها في هذا التوقيت الدقيق.
وبحسب المصادر، فإن أبرز هذه الرسائل يتمثل في السعي لعرقلة مسار المفاوضات الجارية بين واشطن وطهران، خصوصًا أن أي تقدم في هذا المسار قد يعتبر انتكاسة إستراتيجية ل"إسرائيل"، التي ترى في أي اتفاق يخفف الضغط عن إيران تهديدًا لمصالحها الإقليمية. من هذا المنطلق، تسعى "تل أبيب" إلى التصعيد المحدود لتحريك المياه الراكدة وإدخال عنصر التوّتر إلى المشهد التفاوضي.
أما الرسالة الثانية، فتتمثل في محاولات "إسرائيلية" حثيثة لتأليب الداخل اللبناني ضدّ حزب الله، عبر تقديم الحزب كعامل تهديد مباشر للاستقرار والأمن الوطني. ووفق تقديرات المصادر، تسعى "إسرائيل" إلى استثمار الضائقة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها اللبنانيون، لتكريس سردية أن وجود سلاح حزب الله هو الذي يستدرج الاعتداءات ويمنع قيام دولة قوية وقادرة.
وحذرت المصادر من أن استمرار هذه الضربات التحذيرية، رغم طابعها المحدود عسكريًا، قد لا يبقى محصورًا في إطار الرسائل السياسية. بل قد يكون تمهيدًا لإرساء قواعد اشتباك جديدة، يكون فيها أي تحرك لحزب الله، حتّى لو كان دفاعيا، مبررًا لتصعيد أكبر من قبل "إسرائيل".
وفي هذا السياق، شددت المصادر على أن المرحلة الحالية تتطلب يقظة قصوى وحسابات دقيقة، لأن أي خطأ في التقدير، أو أي تصعيد غير محسوب، قد يقود إلى منزلقات خطيرة تهدّد بانهيار التوازنات الهشة القائمة حاليًا. وأكدت أن موقف الثنائي الشيعي، في ضوء هذه المعطيات، يقوم على اعتماد سياسة "الصبر الإستراتيجي" مع إبقاء كلّ الخيارات مفتوحة، مع حرص بالغ على عدم منح "إسرائيل" فرصة لتحقيق أهدافها السياسية عبر استدراج ردود أفعال متسرعة.
على خط موازٍ، تشهد الكواليس السياسية حراكًا لإعادة إطلاق الحوار الوطني حول الإستراتيجية الدفاعية، من أجل نزع الذرائع من يد "إسرائيل". وفي هذا السياق، فإن رئيس الجمهورية أبدى استعدادًا لفتح باب الحوار مع حزب الله بشأن مسألة السلاح، إلا أن الحزب لم يحسم قراره بعد بشأن الدخول في حوار فعلي أو وضع جدول زمني واضح لهذا الغرض.
وبينما أشارت مصادر متابعة إلى أن رئيس مجلس النواب نبيه بري قد يلعب دورًا محوريًا في تهيئة الأرضية للحوار، أكدت أوساط مقربة من الحزب أنه لا يوجد حتّى اللحظة أي اتفاق مع الرئيس عون حول آلية زمنية محدّدة لإطلاق الحوار. مع ذلك، تسود أجواء حذرة داخل مجلس الوزراء، حيث سجل إجماع شبه كامل على مبدأ حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، ولم تظهر أي أصوات معارضة لهذا الطرح خلال الجلسات الحكومية الأخيرة، ما يعكس توجهًا عامًا نحو محاولة معالجة هذا الملف الشائك بطريقة مدروسة وسلمية.
وفي السياق كان رئيس مجلس النواب أعلن "أننا لن نسلّم السلاح الآن قبل تنفيذ الشروط المطلوبة من "إسرائيل" فسلاحنا هو أوراقنا التي لن نتخلّى عنها بلا تطبيق فعليّ لاتّفاق وقف النار والذهاب إلى حوار في مصيره"، وإذ أكد تأييده للحوار بين رئيس الجمهورية وحزب الله، أعرب عن ارتياحه إلى تمسّك عون بمواصفاته وشروطه.
وتقول الأوساط السياسية أن كلام بري يمثل رسالة تدل على أن السلاح لدى حزب الله يعتبر من أوراق القوّة التي لن يتم التخلي عنها بسهولة، وأنه يشترط تحقيق شروط معينة على الأرض قبل اتّخاذ أي خطوات لتقليص أو نزع السلاح. بذلك، يتبنى بري سياسة تحرص على ضمان الاستقرار والأمن، في إطار تطبيق فعلي للاتفاقات السابقة وتحقيق نتائج ملموسة على المستويين السياسي والأمني، إضافة إلى ذلك، فإن تأكيد الرئيس بري دعمه للحوار بين رئيس الجمهورية وحزب الله يعكس، بحسب الأوساط، توافقًا في الآراء بينه وبين عون في ما يتعلق بضرورة المضي في الحوار، فارتياحه لتمسك عون بشروطه يظهر انسجامًا بين الجانبين في النظر إلى سبل معالجة هذا الملف الشائك.