حمزة البشتاوي/جريدة الأخبار
في جلسة دعم نفسي مع مجموعة من الأطفال في غزة، سألهم الاختصاصي في مجال الصحة النفسية عن أمنياتهم وأحلامهم، فقالوا إنهم يتمنون تناول المقلوبة والملوخية والكفتة والأرزّ بالدجاج. هذا ما أصبحت عليه أحلام وأمنيات الأطفال في غزة بسبب الحرب التي جعلت أحلامهم مرتبطة بالحصول على الطعام بعد أن زاد كثيرًا جوعهم وحزنهم الطافح بالقهر والخذلان.
باتت الأوضاع الحالية في قطاع غزة أكثر من كارثية بعد استئناف جيش الاحتلال الإسرائيلي الحرب في 18 آذار الماضي، وعدم السماح بدخول أي مساعدات غذائية، ما أدّى إلى توقف «الأونروا» وغيرها من المؤسسات الأهلية عن توزيع الطعام والطرود الغذائية، وإغلاق الأفران والكثير من المطابخ بسبب عدم توفر المواد اللازمة والمياه الصالحة للشرب، وبذلك أصبح الكثير من الأطفال في غزة لا يجدون ما يأكلون بعد أن تصاعدت حدة المجاعة التي دفعت جهات إغاثية وحقوقية إلى إطلاق التحذيرات من خطورة الوضع الحالي باعتباره الأسوأ منذ بداية الحرب، وسط تسجيل حالات وفاة بين الأطفال والمرضى وكبار السن نتيجة سوء التغذية الحاد.
بعد أن نفد مخزون الغذاء لدى وكالة «الأونروا» وبرنامج الغذاء العالمي والوكالات الأخرى، أصبح نحو مليون إنسان في غزة، وفق بيان لوزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا، معرضين لخطر الموت بسبب المجاعة، كما سجّل موت 50 طفلًا، وفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، وهناك الكثير من الأطفال قد تغيّر وزنهم وأصيبوا بأمراض خطيرة ناتجة عن تناول علف الحيوانات.
هذا؛ وبينما تلاحق الطائرات الحربية الإسرائيلية كل من يحاول طبخ الطعام للجياع في غزة، فإن الأطفال ما زالوا يكافحون من أجل الحصول على الطعام، وممارسة اللعب والضحك رغم غياب الأمن والأمان وأوجاع الخيام، ويتمنون انتهاء الحرب والعودة إلى المدرسة والدار، لكن الأمنية الأكثر أولوية وإلحاحًا هي الحصول على وجبة ولو رديئة من الطعام.
مع أن الأطفال في غزة قد تعبت صدورهم من إشعال الحطب بسبب عدم توفر الغاز، وأصيبوا باضطرابات نفسية عميقة تشمل الكوابيس وصعوبة النوم والقلق، فإن ما يدمي قلوبهم هو استمرار الصمت العربي تجاه حرب الإبادة والتجويع التي دفعت منظمة آباء ضد الاعتقال الإسرائيلية للتحرك ضد سياسة التجويع والحرمان من الماء والدواء، والخروج بتظاهرة حمل المشاركون فيها أواني طعام فارغة في إشارة إلى سياسة التجويع التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.
أطفال غزة الذين ذبلت أجسادهم ويقتلهم القصف في الخيام والجوع في كل مكان يعرفون أن الكلام لا يطعم جائعًا، لكنهم يتمنّون من أصحاب السماحة في دور الإفتاء وأصحاب السادة الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية والوحدة الأفريقية و«الأوبك» وصندوق النقد العربي والاتحاد العربي للشطرنج... أن يكونوا كالأطفال في تضامنهم، خاصة على صعيد المشاعر والأحاسيس وطرح الأسئلة البريئة حول الحق والعدل والحرمان، وأن يعملوا بشكل بطولي ويقوموا بتحريك حاملات عبوات المياه الصالحة للشرب وصواريخ اللبنة والجبنة الخفيفة والفلافل والشاورما الثقيلة بمواجهة حرب التجويع والإبادة الإسرائيلية خاصة ضد الأطفال في قطاع غزة. وهذا ما يمكن أن يشير أو يؤكد أمام مرآة الحقيقة مسألة ضعف أو قوة الإيمان والانتماء إلى القيم والمفاهيم الأخلاقية والإنسانية.