فادي الحاج حسن / كاتب وباحث لبناني
في صباح يوم 25 أيار 2000، استيقظ جنوب لبنان على فجر جديد، فجر التحرير الذي طال انتظاره، حيث اندحر الاحتلال الإسرائيلي بعد أكثر من عقدين من الظلم والاحتلال.
كان ذلك اليوم عيدًا للكرامة والحرية، يوم تجسدت فيه إرادة شعب لا يقهر، شعب صمد في وجه العدوان ورفض الاستسلام، ليعلن للعالم أن الأرض ليست للبيع، وأن المقاومة هي الطريق الوحيد للكرامة والبقاء. كان ذلك اليوم نقطة تحوّل تاريخية، لم تكن مجرد نهاية لاحتلال، أيضًا هي بداية عهد جديد من الصمود والأمل، ليس لأهل الجنوب فقط، لكل لبنان، لكل الوطن الذي تنفس الصعداء مع عودة أرضه إلى أحضانه.
في هذا اليوم المجيد، لم يكن الانسحاب مجرد حركة عسكرية، كان انتصارًا لشعب قاوم بصبر وثبات، وانتصر بدماء الشهداء وتضحيات المقاومين الذين حملوا راية الوطن عاليًا. فتح الأهالي أبواب معتقل الخيام، محررين الأسرى، مؤكدين أن النصر تحقق بجهود الجميع، من مقاتلين وأهالي، في ملحمة وطنية استثنائية.
لم يكن الانتصار هبة أو صدفة، كان ثمرة صمود طويل، وإيمانًا راسخًا بأن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع، وأن الأرض التي تُحب تُدافع عنها مهما كلف الأمر.
كانت مشاعر الفرح والاعتزاز تغمر قلوب أهل الجنوب الذين عانوا سنوات طويلة من الاحتلال، من القصف والحصار، من فقدان الأحبة ومن التشريد. لقد كان التحرير بالنسبة إليهم أكثر من مجرد استعادة أراضٍ، كان استعادة للكرامة والهوية، كان بداية لاستعادة الحياة التي سلبها الاحتلال.
في كل قرية وبلدة، كان الأطفال يركضون في الشوارع بحرية، لأول مرة منذ سنوات، وكانت النساء تزرعن الأرض بيدهن، وكأنهن يزرعن الأمل في كل حبة تراب.
في كل بيت لبناني، كان هناك من يتابع بشغف أخبار التحرير، كان هناك من يذرف الدموع فرحًا، ومن يرفع الصوت بالدعاء للمقاومين الذين ضحوا بأرواحهم من أجل هذا اليوم. كان التحرير انتصارًا للوطن كله، رسالة لكل اللبنانيين بأن الوحدة والصمود هما السبيل الوحيد لمواجهة الظلم والاحتلال.
في مناسبة هذا العيد الوطني، قال الشهيد سماحة السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، في 25 أيار 2016: «التحرير مدرسة عظيمة تعلّم الأجيال كيف تواجه التحديات، وكيف تصنع النصر بالإرادة والصبر والتضحية». كلمات السيد نصر الله تجسد حقيقة أن التحرير ليس حدثًا عابرًا، هو منارة تستنير بها الأجيال، وتستمد منها قوتها في مواجهة كل محاولات الاحتلال والعدوان. هذه الكلمات ليست مجرد كلمات عابرة، هي خلاصة تجربة نضالية طويلة، تجربة شعب لم يرضخ للظلم، شعب اختار المقاومة طريقًا للكرامة.
الانتخابات البلدية تجدّد الصوت للمقاومة
اليوم، في ظل الانتخابات البلدية التي تجري في جنوب لبنان، يختار الأهالي ممثليهم في استفتاء شعبي يؤكد تمسكهم بخيار المقاومة نهج حياة وأمان..الذي دفعوا ثمنه غاليًا حى حصلوا على التحرير في الخامس والعشرين من أيار في العام 2000.
اللوائح التي تدعم المقاومة تحقق نجاحات واسعة، تعكس إصرار الناس على الاستمرار في مواجهة الاحتلال والظلم، وعلى حماية الأرض والكرامة. هذه الانتخابات ليست مجرد تنافس سياسي، هي تجديد للعهد مع المقاومة، واستمرارية لمسيرة التحرير التي بدأت حتى قبل 25 أيار 2000.
إن النصر الذي تحقق في التحرير هو شهادة على قدرة الشعب اللبناني على الصمود، واليوم في صناديق الاقتراع تثبت أن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع. والانتخابات البلدية والاختيارية اليوم تؤكد أن هذه الإرادة ما تزال حية، وأن المقاومة ليست خيارًا مؤقتًا، هي الطريق الذي يضمن للأجيال القادمة الأمان والاستقرار في وطنهم. في كل زاوية من جنوب لبنان، في كل بلدة وقرية، ينبض القلب بالاعتزاز بهذا النصر، وبالالتزام بمسيرة المقاومة التي تحمي الأرض وتردع العدوان.
تلك المشاعر الوطنية التي اجتاحت الجنوب في يوم التحرير، ما تزال حية في قلوب الأهالي، تتجدد مع كل استحقاق انتخابي، مع كل تحدٍ يواجهه الوطن.. فكل صوت يُعطى للمقاومة في الانتخابات هو رسالة واضحة بأن الشعب يرفض التخلي عن خيار الدفاع عن الأرض، وأنه يرفض الاستسلام للضغوط والتهديدات. هذا الاستفتاء الشعبي هو تعبير عن أمل متجدد في مستقبل أفضل، مستقبل يضمن للبنان الحرية والكرامة والازدهار.
إن الجنوب المحرر، اليوم، يعيش الفخر والاعتزاز، لكنه أيضًا يعيش اليقظة والمسؤولية. النصر الذي تحقق ليس نهاية الطريق، هو بداية لمهمة أكبر، مهمة الحفاظ على هذا الإنجاز العظيم، مهمة بناء وطن قوي قادر على مواجهة التحديات كلها.
هذا ما يجعل الانتخابات البلدية في الجنوب أكثر من مجرد انتخابات، فهي تعبير عن إرادة شعب يريد أن يحمي أرضه، ويريد أن يبني مستقبله على أسس المقاومة والصمود.
كما قال الشهيد السيد حسن نصر الله إن التحرير هو مدرسة تعلّمنا كيف ننتصر، والانتخابات الشعبية هي الدليل الحي على أن هذه المدرسة مستمرة، وأن إرادة الشعب اللبناني لا تنكسر مهما اشتدت التحديات. هذه الكلمات تلخص روح الجنوب اليوم، روح وطن لا يرضى بالذل ولا بالاحتلال، وطن يكتب بدمائه قصة النصر والكرامة، قصة لا تنتهي.
في الختام، إن عيد المقاومة والتحرير ليس فقط ذكرى تاريخية، هو نبراس يضيء درب الأجيال القادمة، وهو تذكير دائم بأن الحرية تستحق أن تُدافع عنها بكل ما نملك. والانتخابات البلدية الحالية في جنوب لبنان هي تجسيد حي لهذا العهد، عهد المقاومة والصمود، عهد الأمل في وطن يعيش فيه الإنسان بحرية وكرامة وأمان.
هذا هو لبنان المقاوم، لبنان الأمل، لبنان الذي لا يرضى بالذل ولا بالاحتلال، لبنان الذي يكتب بدمائه قصة النصر والكرامة، قصة تستمر مع كل جيل، قصة تستمر مع كل صوت انتخابي يؤكد أن المقاومة هي الخيار الوحيد للبقاء والحرية.