اوراق خاصة

ملامح "الشرق الأوسط الجديد".. من يمنع الترسيم ؟

post-img

إيهاب شوقي/ كاتب من مصر

مع تعجل مجرم الحرب بنيامين نتنياهو في إعلان النصر وتغيير وجه المنطقة، ورفعه لخرائط "الشرق الأوسط الجديد"، ومع زيارة الرئيس الأمريكي ترامب الأخيرة إلى دول الخليج وما ظهر فيها من اندفاعة خليجية لدعم الخزينة الأمريكية التي تموّل حرب إبادة الصهيونية للشعب الفلسطيني، وتجاهل ترامب للقاء الرئيس المصري والملك الأردني، تتضح ملامح الخطط الأمريكية والصهيونية وفقًا للنوايا المبيتة، وهو ما يحتاج إلى قراءة متأنية في جوهر هذه الخطط ومضمونها.

بشكل مباشر؛ يتضح جليًا أن هناك دفعًا لتغيير مركز الثقل الاستراتيجي في الإقليم، بعيدًا عن الدول المركزية ذات الجيوش الكبرى تقليديًا، مثل مصر والعراق وسوريا، وباتجاه دول النفط. وهذا ما كرّسه، بشكل فاضح، تجاهل ترامب للقاء الرئيس المصري وحرصه على لقاء الوجه الجديد لسوريا وتدشين علاقة جديدة عنوانها "التدجين والتبعية"، وختم ذلك بتجاهل حضور من التفوا حوله في قمة بغداد التي أتى تمثيلها ضعيفًا، وتركها خاوية.

قبل الخوض في قراءة مضامين الخطط الأمريكية والصهيونية، ينبغي القول إن الحرب ما تزال قائمة، ولم تضع أوزارها. وطالما هناك صمود لقوى المقاومة وعدم تنازل عن الثوابت، فالمعركة التي عنوانها الرئيس هو الإرادة، لن تنتهي إلّا باستسلام أحد الطرفين بعد نفاذ مخزون إرادته.

هذا الصمود يتمثل باستمرار فصائل المقاومة الفلسطينية في التمسك بخيار المقاومة ورفض الاستسلام إالقاء الراية. ويتمثل بالإسناد اليمني الذي شكّل مفاجأة استراتيجية كبرى أفسدت خطط الانفراد بغزة، ويتمثل بصمود حزب الله وتمسكه بسلاحه وثوابته وإعلانه الجهوزية الدائمة والاحتفاظ بحق المقاومة وشرعيتها، في التوقيت الذي يراه ملائمًا من دون هدنة تطمئن العدو أو تنازل يغيّر المعادلات.

أما بخصوص ما يُحاك من خطط لتغيير وجه منطقة غرب آسيا، والذي يستخدمون المصطلح الإمبريالي "الشرق الأوسط" للتعبير عنه، فكلّها تتمحور في مشروع "الشرق الأوسط الكبير" الذي طُرح في مارس/أذار من العام 2004. وذلك في بحث نشرته "مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي"، في جزء من الأعمال التحضيرية التي قامت بها إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش (الابن) وقدمها إلى مجموعة الثمانية، في مبادرة تحمل مسمّى "مشروع الشرق الأوسط الكبير"، وقدم له ركائز وأهدافًا رئيسة تمثلت بثلاث نقاط أساسية؛ وهي:

أولًا: إعادة تشكيل أوضاع المنطقة وترتيبها كي تقبل النموذج الليبرالي عبر الديمقراطية الغربية.

ثانيًا: تهيئة المنطقة للعولمة، وهيمنة الشركات الأمريكية والأوروبية العابرة للقارات على اقتصاد المنطقة.

ثالثًا: دمج "دولة إسرائيل" في العالم العربي في "كيان شرق أوسطي" من خلال التطبيع.

منذ ذاك الوقت؛ يُشار إلى مستقبل "الشرق الأوسط الكبير" باسم "الشرق الأوسط الجديد"، وهو ما جاء على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق كوندوليزا رايس، والتي عرضت رؤية إدارة الرئيس بوش لمستقبل المنطقة في المرحلة الثانية في يونيو/حزيران 2006 في مدينة دبي الإماراتية. وقالت "رايس" إن ذلك سيتمّ من خلال "الفوضى الخلاقة"، وهي عبارة كررتها بعد بضعة أسابيع في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس وزراء العدو الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، عندما اندلعت حرب لبنان في العام 2006.

هناك اتفاق، بين جميع الفرقاء، على أن انتصار المقاومة الإسلامية في حرب تموز العام 2006 أوقف هذا المشروع، لأنه أجهض التمدد الصهيوني وخلق معادلات ردع ووفّر الحماية للقضية الفلسطينية عبر إلهاماته وطمأنته لفصائل المقاومة، وهزّ هيبة الجيش الصهيوني وقواته البرية ودباباته، وأعلن وجودًا عمليًا لمحور للمقاومة بإمكانه، بتضافره وتنسيقه، إفشال أهداف العدو وتحقيق النصر الاستراتيجي.

مع معركة "طوفان الأقصى"، وتحت ذريعة تهديد وجوده، انطلق الكيان بقيادة أميركا ودعمها وتمويلها لحرب إبادة وتصفية للقضية، وبهدف غير معلن هو الحرب الشاملة على "محور المقاومة" واعادة الكرة لتشكيل "الشرق الأوسط الجديد"، وهذا ما فضحه نتنياهو بخرائطه، وما فضحه ترامب بإعلانه الرغبة في امتلاك غزة وربطها بالمشروع الجيوستراتيجي الأمريكي.

لقد أوضح شمعون بيريز الرئيس الأسبق للكيان، في نهاية كتابه "الشرق الأوسط الجديد" وفي الفصول الأخيرة منه التي حملت عناوين: عالم الغد، الكونفدرالية، مشكلة اللاجئين، مضمون المخطط، حين تحدث عن "الصورة المشرقة للشرق الأوسط" في أبهى تجلياتها: مع السكان المسالمين والجيران الطيبين والناس يتنقلون وكذلك البضائع بلا أي قيود، وانسياب لرؤوس الأموال والطاقة، من دون التوقف عند قضايا غير جوهرية - وفقًا لوصفه- مثل الدولة الفلسطينية؛ التي يمكن أن تضم الأراضي التي تسكنها الكتلة الكبرى من الفلسطينيين إلى الأردن  مع ضمان حرية التنقل بين بلدان المنطقة ما يفقد الحدود أهميتها، ومع تمتع السكان بامتيازات متساوية.

مؤخرًا، وبشكل أكثر صراحة وفجاجة، نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية مقالاً بعنوان "البناؤون ضد المدمرين: لماذا رفض الشرق الأوسط الجديد نهاية العالم؟"، كتبه آدم سكوت بيلوس. وجاء في المقال فقرة؛ تقول ما نصه: "اليوم، يتّحد اليهود والعرب، ليس لتدمير بعضهم البعض، بل لبناء مستقبل أفضل. إنهم يُقيمون شراكات لا تستند إلى المظالم، بل إلى البقاء المتبادل والطموح المشترك. الشرق الأوسط الجديد آخذ في الصعود، وقد تبلور ظهوره في أحد أحلك الأيام في التاريخ الحديث".

كما يرى الكاتب أن أساس هذه الرؤية وُضع في "الاتفاقيات الإبراهيمية"، حين طبّعت "إسرائيل" علاقاتها مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، وأن ما يُطلق عليه البعض "حلف الناتو الشرق أوسطي" يُشار إليه الآن علنًا من قيادة العدو الإسرائيلية باسم "تحالف إبراهام". في هذا الهيكل الأمني الإقليمي الجديد، يُفهم الهجوم على إحدى هذه الدول على أنه هجوم على الجميع.

في هذا السياق؛ تتضح معالم هذا "الشرق الأوسط الجديد" وفقا للمخطط الأمريكي الصهيوني، وذلك باستبدال الهوية العربية والإسلامية، بما تحمله من أبعاد قومية تقود إلى تحالفات في الأمن الجماعي وحماية الحقوق والثوابت، بهوية "شرق أوسطيّة" تحمل أبعادًا اقتصاديّة تقود إلى مظلة أمن جماعي مختلفة تحمي المنخرطين في المشروع، وخاصة مركزه الرئيس واللوجستي المتمثل بالكيان الصهيوني.

عند ذلك؛ ينتقل مركز الثقل من الجيوش العربية إلى صناديق الاستثمار الخليجية، وتنتقل الممرات الاستراتيجية، مثل قناة السويس، إلى ممرات أخرى، مثل قناة "بن غوريون" المخطط شقها في وادي غزة بعد الاحتلال الكامل الذي تسعى له خطة "عربات جدعون" لربطها بالممر الهندي.

نخلص إلى حقيقة كبرى ومفارقة تاريخية، وهي أن المقاومة وجبهاتها هي التي تقف منفردة لصد هذا المخطط، وأن الدول المركزية ذات الجيوش الكبرى تحتمي بالمقاومة، من دون أن تجرؤ على دعمها علنا، ولا يوجد سبيل أمام هذه الدول المركزية إلّا التحالف والاتحاد مع المقاومة لحماية نفسها ومراكزها، حتى وإن كانت لا تريد ممارسة دورها التاريخي وتكليفها وواجبها القومي.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد