علي سفر/ العربي الجديد
تحضر أدوات ووسائل جديدة لاستعادة حقوق الأمم التي لم تحتل السلطات الاستعمارية أرضها فقط، بل ما تزال تحاول الاستيلاء على تراثها الحضاري، حيث تسعى مؤسسات ثقافية دولية، وعلى رأسها منظمة اليونسكو، لتكريس هذه الأدوات في اليوم الدولي للشعوب الأصلية الذي يحل في التاسع من الشهر الجاري.
بالنظر إلى الاستهداف المستمر للذاكرة الفلسطينية، فإن التوقف عند مدلولات المناسبة يرتبط بضرورة استعادة الفلسطينيين في نضالهم من أجل الاستقلال، لتاريخهم المنهوب ومواجهة سياسات إسرائيلية ممنهجة، موثقة، للتحكم بالرواية التاريخية. وضمن هذا المسار، اعتمدت لجنة التراث العالمي في "اليونسكو"، خلال دورتها الـ47 التي عقدت في باريس الشهر الفائت، أربعة قرارات مهمة بالإجماع لصالح المواقع الفلسطينية المدرجة على قائمة التراث العالمي المهدد للخطر، وهي: القدس القديمة وأسوارها، والبلدة القديمة في الخليل، ودير القديس هيلاريون في غزة، وموقع بتير جنوب غربي القدس.
في هذا العام، اختارت الأمم المتحدة أن تكون "علاقة الشعوب الأصلية بالذكاء الصناعي في إطار صون الحقوق وبناء المستقبل"، محورًا عامًا للاجتماعات التي ستُجرى بتاريخ الثامن من أغسطس/ آب، وأشارت إلى أن استخدام بعض ممن يعملون في صفوف القوى المستبدة تطبيقات الذكاء الصناعي في هذه الآونة بات يتوجه نحو "ترسيخ الصور النمطية، والإقصاء، وتحريف صورة الشعوب الأصلية".
إنشاء أنظمة قراءة آلية للنصوص التاريخية المتعلقة بفلسطين
السؤال عما يمكن للقوى الفاعلة ثقافيًا ومعرفيًا أن تفعله في ضوء مواجهة كارثة الإبادة المزدوجة، وعبر أدوات متطورة تكنولوجيًا، يحتاج إلى أجوبة ذات ديناميكيات واقعية، إذ لم تعد الأدوات التواصلية التقليدية كافية وحدها من أجل الثبات في المعركة، بل إن الحالة تحتاج للتوسع من خلال كل الممكنات، بما أن التشكيك بالوجود الفلسطيني بات يحوم حول أصلانية وجوده على أرضه المحتلة.
تطبيقات الذكاء الصناعي باتت توفر إمكانات تفيد في استعادة ونشر واسعين للتراث، إذ يمكن استخدام التحقق الذكي من المعلومات في رصد الروايات المزورة حول تاريخ فلسطين وتفنيدها، واستعادة الوثائق المفقودة عبر البحث الرقمي في أرشيفات عالمية (عبر التعلم العميق) لاستخراج مواد عن الهوية الفلسطينية كانت مشتتة أو مخفية.
في سبيل رقمنة الوثائق والمخطوطات، يمكن إنشاء أنظمة قراءة آلية للنصوص التاريخية العثمانية والإنكليزية والعبرية المتعلقة بفلسطين، لتحويلها إلى أرشيف رقمي متاح للجميع. كذلك يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لترميم الصور الفوتوغرافية القديمة للأماكن والمناسبات الفلسطينية المتضررة أو المفقودة، وأيضًا حفظ الموسيقى والفنون الشعبية من خلال آليات تحليل الصوت، بما يسمح بتدريب نماذج للتعرف إلى الأنماط الموسيقية في الدبكة والأغاني الشعبية وتوليد مقطوعات مشابهة تساعد في إحيائها، وبناء مكتبة ذكاء صناعي للفنون الفلسطينية (ألحان، أناشيد، مقامات) مفتوحة للباحثين والفنانين.
في سياق مواجهة حرب الاستيلاء على الأرض الفلسطينية، وكذلك التوثيق المكاني للتراث المهدد، بات من المهم رسم خرائط تفاعلية عبر (نظم المعلومات الجغرافية) والذكاء الصناعي لرسم خرائط القرى المدمرة أو المهددة، حيث يمكن تحديد مواقعها وجمع بيانات عن أكثر من 500 قرية دُمِّرت أو أُخليت في العام 1948، ووضعها على خريطة تفاعلية وإعادة بناء المشهد التاريخي: مع نمذجة ثلاثية الأبعاد لأحياء القرى المهدمة أو الأحياء القديمة، ومحاكاة مواقع أثرية مهدمة أو مهددة في بيئة افتراضية. وكذلك رسم خرائط للمواقع الأثرية وربطها ببيانات عن الحالة الراهنة. ومتابعة تغيّر الأراضي من خلال استخدام صور أقمار صناعية مع الذكاء الصناعي لرصد التغيرات وإنشاء أرشيف تفاعلي في منصة إلكترونية عامة.
في النهاية، تدعم الإجراءات المشار إليها أعلاه فكرة السيادة الفلسطينية من خلال الأدوات الرقمية، وتعزز إمكانية إدارة بيانات التراث بأيدي فلسطينية وطنية أو مستقلة لإدارة بيانات التراث والثقافة والتاريخ والجغرافيا.
يُذكر أن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت التاسع من أغسطس/ آب يومًا دوليًا للشعوب الأصلية بموجب قرارها 49/214 الصادر في ديسمبر/كانون الأول 1994، وهو تاريخ انعقاد أول اجتماع للفريق العامل المعني بالسكان الأصليين التابع للجنة الفرعية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان.