أحمد الصباهي/جريدة الأخبار
أثارت دعوة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لإجراء انتخابات المجلس الوطني الكثير من ردود الفعل، وكذلك التساؤلات حول التوقيت والأهداف من طرح هكذا مشروع في ظلّ ما يمرّ به قطاع غزة والضفّة الغربية.
هل إطلاق الدعوة لتلك الانتخابات لأعلى سلطة تمثّل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، تأتي في سياق داخلي فلسطيني، له علاقة بتمركز السلطة بيد عباس وخليفته حسين الشيخ، خصوصًا أنّ الدعوة يشترط فيها «الالتزام بمنظمة التحرير الفلسطينية، والتزاماتها الدولية، وقرارات الشرعية الدولية»؟ أم تأتي في سياق عام، خطّط له الأميركي بدعم ومباركة عربية، لحصار المقاومة الفلسطينية وإنهائها؟
وإن كانت اللجنة التحضيرية لانتخابات المجلس الوطني التي انعقدت مؤخّرًا في رام الله، برئاسة حسين الشيخ، قد أجّلت الانتخابات لما بعد انتهاء العدوان على غزة بالكامل، إلا أنّ هذا لا ينفي تعقّب المسار العام، سواء في فلسطين، لبنان، العراق، أو اليمن، وصولًا إلى إيران، والذي يرتبط مباشرة بعناوين القوى المواجِهة للمشروع الإسرائيلي الأميركي، والذي يصبُّ في صالح التمهيد لمشروع التطبيع (اتفاقات أبراهام) الذي دعا إليه ترامب الجميع في المنطقة.
إنّ الأحداث الأخيرة التي ألمّت بلبنان، بعد تبنّي مجلس الوزراء اللبناني لورقة المبعوث الأميركي توم برّاك حول نزع سلاح المقاومة، لا يمكن فصلها عن المسار الذي حاوله عباس في لبنان عبر «نزع السلاح الفلسطيني» من المخيمات. إنّ محاولة السلطة الفلسطينية نزع سلاح المخيمات، وإن كان له ارتباطاته بالصراع حول النفوذ بين فتح وفصائل التحالف وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي، إلا أنه كان مقدّمة لحشر حزب الله في الزاوية، بل ومقدّمة تمهيدية لإسقاط حجّة حمل السلاح، وصولًا لنزعه وهو توجّه أميركي وهذا ما يحصل الآن فعليًا من غير أن يسلّم الفلسطيني سلاحه.
في مقال نشره معهد دراسات الشرق الأدنى، في 22 أيار من العام الجاري، تحت عنوان «نزع سلاح الفصائل الفلسطينية في لبنان يعني نزع سلاح حزب الله»، رأت حنين غدار وإيهود يعاري، في مقال مشترك، أنه «على المسؤولين اللبنانيّين صياغة إستراتيجية واحدة لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية وحزب الله على حدٍّ سواء. فمع معرفة عمق التنسيق بينهما، تحتاج بيروت إلى تغيير عقليّتها في التعامل مع هذين الملفّين بشكل منفصل».
طالبت غدار ويعاري باستعمال القوة العسكرية ومداهمة المخيمات لانتزاع السلاح بدءًا من المخيمات الصغرى، وصولًا إلى مخيم الرشيدية وعين الحلوة ولا ينفصل ذلك الأمر عن حزب الله، كذلك يجب استخدام القوة معه لتسليم سلاحه. وأوصت غدار ويعاري الإدارة الأميركية بربط المساعدات المالية وإعادة الإعمار، بتسليم سلاح المقاومة.
إنّ ضرب تلك القوى مع السلطات الرسمية، ونزع الشرعية عنها، يمهّد لفرض مشروع التطبيع، بعد تصفية القضية الفلسطينة، وإلهاء أو إنهاء القوى الداعمة لها، من إيران إلى لبنان واليمن والعراق، وهو سياق متّصل واحد ويطرح تحدّيًا كبيرًا أمام تلك القوى لمعاودة لملمة صفوفها
يرى الأميركيون أنّ الوقت الحالي هو المناسب لممارسة الضغوط على حزب الله، وصولًا إلى استخدام القوة، ففي مقال لديفيد شينكر وهو يعلم لبنان جيّدًا وشغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى وزار لبنان كثيرًا، نشره موقع دراسات الشرق الأدنى في العاشر من تموز من العام الجاري تحت عنوان «لا مجال الآن للتّساهل مع حزب الله أو بيروت»، يرى أنّ إيران وحزب الله في أضعف حالاتهما وبالتالي يجب ممارسة الضغوط على الحكومة اللبنانية واستخدام القوة مع حزب الله في حال «المماطلة»، ذلك أنّ الحوار الذي يجريه الرئيس عون مع حزب الله، لإيجاد إستراتيجية دفاعية بحيث ينضمّ عناصر حزب الله إلى الجيش اللبناني، مرفوضة أميركيًا.
لا يختلف المشهد كثيرًا في العراق عن قوات الحشد الشعبي، التي يناقش برلمانها «قانون قوات الحشد الشعبي» بحيث تصبح تلك القوة من مؤسسات الدولة، ما استدعى تحذيرًا أميركيًا عبر الاتصال الذي جرى بين وزير الخارجية مارك روبيو ورئيس الوزارء العراقي محمد شياع السوداني، في 22 تموز، أعرب فيه روبيو عن قلقه من أنّ مشروع القانون سيُرسّخ «نفوذ إيران والجماعات الإرهابية المسلحة التي ستقوّض سيادة العراق».
ما أثير مؤخّرًا في حزيران، ولعب على وتره الأميركيون، ما أثارته تصريحات عبد المهدي الكربلائي، الممثّل لآية الله علي السيستاني، في خطبة في كربلاء دعا فيها إلى إصلاحات جذرية وتعزيز سلطة الدولة ومن جملة ما دعا إليه هو «حصر حيازة السلاح بالمؤسسات الحكومية». وقد فُسّرت تصريحات الكربلائي على نطاق واسع بأنها انتقادٌ غير مباشر للمقاومة العراقية.
أمّا اليمن الشجاع، ساحة الإسناد المشرّعة بحرًا وجوًّا، وإن استطاعت أن تُخضع الأميركي للانسحاب من المواجهة وترفع سقف عملية الإسناد إلى المرحلة الرابعة، عبر حصار إستراتيجي لكل سفينة مهما كانت جنسيّتها وفي أي مكان متّجهة للكيان الإسرائيلي، إلا أنّ اليمن محاصر غربيًّا وعربيًّا وربما سيزداد هذا الحصار.
إذا عدنا إلى الوضع الداخلي الفلسطيني، فإنّ دعوات الاحتلال الإسرائيلي المتكرّرة، عبر الدم المراق في غزة، وحملة التجويع والحصار، لتسلّم المقاومة سلاحها كشرط لوقف العدوان وإدخال المساعدات، مترافقة مع مواقف وتصريحات عباس حول السلاح الواحد، تأتي في سياق إنهاء مشروع المقاومة في غزة والضفّة.
وما الإعلان عن إطلاق عملية إسرائيلية جديدة، لاحتلال كامل قطاع غزة لإنهاء المقاومة الفلسطينية بالكامل، هو مرتبط بسياق عام دعا إليه ترامب خصوصًا بعد تراجع دور إيران، وهو ما عبَّر عنه صراحة في مواقع التواصل الاجتماعي عبر قوله: «الآن وقد مُحقت الترسانة النووية التي صنعتها إيران، من المهم جدًا عندي أن تنضمّ جميع دول الشرق الأوسط إلى اتفاقيات أبراهام».
عبر مسار الأحداث في المنطقة، يجد الأميركي والإسرائيلي أنّ الوقت مناسب جدًا لطرح مشروع التطبيع على نطاق واسع، ذلك أنّ قوى المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن، وصولًا إلى إيران، هي في حالة تراجع وتحت الضغط وبالتالي هذه فرصة سانحة لن تتكرّر ربما للقضاء على محور المقاومة، بمباركة عربية، وهو ما عبّرت عنه تصريحات أمين جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط: «حصر السلاح بيد الدولة هو السبيل لتحقيق الاستقرار في لبنان».
إنّ مسار «اتفاقات أبراهام» لن يكون سهلًا ويجد طريقه للتنفيذ ما دامت غزة تقاوم وقوى المقاومة موجودة في المنطقة. إنّ ضرب تلك القوى مع السلطات الرسمية ونزع الشرعية عنها، يمهّد لفرض مشروع التطبيع، بعد تصفية القضية الفلسطينة وإلهاء أو إنهاء القوى الداعمة لها، من إيران إلى لبنان واليمن والعراق وهو سياق متّصل واحد ويطرح تحدّيًا كبيرًا أمام تلك القوى لمعاودة لملمة صفوفها من جديد ومواجهة هذا المسار، عبر إستراتيجية موحّدة. وهو أمر ليس من السهولة بمكان، في ظل اختلال موازين القوى، لكن يبقى الرهان على الشعوب، الحاضنة الشعبية لقوى المقاومة، لديمومتها واستمرارية شرعيّتها، هو رهان ربح دومًا مع المقاومة.